- من أعمال المقاومة بجبل حبيب رفقة المولى إبراهيم بن راشد بعد معركتي المايدة ومعبر الحجارة.
باغت المحتل البرتغالي جبل حبيب بهجوم سنة 919هـ – 1514م عهد دولة بني وطاس، وأدى ﺫلك إلى وقوع معركة «المايدة» التي أودت بدورها – في ذات اليوم وعلى بعد أميال فقط – إلى معركة «معبر الحجارة» الأخطر والأشد، حيث عرفت استشهاد الشيخ زيان أحد رموز الجهاد بشمال المغرب، وترك كل ﺫلك وقعا سيئا في نفوس فرسان الجبل ومحاربيه وغيرهم من قواد ومجاهدي إقليم الهبط عامة، وعليه لم يكن المولى إبراهيم بن راشد أمير الإمارة الشفشاونية ومنسق الحركة الجهادية بالشمال المغربي الوطاسي ليرضى ويقبل بالهجوم البرتغالي المباغت على جبل حبيب وهومركز المقاومة بالشمال الغربي المغربي الواقع ضمن نفوذه الترابي بإشرافه وبقيادة المقدم علي الرواس، وحيث – من جهة – لم تكن تخلو في الأغلب هجوماته على الثغور الأربعة المحتلة1 من مجاهدي ﻫﺬا الجبل، بل في طليعة جنوده، وخاصة عند الغارات على أصيلا، فهم الأقرب إليها، وأكثرهم معرفة بميدانها وبطنجة، وعليه فقد استدعت الضرورة منه العناية العسكرية بالجبل وغيره من الجبال المحيطة بأصيلا2، وهوما كان، حيث «تقوت وارتفع عدد المحاربين فيها»3، ثم أبى إلا رد الاعتبار وإخافة العدوالغاشم وتهديده وإطلاعه على أعداد الجندية الإسلامية حتى لا يجرؤ على تكرار هجوم مباغت على أي من قرى وجبال الجوار الأصيلي، فكان أن نظم في يوم واحد – رفقة قواد كل من تطوان والقصر الكبير»4 وأزجن وصحبة فرسان جبل حبيب – عدة هجومات5 من هنا وهناك رغم علمهم بما عرفته الشهور الأولى لولاية الكوند من ازدياد الوافدين عليها من نبلاء وفرسان، حيث «أضحت المدينة متوفرة على أكثر من مائتي خيال من بين القاطنين، فضلا عن خمسين من الثغريين وأتباعهم»6، ومدى تخوفهم وتأثير ﺫلك عليهم عسكريا.
لكن الغريب – حيث يلاحظ القارئ بوضوح – أن المؤلف رغم اعترافه بهجمات المولى إبراهيم بمشاركة أولائك القواد إلا أنه تحاشى تسجيل إنجازاتهم مكتفيا بالتالي « أن هجماتهم لم تسفر عن خسائر تذكر»7، و«هاجمونا بعض المرات، وأسروا أحيانا المراقبين»8، وسيتكرر ذات الأمر مع المبادرات العسكرية لجبل الحبيب – وسواه – التي استهدفت أصيلا ورغم إقراره بها، إلا أنه أضرب عن الخوض في إنجازاتها وأغض الطرف عن انتصاراتها ولوكانت بألفين من الفرسان والمحاربين المغاربة، إلا مرتين كما سنرى، حتى وإن ادعى أنه يملك ذاكرة قوية وتفصيلا لبعض أحداثهم، لكن تضل هناك أحداث لم يستسغ ذكرها، مكتفيا بالمرور السريع عليها باستحياء، وكأنها ليست بالشيء الذي يذكر، وحيث يقع هذا منه في كثير من الفصول، ويقتصر على العبارات المحتشمة التالية التي تحمل دلالات الانتقاص والتقليل منها قائلا : «وتمكنوا من أسر مراقب»9 ، وقاموا « بهجمات أخرى»10، «وأغاروا علينا بجرأة عدة مرات»11، وفي المقابل استرسل وأطنب – في المقابل – في التفصيل عن غارات المحتل البرتغالي وإنجازاته وتمجيدها وذكر ما لا يستحق ذكره من الغارات والأحداث والدخول في شأنها في جزئيات مملة ومحاولة الإعلاء من قدرها وكأنها انجازات كبيرة، فانظر لغلبة التعصب عليه كلية.
