حرف وعادات أهل شفشاون المنقرضة أو المُهَدّدة بـالانقـراض ـ 3 ـ
جريدة الشمال – محمد القاضي ( عادات وتقاليد اهل شاون )
السبت 30 نوفمبر 2017 – 15:07:44
وهو عند الحرفيين، خبير بالحرفة يتولى الفصل في المنازعات المتعلقة بالمنتوج وجودته وما إلى ذلك وهم في الحياكة والبناء والجزارة والتجارة وسوق الماشية ومجاري المياه. وكانت المحاكم تستعين بهم في القضايا المتنازع حولها والمعروضة عليها. ومعاينة العيوب والضرر الملحق بالمنتوج ويتدخلون في ما يلحق السكان من ضرر كدخان الحمامات والأفران التقليدية، ويكون من أهل التجربة والحنكة والصدق والأمانة، ويتقاضون أجرهم من المتنازعين بعد كل قضية حسموا فيها.
وهو حسب العرف بمثابة أب الحرفيين والأقرب إلى مشاكلهم ومعاناتهم، وهم مرتبط بالمحتسب لأنه المسؤول عن حل مشاكل قطاعات الصناعة التقليدية، إنه بمثابة القاضي في هذا المجال.
هي المرأة المحترفة في خضب النساء بالحنّاء، ولها مهارة في رسم أشكال ورسوم بديعة على أيديهن وأرجلهن، ولاسيما العرائس، فهي من الطقوس الاحتفالية التي ترافق الزفاف في المغرب بصفة عامة، وتنتمي إلى ماض سحيق واستمرار حضورها القوي اليوم. ومن المعتقدات المغربية المرتبطة بالحناء والزفاف، أسطورة تذهب إلى أن نيل رضا ملكة الجن (لاَلَّة رقية بنت الملك الأحمر) التي تحرس الحمامات العمومية التي ترتادها النسوة باستمرار من أجل الاغتسال، يقتضي من المرأة أن تضع الحناء على أطراف جسمها قبل أن تذهب للحمام، وتوقد قبل الدخول إلى قاعة الاغتسال البخور الطيب. ومن العادات التي لا تزال متبعة في احتفالات الزفاف في المغرب بصفة عامة، عادة تقديم طبق وريقات الحناء المجففة وفوقه بيض الدجاج ضمن الهدايا التي تحمل للعروس. فالحناء تطحن لتطلي العروس بها أطرافها من طرف (الحناية)، والبيض تسلقه العروس وتتناوله صحبة عريسها، أملا في أن تكون حياتها بيضاء خالية من كل تكدير وتعكير، وفي اعتقاد جل النساء المغربيات أن الحناء نبتة من نباتات الجنة وأنها تجلب الحظ السعيد وفرص الزواج، وتخلي العروس عنها نذير شؤم.
ومن المعتقدات الشعبية المرتبطة بالحناء:
1- الإكثار من استعمالها يجعل الشخص حنونا.
2- الجلوس تحت شجرتها ليلا يصيب بالمس لأنها سكن الجن.
3- دفن القليل من الحناء في الأرض الزراعية يزيد من خصوبتها.
4- حمل العازبة لأوراق الحناء في ما يشبه القلادة يسرع زواجها.
5- يتم شربها بعد أن تنقع في ماء ساخن وتعطى للمريض المصاب بمرض الصرع. وقد تشرب أو يرش بها المصاب، حيث يعتقد أن الجن لا يقترب من شاربها لأنها من الجنة ومن عند الله.
وقد تطورت هذه المهنة اليوم وأقبل عليها النساء والفتيات بكثرة بل وحتى الأجانب الذين يزورون المدن العتيقة للسياحة ومنها شفشاون، والحنايات يعرضن فنهن على المارة في بعض الأماكن العمومية.
