حراك الحسيمة من أجل العدل والمساواة والكرامة …. وحدة وتضامن المغرب كل لا يتجزأ
الخميس 16 فبراير 2017 – 13:24:15
مُخطئٌ من يَرفع شعارات مستفزة تضع ثوابت الأمّـة في موضع الشك، بل وتسيء إلى هذه الثوابت وأهمها وحدة الأمة التي هي عنوان تماسكها واستمراريتها، أويعمد إلى الفوضى وزرع الاضطراب في المجتمع، بدل التريث والتمسك بالحكمة التي هي عنون النضج والنبوغ ! مُخطِئ من يعتقد أن العنف وحده قادر على أن يثني مُطالبا بالحق، عن “التحرك”بطريقة سلمية، للوصول إلى غايته. فما حقق العنف يوما انتصارا لظالم أو فوزا لمعتد. والتاريخ الممتد عبر آلاف السنين يعرض نماذج من هذا التصور الخاطئ الذي لا زال البعض يصر على فعاليته.
ما حَدثَ ويحدُث في الرِّيفِ، لم ينطلق من حادثة مقتل تاجر السمك بهذه المدينة في أكتوبر الماضي، ولو أن هذه الحادثة الأليمة “حركت” شجون أهل الريف وأعادت إلى ذاكرتهم، بما شكلت واقعة محسن فكري رحمه الله، من “عنف” وما صاحبه من غموض، وما بعثه تماطل القضية على مستوى التعامل الأمني والقضائي معه من شكوك ، في سلامة هذا التعامل. والكل يعلم أن “حراك” أهل الحسيمة والمناطق المجاورة بدأ سلميا، بشهادة الواقع الذي تم تسجيله بالصوت والصورة من طرف وسائل إعلام وطنية ومحايدة أجنبية. ولكن صمت الرباط طال بما عمق الجرح وزرع الشك ودفع البعض إلى اختراع سيناريوهات للفت الانتباه وتحريك الملفات.
خاصة ملف المخطط الملكي لبرنامج “الحسيمة منارة المتوسط” الذي أطلقه جلالة الملك من تطوان عند منتصف أكتوبر سنة 2015، وخصص له ميزانية بقيمة 6,515 مليارات درهم على مدى خمس سنوات ابتداء من الربع الأخير من سنة 2015 هذا المخطط الذي تم إعداده وفق التعليمات الملكية التي تضمنها خطاب جلالته عقب الزلزال الذي ضرب هذه المنطقة من شمال المملكة في 24 فبراير 2004، والذي يقوم على مقاربة جديدة، بهدف مصاحبة النمو الحضري والديموغرافي الذي يشهده الإقليم وتعزيز موقعه الاقتصادي وتحسين إطار عيش سكانه وحماية بيئته وفق خمسة محاور أساسية هي: التأهيل الترابي والنهوض بالمجال الاجتماعي وحماية البيئة وتدبير المخاطر وتقوية البنيات التحتية وتأهيل المجال الديني.
ففي الشق المتعلق بالتأهيل الترابي يستهدف المخطط فك العزلة عن العالم القروي وغرس 8700 هكتار بالأشجار المثمرة وتثمين المنتوجات المحلية وتهيئة مداخل المدينة والمحاور الطرقية الرئيسية بها والفضاءات العمومية والفضاءات الخضراء والساحل ، خاصة بناء مارينا وتهيئة فضاءات ومناظر جميلة. كما يوجد بالمخطط برنامج تكميلي للتأهيل الحضري يهم جماعات الحسيمة وأجدير وامزورن وبني بوعياش وتارجيست والمراكز الناشئة. وفي المجال الاجتماعي يهم المخطط الملكي بناء مستشفى إقليمي ومركز لتصفية الدم وتجهيز المركز الجهوي للأنكولوجيا وبناء وتجهيز خمسة مراكز صحية للقرب وتأهيل وتجهيز البنيات الاستشفائية الموجودة. كما يهم بناء مؤسسات تعليمية وبناء ملعب كبير لكرة القدم وإحداث مسبح أولمبي وقاعة مغطاة بمعايير دولية وتشييد قاعتين مغطاتين بجماعتي أجدير وإساكن وتهيئة ملاعب رياضية لفرق الهواة إلى جانب بناء مسرح ومعهد موسيقي ودار للثقافة.
وفي ما يتعلق بحماية البيئة وتدبير المخاطر يتضمن المخطط محاربة انجراف التربة والوقاية من الفيضانات وتأهيل المطارح العمومية بالإقليم وإحداث متحف إيكولوجي ومختبر للأبحاث البحرية وإحداث حزام أخضر وتثمين المنتزه الوطني للحسيمة. وبخصوص محور تعزيز البنيات التحتية يتضمن هذا البرنامج، على وجه الخصوص، توسيع وتهيئة الطرق المصنفة وإحداث محطة لتحلية مياه البحر وتزويد الجماعات والدواوير التابعة لإقليم الحسيمة انطلاقا من سدود أسفلو وبوهودة وبوعاصم وتحديث وتوسيع شبكة الماء الشروب والكهرباء على مستوى مدن الحسيمة وأجدير وإمزورن وبني بوعياش وتارجيست أما على المستوى الديني فإن المخطط يستهدف بناء مركب إداري وثقافي تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومسجد ومدرسة للتعليم العتيق إلى جانب إعادة تأهيل ثلاثة مساجد.
