بقوارب لم تك تجري يوماً في النوم ، ولا في مطلق صحو يهذي بالكلمات ،كنت أمضي على غير أمواج، ولكن في صخب روح لا تعرف عواصفُه الهدوءَ، بدليل أن أصابعي العشر كانت لا تعرف كيف تمسك كأسها دون ارتجاف ،في ذلك البار المجاور للدائرة الثانية،
وعلى الشارع الموازي ،أنا كنت هناك ذات أصائل كأنها خارج الزمان
اتحول من بار إلى بار بغير أقدام ولا عيون، ومن قاعة تفيض بما تطمح النفس إلى الغرق فيه.
كانت “أستور” هناك في أعلى ما تراه العين كان ليل الجنرالات،
ومشاهد من زمن الحرب وأيام الجوع وأسلحة النار التي لم تكن توزَّع إلا على لصوص بلد أو من يرضيهم إلى حين.
فمن دفن النيران في أرض كنت أحسبها أرض نعيم؟
أما حين تعتدل خطاي على مرمى شارع كان لا ينحدر إلا بمقدار غير محسوس، فقد كانت هناك قاعة تضج بالأخضر وألوان درر وجواهر في أعناق غيد لم يكُنَّ ليدركهن حلم مراهقتي، فلذلك كنت أنظر إليهم كأنهن من عالم آخر
في قاعة “رِكْسْ” كانت موسيقى الحجرة تنساب إلى حيث كانت كل الأسقف تطير، لكن دون أن تنزل إلينا النجوم ، لأن معظم أقمار الأرض كانت معنا كما كان معنا بعض رجال سمتهم نساء تصاحبنهم أحصنة أما أنا فقد كنت في ضعفي شبيه فراش
ينجذب إلى النار حتى ولو كانت من وراء حيطان فنادق أو دور تجاورها ،رغم أنني كنت أيضاً شديد العطش إلى كل أنواع الجعة التي لم تكن ترويني حتى ولو فاضت حولي شلالاتها، فقد كنت دائماً أرى النبيذ الطيب يسيل من ينابيع لا حدود لفتنتها
مما شجعني على أن أصبح حلماً لا تتوقف أضواؤه حتى أغرقني في نومي الذي حول طريقي عن مدينة لم أكن أحلم بالبقاء فيها\.
لم أبق بالفعل في تلك الأرض، فلقد نَقَلُوني حتى يسهل دفني في البيداء، كما عهدوا أن يعتقلوا في جوف الأرض الآبار، وما يشبع جوع الشعراء.
أحمد بنميمون