تزخر التجربة الشعرية المغربية بشعراء بصموا المنتوج الشعري بالتميز والجودة، وحلقوا في سماء الإبداع والنظم، وشكلوا اتجاهات ومدارس عرفت بسيرها في دروب القريض بكل عزم وقوة. ومن رموز الشعر العربي بالمغرب الشاعر المغربي المعاصر الأستاذ أحمد هاشم الريسوني، شاعر وناقد له باع طويل في دروب الإبداع والتنظير للشعر العربي بالمغرب، وهو أستاذ محاضر بكلية الآداب بتطوان، له مؤلفات عديدة منها النقدي –الشعر العربي المعاصر بالمغرب جدلية الاختلاف والائتلاف-وله دواوين شعرية مهمة.
وسنورد سيرته المقتطفة من موقعه على شبكة الأنترنت
- الحفيد المباشر لقائد الحركة الجهادية لقبائل جبالة الشريف الزعيم مولاي أحمد الريسوني.
- ولد بمدينة أصيلة عام 1960، ثالث يوليوز.
- تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمسقط الرأس، حصل على الباكالوريا في الآداب عام 1982.
- نال شهادة الإجازة في الآداب عام 1987.
وحصل على شهادة دبلوم الدراسات العليا المعمقة عام 1992.
- سنة 1996 ناقش رسالة دبلوم الدراسات العليا في موضوع :”الشعر العربي المعاصر بالمغرب/ جدلية الاختلاف والائتلاف” وعلى إثرها التحق بهيئة التدريس بشعبة اللغة العربية وآدابها/ كلية آداب تطوان، وكان ذلك عام 1997.
- عام 2002 دافع عن أطروحته لنيل شهادة دكتوراه الدولة في موضوع: ” إبداعية الكتابة/ دراسة في التحديث الشعري عند محمد الصباغ” وقد منحته اللجنة العلمية المناقِشة شهادة دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا مع تنويه خاص وتوصية بطبعها.
- يشتغل الآن أستاذ التعليم العالي/ كرسي الشعر الحديث بكلية آداب مرتيل/تطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان.
- له أربعة دواوين شعرية مطبوعة، وهي: 1-“مرتيليات” عام 1998. 2- “النور” عام 1999. 3- “الجبل الأخضر” عام 2000. 4- ” لا ” عام 2012.
- له ثلاثة كتب في الدراسات الأدبية، وهي : 1- “الشعر العربي المعاصر بالمغرب/جدلية الائتلاف والاختلاف” 2011. 2- “إبداعية الكتابة/ دراسة في التحديث الشعري عند محمد الصباغ” 2012. 3- ترانيم في شعرية المنتهى/ قراءات صحبة شاعرات وشعراء من المغرب 2016
والديوان الشعري موضوع البحث بعنوان “لا” وهو متن شعري يضم 29 قصيدة تعتمد نظام الأسطر الشعرية المختلفة من حيث الطول، وتحضر الأندلس في هذا الديوان برموزها المختلفة، وسأحاول من خلال هذا المبحث الكشف عن بعض مضامين المتن الشعري عند الشاعر الريسوني وذلك من خلال ديوانه الموسوم ب “لا” فسأتتبع النصوص الشعرية المكونة للديوان والبحث عن حضور الرمز الأندلسي بمختلف تفرعاته وسأستقصي سياق حضور هذا الرمز والدلالات الكامنة وراءه.
أول قصيدة نتوقف عندها بعنوان “سبتة”[1] تتألف من 13 شطرا شعريا، يقول في مطلعها:
الشموس التي أشرقت بعيدة
ستهجر المنارة بعد وقت قصير
هذه الشموس ستترك
تاركة علب السردين الفارغة
تاركة مناديل التنظيف المدعوكة
القصيدة ذات نفس مأساوي يخيم عليه السواد والموت والتيه، فبعد الهجر والترك والدم، يقر الشاعر أن لا أحد يعرف الطريق والوجهة، يقول:
لا أحد يعلم الوجهة الآتية
لا أحد
ولتوضيح المعنى وزيادة المضمون وضوحا، وظف الشاعر صورة مجازية استحضر فيها الأندلس، فجعل “الطريق” مستعارا له و”الإنسان” مستعارا منه، فأضحى الطريق ذو سحنة، وهي سحنة أندلسية. كما أن الطريق التي يتحدث عنه الشاعر هي طريق عارفة بالسر، ومعلوم أن معرفة الأسرار صفة إنسانية.
فماذا تعرف هذه الطريق؟
تعرف السر الفظيع
يقول الشاعر:
الطريق ذو السحنة الأندلسية
هو العارف بالسر الفظيع
سر الجسد المرمى في السكون
تحضر الأندلس في هذه القصيدة في سياق التأكيد على الفظائع التي عرفتها الأندلس خلال فترة محاكم التفتيش المسيحية، وبعد أن هاجرت الشمس البعيدة ولم يبق إلا بعض مظاهر اليأس والدمار والتيه، تيه يتجلى في الجهل بالوجهة والمصير، هنا يستحضر الشاعر التاريخ القاسي والمرير الذي حل بأهل الأندلس، فكأن الشاعر ينبهنا إلى مصير الأندلس المفقودة وما حل بها من دمار وخراب.