- احتمالية مشاركة جبل حبيب في هجوم محمد البرتغالي الوطاسي على أصيلا سنة 919 هـ – 1514م:
اقتحم البرتغاليون قرية عين مسكر الموجودة في بسيط قريب من القصر الكبير، فتكبدت خسائر12 كبيرة تركت أثرا سيئا في نفوس مسلمي جبل حبيب والمحيط الأصيلي عامة، ولرد الاعتبار والهيبة الجهادية لدى مجاهدي إقليم الهبط هاجم13 الملك الوطاسي محمد البرتغالي أصيلا، ولا أستبعد مشاركة جبل الحبيب مركز المقاومة بالشمال الغربي في ﺫاك الهجوم حيث نجد ما يوحي لدى صاحب الحوليات بمشاركتهم، وهي أن قواد الملك «لم يكونوا على علم بمشروعه إلى أن فوجئوا بوجوده داخل ميداننا حيث سارعوا جميعا للالتحاق به»14، ثم أن «أعدادهم المتراوحة بين خمسة وستة آلاف فارس»15 قد يشفع ﻟﻬﺬا الاحتمال، كما أنه ما ثبت للملك هجوم – حسب الحوليات – دون مشاركة القائد المولى إبراهيم، وهوالمشرف على المقاومة بجبل الحبيب، الذي يعول على فرسانه ومحاربيه عند الغارات والحصارات الملكية لأصيلا أوطنجة.
- من الأعمال الأخرى لفرسان ومحاربي جبل حبيب ضد أصيلا سنة 919 هـ – 1514 م
كانت الأحداث السابقة الذكر أسبابا وجيهة لمسارعة فرسان جبل حبيب ومحاربيه واندفاعهم – كغيرهم من مجاهدي الجوار الأصيلي إلى شن هجومات ضد أصيلا في نفس سنة ردا للاعتبار، وكانت «أغلب تلك الهجمات من تنظيم فرسان جبل حبيب اﻟﺬين كانوا تحت قيادة علي الرواس، الفارس الجريء والمقدام»16، وكما ذكر صاحب الحوليات أنهم «أغاروا علينا بجرأة عدة مرات»17، و«رغم إﻧﺬارات كثيرة ومتتالية أسروا لنا أواختطفوا بعض المراقبين»18، كما «نصبوا لرجالنا كمائن مختلفة وعديدة، ووضعوا لهم شركا في طريقهم19، وأسروا الكثيرين منهم، واعتمد «الرواس» المذكور على حيل وخدع كثيرة، كأن يتسرب إلى الحواجز ليختلط بالمراقبين، سواء في أصيلا أم طنجة، ولم يكن يكتف بأسر المراقبين في مواقعهم بعد أن يخرج بغتة من مخبئه، بل كان كذلك يستولي على رجال وأطفال دون أن ينتبه إليه المراقبون، إلى حد أن الناس في أصيلا وطنجة أضحوا يتوسلون إلى الله أن يحميهم من « علي الرواس «وأن يبعدهم عن طريقهم» ، وعليه «رغب» الكوند «في جعل حد للنشاط المزعج لأولائك المحاربين، ضمانا لأمن وسلامة المراقبين، وأعد خططا لاعتقالهم وأسرهم، ﻟﺬا كلف كشافة بقضاء الليل خارج الحواجز والاحتماء بداخلها بعد طلوع الشمس لمراقبة تحركات العدو، واختار من بين المراقبين وحراس البادية اثني عشر رجلا، كون منهم مجموعتين »20، وللرغبة الشديدة في الإيقاع بعلي الرواس وبمجموعة كبيرة من محاربيه، و« وعدهم الكوند بمنحة من مال الملك الخاص تصل إلى خمسين «كروزادو»21، وزاد من إغرائهم بامتيازات أخرى إﺫا ما تم إمساكه داخل الحواجز، ورغم أنه وقع ضحية لتلك الإغراءات والخطط المحكمة ثمانية أسرى من رجال أبوعلي المنظري – ألد أعداء المسيحيين بتطوان – إلا أن « فرحته كانت ناقصة لعدم تمكنه من القبض على «علي الرواس»22.