وتنفيذا لأوامر ملكية، وقع على اتفاقية الشراكة لإنجاز المخطط، كل من وزير الداخلية محمد حصاد، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار، ووزير الصحة الحسين الوردي، ووزير السياحة لحسن حداد، ووزير الشباب والرياضة لحسن السكوري، والوزير المنتدب لدى وزير النقل والتجهيز واللوجستيك المكلف بالنقل محمد نجيب بوليف، والوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي، والوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة شرفات أفيلال.
كما وقع هذه الاتفاقية كل من الكاتبة العامة لوزارة السكنى وسياسة المدينة فاطمة شهاب، والكاتب العام لوزارة الثقافة محمد لطفي المريني، ومندوب المياه والغابات ومحاربة التصحر عبد العظيم الحافي، ووالي جهة طنجة- تطوان- الحسيمة محمد اليعقوبي، ورئيس مجلس جهة طنجة- تطوان الحسيمة إلياس العماري، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب علي الفاسي الفهري، ومدير مكتب التكوين المهني إنعاش الشغل العربي بنشيخ، والمدير العام لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال منير البويسفي، ورئيس المجلس الإقليمي للحسيمة إسماعيل الرايس.
فأين نحن من إنجازات هذا البرنامج التنموي الكبير الذي يوجد على مسافة سنتين من نهايته “الرمزية”؟ وهلا كان من حق أهل الريف أن ينزلوا إلى الشارع للمطالبة بتنفيذ ما تقرر لجهتهم من مشاريع تنموية لا تتحرك إلا لتتوقف وتتعثر بينما جهات أخرى تشهد تطورا تنمويا مستمرا كمدن طنجة ومراكش وسلا وتطوان والرباط والدار البيضاء والقنيطرة ، على سبيل المثال. أليس من طبيعة تعثر مشاريع التنمية بمدن الريف وبواديه أن تجعل مواطنينا بهذه الجهة يشعرون بنوع مما يسمونه في “حراكهم” وتجمعاتهم بــ “التهميش” و “الإقصاء” والحكرة” ، ولو أن مثل هذه الأوصاف لا تخص جهة دون أخرى….. إن أهل الريف قوم متشبثون بعقيدة الإسلام، وبما يضمن هذا الدين الحنيف لكل مسلم من حقوق في الكرامة وفي الحياة وفي العدل والمساواة. كما أنهم أهل أنفة وعزة، يفتخرون بهويتهم الأمازيغية وبتاريخهم المجيد المرصع بالبطولات والأمجاد التي امتدت عبر تاريخ البشرية الى مصر الفراعنة وما جاورها من حضارات سادت ثم بادت، ليبقى الريف يزخر تاريخُه الذي هو تاريخ المغرب البطولي الذي شكل نضال الأمير عبد الكريم الخطابي رحمه الله حلقة زاهية من حلقاته البهية ، وصفحة ناصعة من صفحاته المضيئة، يوم واجه جيوش عدوين قويين عددا وعتادا، في جماعة من رجال عشيرته، بينما غيره ينعم بأفضال المستعمر وخيراته وعطاءاته.
ومع ذلك فأهل الريف لم يكونوا، إلا وطنيين مغاربة شرفاء، متشبثين بأرض مغربهم الكبير وبأمتهم المغربية الكريمة. وكمثال يحمل رمزية قوية، في هذا الباب، أن عائلة نبيلة من تمسمان، عائلة الحاج عبد السلام التمسماني، القريبة من الأمير عبد الكريم الخطابي ساندت بقوة حزب الوحدة المغربية الذي أنشأه في أربعينات القرن الماضي بتطوان، إلى جانب حزب الإصلاح الوطني، الشيخ محمد المكي الناصري، وانضمت إليه هذه الأسرة الكريمة وناضلت في صفوفه وتحت لوائه وشعاره: العرش بالشعب والشعب بالعرش ـ المغرب كل لا يتجزأ ـ وما ضاع حق من ورائه طالب” هذا الشعار ظل مرسوما تحت صورة كبيرة لأمير الريف، محمد عبد الكريم الخطابي، عند مدخل “بيت الوحدة المغربية” فرع طنجة، وهي بناية لا تزال موجودة بشارع الحرية، كانت إلى جانب دورها الجهادي من أجل الاستقلال والوحدة، مدرسة ابتدائية تحمل اسم “معهد مولاي المهدي” الذي كان أول مدرسة ابتدائية وثانوية بداخلية للذكور والإناث بالمغرب أنشأها الشيخ محمد المكي الناصري بتطوان بمباركة من الخليفة السلطاني بالمنطقة الخليفية الذي مول عدة بعثات من طلبة هذا المعهد إلى الشرق، كان من بين طلبة تلك البعثاث الأديب والوزير الراحل محمد العربي الخطابي و الحقوقي أبو طاهر اليطفتي آل العزيز رحمه الله.