هو الذي يلحم الأواني القصديرية والنحاسية التي يلحق بها عطب كثقب في الأسفل أو تكسير جوانبها وغير ذلك. كما كان يصنع (الغراف=الكوب) من القصدير لشرب الماء، وهو أنواع: صغير ومتوسط وكبير، وكان باعة الحليب يستعملونها كذلك للكيل، ربع ليتر، نصف ليتر وليتر. انقرضت هذه المهنة في المدينة ولم يعد لها وجود في الأسواق الأسبوعية التي تعقد بضواحي المدينة.
هم عادة ما يكونون من الفرسان الشجعان، موكول لهم حماية التجار أو الحمارة في رحلتهم الذين كانوا يذهبون من مدينة شفشاون إلى مدينة فاس للتبضع سيرا على الأقدام أو راكبين على الدواب، قبل ظهور السيارات وكانوا يتعرضون لخطر قطاع الطريق، وعادة ما يكون الزطاط مسلحا ببندقية وقوي البنية عارفا بالطريق وخباياه (أنظر رحلات حجاج المغاربة مع هؤلاء الذين كانوا يحمونهم مقابل أجر يمنحه رئيس الوفد الحجازي لهم) وقد انقرضت هذه المهنة بشكل نهائي.
محترف طحن الحبوب في الرحى الحجرية التي تدور بالماء، على ضفة النهر أو على مجرى الماء الصافي المضاف. وكانت تنتشر على ضفة نهر رأس الماء بالمدينة، يشتغل بها الرجل (الرحوي) والمرأة (الرحوية) وهي صاحبة الرحى الوحيدة التي كانت داخل سور المدينة في طريق حي العنصر. والمطحن عبارة عن حُجرة صغيرة ذات سقف محدب مكسو بالقرميد الأحمر، ولها ملحقاتها، ينزل ماء الساقية منحدرا في الأنبوب الخشبي، فيسقط مندفعا ويدير بكرة الرحى من أسفل المطحنة فتدار لها أسطوانة الرحى على أخرى ثابتة، يفرغ الحب في القادوس، وهو وعاء كبير هرمي الشكل، موصولة به المرزية، وهي وتد غليظ تتذبذب حين تدور الرحى محدثة سحيفا متواصلا، فتجعل لهوة الحب تتساقط قليلا في فوهة (الصنجة). وحين يطحن الحبّ يتسرب الطّحين من بين أسطوانتي الرحى فيقع في (الثقال) الذي هو (الحاجور) حيث يقع الدقيق.
يأخذ الرحوي أجرته من الكمية التي تم طحنها وذلك حسب الأعراف التي كانت متبعة آنذاك. وقد انقرضت هذه الحرفة ولم تبق من الرحى(26) إلا إثنتين. والباقي معطل لانقطاع الماء عنها.
وهنا رحى لعصر الزيتون وتسمى رحى الزيت أو معصرة، وكانت تقام في نفس الأماكن التي يوجد بها رحاوي الدقيق وكان عددها بالمدينة (18) وقد اندثرت.
حارس الحيّ أو الزقاق والساهر على حمايته من الدخلاء واللصوص، ويستعين بعصا غليظة يستعملها عند الحاجة. وكانت المدينة العتيقة محاطة بسور تنفتح فيه أبواب وهي مرتبطة بموقعها واتجاهات الطرق إلى ضواحيها وبواديها وهي ثمانية: باب العنصر وباب المحروق، وباب السوق وباب العين وباب الموقف وباب الحمّار. وباب القصبة وباب الهرموم. وكانت هذه الأبواب تقفل بعد صلاة العشاء، ولا تفتح إلا بعد صلاة الصبح من طرف (العساس) أي الحارس. وقد انقرضت هذه المهنة بشكلها التقليدي.