- من إنجازات مقاومة جبل حبيب سنة 920هـ – 1515م :
بوغت سوق بني عروس بوغت بغارة مشتركة بين قبطاني أصيلا وطنجة بدعوة من الأول، وتلاها اقتحام آخر لقرية تنياتش23 بضواحي القصر الكبير سنة 1515 م حسب المؤلف، وبالتالي « لم تنعم المدينة [ أصيلا ] خلال الفترة التي تهمنا بهدوء واطمئنان تامين، فقد تكرر إعلان حالات الاستنفار بها، وتعرضت عدة مرات لهجمات مفاجئة، خصوصا من قبل سكان جبل حبيب، اﻟﺬين كانوا يغيرون عليها تحت قيادة « علي الرواش « الذي ضيق الخناق بخدعه وحيله وجرأته الكبيرة على سكان طنجة وأصيلا، فقد هاجمهم عدة مرات، واختطف الكثيرين من المراقبين والسكان، كبيرهم وصغيرهم، المشاة منهم والخيالة »24
- من جهود مقدم جبل حبيب «علي الرواس» سنة 921 هـ – 1516 م :
حفظ لنا ” برناردورودرﻳكس “ في حولياته عن أصيلا إحدى جهود المواجهة والإسهامات النضالية للخبير بشؤون الحرب والداهية علي الرواس من هاته السنة حيث « توغل مرتين داخل ميداننا وحاول – دون جدوى – الاستيلاء على مراقبي ” كورفو“ »25، كما أن ظلمات الليالي لم تكن لتمنعه ﺫات ليلة من الهجوم على أصيلا، فقد « اختفى ليلا بين البساتين وهاجم رجلين كانا يحملان حزمتين كبيرتين من القمح أخذاها من البيدر المجاور، وطعن أحدهما، وأعلنت حالة الاستنفار، فتخلى الرجلان عما كانا يحملانه وهاجماه بجهة الميدان أولا، ثم ﺑ ” القنيطرات “ ثانيا، وطارداه حتى معبر ” علي مكيك “، حيث التحقا بهما الدليل، ولما علم هدا الأخير أن الأمر يتعلق بعلي الرواس منع رجاله من متابعة المطاردة لانتشار الظلام من جهة ولاختفاء المسلمين من جهة ثانية، وقد سبق ﻟ ” الكوند “ أن منعه من مطاردة المغيرين القادمين من جبل حبيب دون ترخيص منه، لعلمه أن ابن راشد المولى إبراهيم ترك أخا زوجته لالة الزهرة المسمى ” مارتينوالعلج “ على رأس خمسين أوستين فارسا»26 لقيادة الجبل مساعدة لعلي الرواس.
- غارات أخرى نظمها الداهية المغوار ” الرواس “ خلال السنة نفسها :
تسرب ﺫات مرة علي الرواس «إلى موقع ” ريد مويينيوش“ وهاجم مراقبين كانا في طريقهما إلى ” بريرال “ لتفتيشه، وأرغمهما على تحويل اتجاههما صوب طريق [ قرية ] الحمر، ثم طاردهما إلى أن أسر أحدهما، بينما تمكن ثانيهما وكان يسمى ” روي دوصا “ من الإفلات والالتحاق بمراقبي ” الحمر “ اللذين كان أحدهما يسمى ” كومش أنريكش “ وكان اسم الثاني ” يوحنا كوريا “، فلما أحس ” روي دوصا “ بوجود الآخرين إلى جانبه لم يكتف بالإفلات من قبضة الرواس بل عاد لمواجهة مطارديه، وسرعان ما اشتبك ” كومش أنريكش “ مع مسلم وسقط وإياه أرضا وهما مثخنان بالجراح، وعلى الرغم من أن المسلمين كانوا عشرين فقد تدخل ” روي دوصا “ ومرافقه ومكنا ” كومش أنريكش “ من ركوب فرسه، وقد هاجمهم أصحاب ” علي الرواس “ من جديد إلى أن أوصلوهم إلى مدخل (قرية) الحمر، دون أن يستطيعوا إبعادهم عن بعضهم، أوأن يجرؤوا على التقدم أمامهم، وحينذاك قرر علي الرواس التخلي عنهم وقصد المنارة، والتحق الدليل بمطلع ” كورفو“ بعد إعلان حالة الاستنفار حيث شاهد علي الرواس وتعرف عليه من خلال عدد مرافقيه، فحاول نصب كمين له، لكن هدا الأخير فضل – بعد أن لاحظ أن مرافقيه لا ينتظرونه وتوقع حدوث أمر سيء – أن لا يلاحقهم، والتحق بالقنطرة عبر الزبوج للابتعاد عن رجالنا، وقد ضيق عليه مطاردوه الخناق إلى حد أنهم تمكنوا من إرهاق فرسين من خيل مرافقيه »27، « وقد قال «الكوند» خلال ﺫلك اليوم أنه لوكان المسلمون مجتمعين ﻟﺬهب إلى مدخل الجبل28 لانتظارهم، وبدلك تمكن علي الرواس هده المرة كذلك من الإفلات»29∙
(1) الثغور الأربعة هي : أصيلا، وطنجة، والقصر الصغير، وسبتة.
(2) كجبل بني ومراس، وبني احمايد، فهما من النفوذ الترابي للمولى إبراهيم وقتها.
(3) حوليات أصيلا (1508 – 1535م) (مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي)، برناردورودريﮝس B. Rodrigues، تعريب الدكتور : أحمد بوشرب / دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007 م، ص : 128.