آل التمسماني المكرمين ساهموا في تمويل النشاط النضالي للحزب في الداخل والخارج، لدى ، كما ساهموا في تحمل نفقات نشر صحف الحزب، خاصة يومية “منبر الشعب” التي كانت تصدر بطنجة، كما ساهموا في تمويل التعليم بالمعهد حيث كانت مساهمة أولياء التلاميذ “تطوعية” و “رمزية. حقيقة لقد شهد الريف العديد من المشاريع التنموية في الحسيمة كما في الناظور، ولكن منافع تلك المشاريع لم تصل إلى السكان في المدن كما في البوادي، كما أن الخشية والحيطة التي يتم التعامل بها مع أهل الريف لا تعطيهم دائما الشعور بالارتياح والاطمئنان، خاصة وبعض ذكريات الحرب الريفية وما صاحبها من أقوال وأفعال، وأحداث 58 و 84 من القرن الماضي لا تزال تسيطر على تفكير بعض المسؤولين ، وكأنها قدر أو أنها عنوان لأي تحرك مشروع للمطالبة بحق مشروع. وسواء تعلق الأمر بمسيرات “تما سينت” أو أمزورن، أو ترجيست أو بوكيدان، فإن المطالب هي دائما، مزيدا من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد تردي الأوضاع الاجتماعية وطغيان البطالة الطويلة الأمد بين الشباب والفئات النشيطة وغياب فرض العمل من أجل امتصاص البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية.
كما أن الجهات الحقوقية بالريف تندد بسياسة القمع “الممنهج” ضد ناشطي الحراك الشعبي ، والقطع مع الاستبداد والفساد ، وسياسة الافلات من العقاب، ويعتبرون أن الريف بحاجة إلى إصلاحات جدرية ترفع عن السكان الحيف الاجتماعي الذي يمسهم ويحول دون تنزيل العناية الملكية المتمثلة في الإصلاحات التي أمر بها جلالة الملك والتي تضمن بعضها المخطط الملكي للنهوض بالريف.2015 ـ 2019.
والمؤسف أنه بعد أن تدهورت الأوضاع إثر الحراك الذي لم يتوقف منذ نهاية أكتوبر 2016، والذي تسبب، مؤخرا، في مواجهات دامية خلال أحداث بوكيدان، انتبهت الحكومة، أو ما تبقى منها ، إلى المخطط الاقتصادي والاجتماعي الشامل للحسيمة (2015 ـ 2019)، ليدعو الوزير حصاد إلى اجتماع، الجمعة الماضية، حضره كل من الوزير الضريس الشرقي والوزير المنتدب خالد البرجاوي والوزيرة شرفات أفيلال المكلفة بالماء إلى جانب رجال السلطة الجهوية والإقليمية وممثلي القطاعات المعنية، وذلك من أجل الوقوف على وضعية تقدم أشغال إنجاز المشاريع المندرجة في مخطط “الحسيمة منارة المتوسط” (2015- 2019). وبالمناسبة ، دعا وزير الداخلية ـ كما جاء في بيانات صحافية ـ ممثلي مختلف القطاعات الوزارية المعنية بمخطط الحسيمة، إلى ضرورة “الإسراع” في تنزيل المشاريع المندرجة في إطار هذا المخطط التنموي الاستراتيجي، واتخاذ التدابير الناجعة وإيجاد الحلول الممكنة للمشاريع التي يعتريها بطء في عمليات التنفيذ. كما شدد على أهمية مواكبة مختلف المجالات الحيوية، والتجاوب مع تطلعات المواطنين وضرورة التواصل مع مختلف الفاعلين المحليين ، ومواكبة كافة المشاريع المبرمجة والتي توجد في طور الإنجاز. فهل كان ضروريا أن يحدث ما حدث لتنتبه الحكومة إلى الخلل الحاصل في تنفيذ مخطط “الحسيمة منارة المتوسط” وتدعو إلى ما دعا وزيرا الداخلية إليه من الإسراع في مراجعة وتتبع وتنفيذ مشاريع المخطط المبرمجة ؟ تفاديا لظهور شعارات متطرفة ، سارعت جهات منظمة للحراك إلى رفضها والتبرؤ منها واعتبار أصحابها جماعة مندسة تحاول الركوب على حراكها السلمي المدني المتمدن الذي تخوضه من أجل المطالبة بحقوق أساسية وإرساء أسس العدل والمساواة والحرية في مغرب ديمقراطي وموحد. وهي مطالب تشترك مع الريف فيها كل جهات المغرب التي تلح على إصلاحات جذرية لمواجهة الفقر والمرض والبطالة والهشاشة الاجتماعية، وحالات الظلم والحكرة، وذلك عبر الحوار المتمدن واحترام القيم الوطنية ومقومات الدولة المغربية ترسيخا لدولة الحق والقانون التي تكفل الحقوق الأساسية للجميع