من جميل الصدف وانا غارق بين اكوام جريدة الامة، لسان حال حزب الاصلاح الوطني بالمنطقة الخليفية، اقلب صفحات اعدادها مارا مر الكرام على عناوين اكثر المقالات، حيث كان جل تركيزي منصب على تخريج وجمع كل دبجته يراعة استاذنا الكبير المرحوم عبد اللطيف الخطيب ، من مقالات وترجمات …اذا بموضوع اثار انتباهي بقوة وجذبني كاتبه لقراءته دون تفكير او روية.
فلم اكن اتصور ان عملاق الادب العربي الاستاذ عباس محمود العقاد له دراية كبيرة واطلاع واسع بدقائق اوضاع المغرب المستعمر بفتح الميم، بشكل واسع. وهذا الامر له دلالته الكبيرة تتمثل في وضوح الرؤية وجلاء الصورة عن كل ما كان يحدث في غرب العالم العربي ، وان اخبار المغرب كانت منتشرة في المشرق وعلى راسها مصر جمال عبد الناصر، بكل تفاصيلها، ابان الفترة المذكورة ، موضوع المقال المنشور بجريدة الامة تحت عدد 768. بتاريخ 22فبراير 1956. من توقيع عباس محمود العقاد.
“نهاية الكلاوي ”
يكتب الفيلسوف العربي الكبيرالاستاذ عباس محمود العقاد، يوميات ينشرها في جريدة الاخبار القاهرية الغراء، وقد علق في العدد الصادر بتاريخ 30يناير المنصرم على وفاة الكلاوي بقوله ( توفي الجلاوي مستوفيا ايامه الى النهاية ، ولكنها نهاية لا تعد من النهايات، في خلق حميد.
كان الفرنسيون يسمونه اسد الاطلس الهرم، ولم يكن فيه شيئ من الاسد، الا ضراوة السباع في بعض الاحايين. اما في غير ذلك فهو اقرب الى الذئب وفصائله المتفرعة عليه، مستانسة او متابدة في القفار والاجام.
واراد القدر له الا يفارق الدنيا الا وقد انتهى الى ذروة المداورة والمداجاة، او انتهى على الاصح الى حضيض هذه العاهة النفسية ، الذميمة.
كان يداجي المستعمرين طول حياته وكان يداجيهم في عزل سلطانه وولي امره، وبلغ منه التبجح في مصانعة المستعمر الاجنبي، انه دخل على السلطان قبل خلعه يهدده، ويريد ان يثنيه عن المطالبة باستقلال بلده.
ولم نعرف ما دار بينه وبين السلطان من مصدر مراكشي نعتمد عليه. ولكننا قرانا خلاصة للحديث بينهما ، رواها مستر جنتر صاحب كتاب _ داخل افريقيا _ فعلمنا من تلك الخلاصة انه لام السلطان وقال له في لهجة التانيب والتبكيت انه: وهو ينتمي الى البيت النبوي _ خليق ان يخجل من مجاورة الثائرين والشيوعيين، وكان جواب السلطان له ان طرده شر طردة. وقال له في رواية جنتر:” اخرج ياكلب”.
والباقي من اعماله العلنية التي كان يباهي بها في احاديثه الصحفية، انه كان اول المحرضين على خلع السلطان، وترشيح خليفته، لانه ينتمي من جهة اخواله الى الاسرة الجلاوية.
ثم عاد السلطان فكان الجلاوي من اول المستقبلين له في باريس، ثم نشرت له صورة شمسية ، وهو يسجد على الارض لتقبيل قدميه.
وهكذا تلخصت حيات طويلة، في طلب القوة والثروة فكانت هذا الهوان، عند المستعمرين وعند ابناء الوطن .
لا اكثر الله من امثال هذا الجلاوي ، التعس … فانهم مع الاسف الشديد في هذا الشرق المنكوب غير قليلين”.
انتهى مقال العقاد الشيق
د. إسماعيل شارية