(4) معبر علي مكيك، Almoquique، وتارة يذكره المؤلف ﺑ «وادي علي مكيك»، ص 132
(5) نظم أول هجوم على أصيلا بعد معبر الحجارة بتنسيق بين قائد العرائش علي بن شقرون، وقائدا القصر الكبير وأزجن، وقد تجاوز ألفي فارس، ولم يشر المؤلف إلى مشاركة مجاهدي جبل حبيب فيه، حيث من المستبعد جدا عدم مشاركتهم، خصوصا وأن ما حدث حدث بالأساس بموطنهم، وحسب المؤلف – أنهم لم يأتوا من أجل خوض معركة مع «الكوند» أوأسر أوقتل المراقبين، وإنما كي نراهم ويطلعوننا على عدد محاربيهم. (انظر : 128)
(6) حوليات أصيلا، 128
(7) نفسه، 128
(8) نفسه، 128
(9) نفسه، 128
(10) نفسه، 144
(11) نفسه، 144
(12) عرف عن برتغالي أصيلا أنهم إذا هجموا على قرية نهبوا دورها وزرائبها واستولوا على ما أمكن لهم من المواشي والأبقار والحجور والأمهار والأفراس والبغال، وأسروا ما استطاعوا أوقتلوا، مما يجعل سكانها متيقظين وخائفين من تعرضهم لغارة مفاجئة، فيبيتون أحيانا في البيادر الكثيرة، وفي الحقول وأماكن جمع المحاصيل اتقاء دلك، فتؤسر أحيانا أغلبية الاسرى في تلك الأماكن، كما وقع في غارة عين مسكر الشهيرة (انظر ص 129 – 130).
(13) عرفت قرية عين المسكر أسر ستة وتسعون فردا، وألف من المواشي، وأربعمائة رأس من البقر، وأربعون أوخمسون من الحجور والأمهار، وأكثر من مائة حمار، فلم يعد لا قائد القصر الكبير ولا قائد أزجن يجرؤ على مهاجمة أصيلا لوحده، مع أن كل واحد منهما كان قادرا على تجنيد ألف فارس، ولما شعر ملك فاس بالضعف في جيران أصيلا تحرك صوبها بسرعة وسرية كبيرتين دون أن تشعر أصيلا بقدومه ولا قواده حتى، وبجنود تتراوح أعدادهم ما بين خمسة وستة آلالف فارس، فعاد بأكثر من ثمانمائة رأس من البقر، وأكثر من ألف رأس من الغنم والماعز، فلم يترك بأصيلا إلا ستا أوسبعا، إذ تم الاستيلاء عليها بالأساس من دواوير وقرى المسلمين، ومنها قرى جبل حبيب كالريحانة خاصة، وﺑﺬلك تضررت أصيلا كثيرا من افتقارها للأنعام، وعانى سكانها من ندرة اللحوم والحليب. ( انظر: 130 – 133 )
(14) نفسه، 131
(15) نفسه، 132
(16) نفسه، 145
(17) نفسه، 145
(18) نفسه، 144 – 145
(19) نفسه، 145
(20) نفسه، 145
(21) نفسه، 145
(22) نفسه، 146
(23) رغم أن قرية تنتايش تقع بحافة شعبة يعلوها تل وعر يمثل أعلى تضاريس المنطقة المحيطة بالقصر الكبير وبه تجاعيد وحجارة كثيرة، إلا أن أحد مقدمي أصيلا « بيرودومنيزش « أنزل خمسين راكبا هاجموا الدور وهم يصرخون، وقد تمكنوا رغم الظلام وقوة الرعد وغزارة الأمطار من أسر خمسة وخمسين شخصا، ومن الاستيلاء على أكثر من ألف رأس من البقر، فضلا عن عدد قليل من الحمير والبغال وستة أوسبعة أفراس، وقد فقدوا في كل واد وكل منطقة موحلة أبقارا وخيلا. ( انظر 137 – 140 ).
(24) حوليات أصيلا، 148
(25) نفسه، ص : 195
(26) نفسه، ص : 195
(27) نفسه، 202
(28) حبك جبل الحبيب ليس بالضرورة أن يكون المدخل المعروف اليوم المسمى ﺑ ” الكروشي “، حيث أستبعد أن يكون هو، فباعتباره مدخلا معبدا وواقعا في السهول آنذاك من الواضح انه يضع أهالي الجبل فريسة للبرتغاليين، ﻟﺬا أظن أن المدخل حينها كان وعرا يصلح أن يكون محط الحرب وموضع الكر والفر كما هومتعاهد عليه في الاستراتيجيات الحربية، والمسلمون كانوا أحوط مع الأحباك نظرا لأهميتها العسكرية البالغة.
(29) حوليات أصيلا، 202