هو السقاء الذي يقوم بتوزيع الماء في الأسواق، يتميز بعباءته الحمراء الفاقعة، وشاشيته (غطاء تقليدي للرأس) المزخرفة بالألوان المتدلية من أطرافها والمصنوعة من الحرير، وجرسه النحاسي اللامع الرنان ومع أربع إناءات صغيرة مصنوعة من النحاس كذلك يفرغ فيها الماء للعطشى وكلها علقت على عنقه. ومحفظته الجلدية التي يضع فيها ما يجود عليه به الشاربون، وفي الجانب الآخر يحمل (كربته=المحفظة المائية) المصنوعة من جلد الماعز ليحتفظ فيها بالماء باردا وهي متصلة بصنبور نحاسي يفرغ منه الماء في الإناء. يطوف بالسوق الأسبوعي الذي كان ينعقد بالمدينة يومي الإثنين والخميس مناديا (شربة لله) فيقبل عليه العطشى من الوافدين وخصوصا أيام الحر، كما يذهب إلى أسواق البوادي. وهي مهنة لا يجني منها صاحبها المال الكثير بقدر ما يحصل على الأجر بواسطة عمله هذا. وأصبحت اليوم مظهرا من مظاهر السياحة في المدن العتيقة حيث يفضل السواح الأجانب والمغاربة أخذ صور بجانبهم كتذكار في الساحات العمومية (كجامع الفنا بمراكش وباب بوجلود بفاس وساحة وطاء الحمام بشفشاون). مهنة في طريقها إلى الاندثار. وهناك مثل مغربي يقول معناه: (من يريد الكراب صيفا عليه بمعاملته شتاء).
هو الشخص الذي كان يتجول ببضاعته المتواضعة في سلة مستطيلة يحملها بين يديه يجوب بها الأزقة والدروب وضواحي المدينة مناديا بأعلى صوته للالتفات إليه. وبضاعته في غالبيتها كانت ينحصر في مواد الزينة البسيطة للنساء كالكحل والسواك والغاسول والعكار الفاسي، والمشط والعقيق والصابون وأدوات الخياطة التقليدية وأدوات أخرى تستعمل عند الحاجة وغيرها. وبعضهم كان يتعامل بالمقايضة كتبديل البيض بالسلعة وخصوصا البوادي.
هو الذي كان وما يزال يتولى تسخين مياه الحمامات والمكان ويسمى (الفرناتشي) أي الأتون أو موقد النار في الحمام، بحيث يظل محركا بعوده الحديد (الزوبية) وفوقها (البرمة) خزان الماء الكبير الذي يزود الحمام بالماء الساخن عند الحاجة، وعادة ما يكون خلفه وفي رحبة قريبة منه يخزن فيها الحطب الجزل. وكان يسمح لتلاميذ الكتاتيب القرآنية (المحضرة) القريبة من الحمام بتنشيف ألواحهم من الصلصال في فصل الشتاء، كما كان يقوم بشي الأكاريع والرؤوس أيام عيد الأضحى المبارك مقابل أجر.
هو الحرفي الذي يقوم بدبغ الجلد في أماكن خاصة تسمى (دار الدبغ) أو الدباغ وكانت توجد بالمدينة دار كبرى وأخرى صغرى، الكبرى قرب فندق (باردور) والصغرى في حومة السويقة، وهي أول حومة تأسست بالمدينة. وقد توقفتا عن العمل، وكانتا تحتاج إلى مياه كثيرة لإنجاز العمل التقليدي لدباغة الجلد، وتسمى (تادباغت) وكان عملهم يقتصر على دبغ النعال وجلود المعز والأبقار والغنم وتسمى جلود هذه الأخيرة (البطانة) لأنها تبطن بها البلاغي (الأحذية)، وكانت للحرفيين أعراف خاصة بهم، بحيث كان كل واحد منهم يضع إشارة بموسى الحلاقة على جلوده حتى يميزها عن باقي الجلود الأخرى. ويقوم “الدباغة” بقطع الجلود ويدقونها في أحواض تسمى (القصاري) أو (المجاير) ثم غسلها في صهاريج مملوءة بالماء والجير وقشر الرمان يسمونها (السم) بغاية إزالة الشعر عنها، ثم تغسل من جديد في محل خاص. وهكذا إلى أن تصبح جلودا صافية. ويسميها الصناع في مدينة فاس بدار (الملحة) ويقولون إن لها بركة، ومن دخلها غير صادق أو من أجل السرقة يصاب في صحته أو ماله أو أبنائه. انقرضت في مدينة شفشاون ولكنها ما زالت في مدينتي مراكش وفاس.
