الصيف في الريف موسم فيه يُغاث الناس وفيه يحصدون ، ويجنون اللوز والعنب وغير ذلك مما تخرج الأرض من صنوف الزروع و الثمار !
الشمس تنشر خيوطها الذهبية في كل مكان و الصراصير تغني ابتهاجا بقدوم فصل الحصاد ،الماء في الآبار و العيون يزداد نقاء و عذوبة كما يسيح في ما تبقى من الأنهار زُلالا يغري بالكرع النهم .
فتيات المداشر لا يقل اجتهادهن في جمع المحاصيل على اجتهاد الفتيان ،بعض الآباء يعد بناته بجديد الثياب وقدر من المال من أجل حضور بهي في الأعراس و المناسبات في هذا الفصل البهيج ، تشتعل نفوسهن حماسة لقاء هذه الوعدود !
الزهرة تجتث سنابل الشعير بقوة من الأرض لتكون رزما ضخمة يعجز أقوى الشباب على جمع مثلها بكف واحدة ! تفعل وهي لا تكف عن الغناء و ترديد أعذب ألحان إزران ،اليوم وجدت فرصة نادرة لمعاتبة الحبيب على تماطله في التقدم لخطبتها :
(ماذعام ما ذعامين تراجيغش أ الليف إينو راح أويد السكر أذهنا ور اينو)
تتغنى الزهرة بهذا المقطع الشعري بصوت رخم و لحن يبعث على الشجن و يوقض مشاعر الحب و الحنين في قلوب سامعيه، مضمونه :سنة أم سنتان و أَنَا أنتظرك يا حبيبي تقدم لخطبتي ليهنأ قلبي !
عبد الحميد الذي تكبد خسائر فادحة بعد أن نفقت بقرته الحلوب و أحرق الهاشمي أكوام تبنه السنة الماضية، ما جعله عاجزا عن التعجيل بخطبة الزهرة هو مشغول الآن بتجاوز عثراته المالية حتى يكون في وضع مريح يسمح له بشراء أجمل الهدايا لخطيبته و إقامة حفلة تليق بها ليحفظ مكانته بين أبناء مدشره ويحرق قلوب الحساد و العذال ( اشكامن ) ،أمه الوحيدة من تدعم خياراته في حين أن جميع أفراد عائلته يعاكسون إرادته بشدة فكان كلما ضاق ذرعا بضغوط أبيه لفسخ الخطوبة ينزوي الى ضاحية بعيدة ليدخن عشبته المفضلة( الكيف ) ينفث الدخان ومعه ألف حسرة ..يمني النفس بحياة أفضل فلا يجد أمامه حلا سوى ركوب الموج في قارب موت أو حياة كما فعل غيره من أبناء المدشر الذين منهم من استطاعوا تحقيق أحلامهم ومنهم من كان طعما لأسماك المتوسط…الهجرة حل فردي لمشكل جماعي لابد له من حل كما يردد حكيم المدشر دائما !
محمد التكانتي