تتمركز هذه القصيدة وسط متن شعري وسمه الشاعر ب “لا” ويتألف من 21 مقطوعة، أولها مقطوعة بعنوان “في انتظار أحمد” و آخرها “أعشقك أيها الشعر”.
يقول الريسوني في أول مقطوعة:
بيدي يا جلدي
أمحو صيحاتها
كم كنت طريقا
والصحو بقايا خطى
فهل الطريق ذو السحنة الأندلسية المذكور في المقطوعة 19 هو نفسه الطريق الذي استهل به الشاعر ديوانه؟
الطريق في المقطوعة الأولى جاء نكرة منونا، لكنه في القصيدة “سبتة” معرف مضاف.
ونحن نتأمل قصائد الديوان نستطيع الربط بين قصائده، فقبل قصيدة “سبتة” التي استحضر فيها الشاعر الهيئة الأندلسية، نقف عند قصيدة بعنوان “دعاء” قصيدة ترسم معالم التاريخ والماضي، وتجسد آلام ومعاناة الناس، قصيدة تصلح لوصف حال الأندلسيين المهجرين المرحلين قسرا، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن الجزم بأنها في وصف حالهم وذكر أوجاعهم.
يقول الشاعر أحمد هاشم الريسوني:
لملم الرهط جلابيب النهار
ثم تزاحموا، طوابيرا
قدام وجه المساء
يصح هذا الوصف على أهل الجزيرة، وهم يتأهبون لمغادرتها بعد طردهم منها من طرف المسيحيين، مشهد ذكره العديد من الشعراء حين رثائهم للأندلس، وأرخ له المؤرخون وهم يصفون نهاية الخلافة الإسلامية فيها.
تركوا الإصبع الدامع في الجدار
تركوا غشاء الهوى
والسنون الباليات
بحلقوا في الدجى
هل يا ترى يأتي البياض
بحصصوا في الحنين
مسحوا جزمة البحر
ثم قالوا: آمين..
متن شعري طافح بالحنين والآسي على قوم يعيشون المعاناة والحسرة، يتأسفون على الماضي ويستشرفون المستقبل، وهو وصف يلائم أهل الأندلس في زمن الأفول والانهيار، فقد تكالبت عليهم الجيوش المسيحية وطردتهم من أرضهم ووطنهم، وهجرتهم قسرا، فلم يبق لهم غير البكاء على الماضي والأمل في القادم.
وكما سبقت الإشارة فلا يمكن الجزم بأن الشاعر الريسوني يصف حال أهل الأندلس، لكن على كل حال فهذه القصيدة بوح صادق وتعبير ملائم عن معاناة شعب بأكمله هُجر وقُتل ونُكل به.
والعجيب في ديوان الريسوني أن قصيدة “سبتة” التي استحضر فيها الأندلس بشكل صريح، تقع بين قصيدتين تلمحان وتومئان للتاريخ الأندلسي، فكما رأينا في قصيدة “دعاء” التي تقع قبل قصيدة “سبتة” يتكرر الأمر نفسه في قصيدة بعنوان “قبلة باقية”
القصيدة من 11 سطرا شعريا، يقول في مطلعها:
في كثير من جهات العالم
يأخذ النمل في بناء مغاراته السحيقة
على مدى ألف عام
أو يزيد بضع ثوان
الثواني الباقيات، حجم الرحيل
فكأنه حديث عن حضارة أندلسية تليدة، شرع أصحابها في بنائها لبنة لبنة، فشيدوا المدارس والمعاهد والمستشفيات والقصور.. لكنهم رحلوا -الثواني الباقيات حجم الرحيل- فالرحيل في نظر الشاعر –مداخن مُطفأة- يتشابه مصير النمل مع مصير الأندلسيين فبعد البناء والتشييد أجبرا على الرحيل، السؤال المطروح ما سبب ذلك؟ فكما جاء عند بعض المؤرخين فإن التخلي عن الدين والانغماس في الملذات من أسباب السقوط، يقول الشاعر:
النمل سكران -إذن-
في تلك الجهات
فهل قصائد دعاء وسبتة وقبلة باقية رسم لتاريخ الأندلس خصوصا؟ أم أنه بوح شعري إنساني عالمي وقع حافره على حافر التاريخ الأندلسي؟
الأكيد أن التجربة الشعرية لأحمد هاشم الريسوني غنية بالمعاني والدلالات، سيكون منها الشخصي والوطني والعالمي، دلالات ستتلاحم مع التجارب الإنسانية والعالمية التي نهل منها الشاعر، وسيمكن الرمزُ بتوظيفاته وتمثيلاته الشاعرَ من التعبير عن مكنوناته والتجاوب مع التاريخ والتفاعل مع الأحداث الماضية والحاضرة.
[1] أحمد هاشم الريسوني منشورات اتحاد كتاب المغرب شتنبر 2012
[1] http://ahmedhachimeraissouni.blogspot.com/
3 منشورات سليكي إخوان ط1 مارس 2012
4 https://www.alquds.co.uk/% / عبد الرحيم سكري
5ديوان “لا” منشورات سبيكي اخوان مارس 2012
6الديوان ص 30
7الديوان ص 33
8الديوان ص 39
9ص 45
10 ص47
11ص 48
ص 5612
[1][1] ديوان “لا” منشورات سبيكي اخوان مارس 2012
د. محمد التويرة