ويسمى في عرف المدينة (المعلم) وهو الشخص الذي يعمل في الفرن التقليدي الذي كان يوجد في كل حومة –وما زال في بعضها- حيث يقوم بإدخال قطع العجين الذي تبعث به الأسر مع (الطراح) إلى الفرن بعد تحويله من القوراء إلى قطع مسطحة دائرية الشكل وثقبها بالمثقاب ثم يضعها فوق المطراح وهو عبارة عن قطعة دائرية من الخشب لها يد طويل يمكنه من الوصول بالقطع إلى أقصى مكان في الفرن ليتحول بعد ذلك إلى خبز وتسليمه إلى صاحبه مقابل أجر حسب العرف الجاري به العمل، وهو إما خبزة متوسطة أو مقدار نقدي يحصل عليه (المعلم)، ويبدأ عمله عادة من العاشرة صباحا إلى ما بعد صلاة العصر، باستثناء الأسابيع التي تسبق الأعياد أو مناسبة الأفراح كالأعراس والعقيقة والختان التي تقيمها بعض الأسر، ولم يكن دوره يقتصر على تخبيز الخبز فقط بل بطهي طواجين السمك أحيانا.
وهو الشخص القروي الذي يشتغل في أرض غيره مقابل الخمس ممّا تغله الأرض، ومثله الرباع الذي يستفيد من الربع، وهو عرف ما زال ساري المفعول في قرى وبوادي المحيطة بالمدينة.
وهو محترف النسيج وله مهارة في نسج الملابس الصوفية والقطنية والحريرية والأغطية (التليس والبطانية) وتسمى الحرفة (بتدارازت) وهي كلمة بربرية مشتقة من الدرازة محرفة عن الطرازة والنسب إليها (دراز) أي طراز، وأصحاب هذه الحرفة يصنعون الجلاليب البيضاء والسوداء والحمراء والرمادية والبونية، والقشاشيب (جمع قشابة) وهو لباس الرجال والكرازي أي حزام وهو للنساء يستعمل في البوادي بالخصوص لأنه يساعدهن على حمل الحطب، والحايك، وهو خاص بالنساء. ويمارس هذه الحرفة كذلك النساء في بيوتهن حيث يحكن المناديل من الصوف والقطن. وكانت مزدهرة في مدينة شفشاون منذ قرون بحكم مناخها الذي يعرف بردا قارسا في فصل الشتاء، ويقبل السكان على اقتناء الجلاليب الصوفية التي تقيهم من بردها. ولجلباب أهل البادية ميزة تختلف بها عن جلاليب المدينة، وخاصة في المناسبات والمواسم والأعياد، وهي كونها فضفاضة مزينة بزركش قيطاني معمول من خيوط حريرية متغايرة الألوان، أو بلا تزيين وأيضا قصيرة إلى ما تحت الركبتين بمقدار قليل جدا.
يساعد الدراز مساعدين في مهنته وهما:
(1)- الرداد وهو الذي يرد إليه النزق (آلة بها قنوط خيط الصوف) ووجوده ضروري.
(2)- الجعاب وهو الذي يقوم بتهيئ قنانيط الصوف لاستعمالها في الدرازة.
ويؤدي الدراز الأجور للمشتغلين معه أسبوعيا وفي كل يوم الخميس مساء، لأن يوم الجمعة عطلة. والجلباب الشفشاوني مشهور بجودته وإتقانه..... !!!