حوار : ” جائحة فيروس كورونا .. إدارة الأزمات و المخاطر”
الدكتور : يوسف هركان
نظم مختبر البحث “Malageo” بشراكة مع Procejus التابعين لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، يوم الثامن عشر من شهر مايو، ندوة افتراضية دولية تحت عنوان “جائحة فيروس كورونا: إدارة الأزمات والمخاطر”.
ندوة كانت فرصة للقاء الباحثين والمهنيين المغاربة والأجانب والمشاركين بمساهماتهم في العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية،لمعالجة المواضيع والمشكلات المتعلقة بالأزمات وإدارة المخاطر المرتبطة بمواجهة فيروس كوفيد19.
مواكبة منها للمواضيع الراهنة و النقاش الدائر حول جائحة كورونا، أنجزت جريدة الشمال حوارا في الموضوع، مع د. يوسف هركان: المنسق العام للندوة الافتراضية، حول موضوع ” جائحة فيروس كورونا : إدارة الأزمات و المخاطر” و ذلك من خلال الأسئلة التالية:
1- نشكركم دكتور على التفاعل الإيجابي مع حوارنا هذا، نحاول بواسطته التعمق أكثر في موضوع الندوة الافتراضية، لذلك و قبل كل شيء،ماذا نقصد بإدارة الأزمات و المخاطر في ظل الجائحة؟
بداية أود التوجه إليكم بالشكر الجزيل على هذه الدعوة الكريمة في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم برمته- وبلدنا الحبيب ليس استثناء- والتي أبانت عن تواضع الجميع أمامها، لمناقشة موضوع من مواضيع الساعة بامتياز.
للإجابة عن سؤالكم ماذا يقصد بإدارة الازمات والمخاطر؟
أقول على أن مصطلح “أزمة”حسب معجم الوسيط يحيل على الشدة أو القحط، وهي كلمة يعود استعمالها إلى الطب الاغريقي القديم وكان يقصد بها نقطة تحول في الأمراض الخطيرة والقاتلة، وأما على صعيد العلوم السياسية والعلاقات الدولية فالكلمة عرفت بدورها تباينا :
- تحول بنية الدولة.
- احتمال مواجهة عسكرية.
- موقف فجائي يضع صناع القرار في وضعية حرجة ويتطلب تدخل دقيق وفعال.
وقد عرف وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية كيسنجر كلمة الأزمة بأنها “مجموعة أعراضsymptômes لوصول مشكلة ما إلى المرحلة التي تسبق الانفجار“.
وعليه وباختصار شديد فإدارة الأزمات والمخاطرهي مجموعة من الاجتهادات والمواقف وردود فعل لمواجهة ذلك الموقف الفجائي،قصد تجاوز الدخول في غمار تداعيات خطيرة وحرجة تؤدي إلى الانفجار، بل هي سباق نظري بضوابط وقواعد علمية وقانونية وتدابير يقصد بها حماية المصالح والإبقاء على الأوضاع القائمة.
-2 –كيف ترون تدبير أزمة كورونا بالمغرب، و خصوصا مجال التعليم العالي
لقد تميزت التدابير التي اعتمدتها الحكومة المغربية لمواجهة ازمة فيروس كورونا بالجريئة،والاستباقية ،مكنت البلاد من تجاوزما هو أصعب ، أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: إنشاء الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كوفيد-19 ” “صندوق طوارئ “والذي جمع أكثر من 32.7 مليار درهم مغربي…
ثانيا:إعلان حالة الطوارئ الصحية ،إصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق 23مارس 2020 والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، وشرعت في تنفيذ تدابير صارمة لاحتواء الفيروس، وقد شمل ذلك إغلاق المطارات والمدارس والمساجد والمقاهي والمحلات التجارية – باستثناء أسواق المواد الغذائية – ومنع التجمعات الكبيرة، بالإضافة إلى إرشادات صارمة لضمان التباعد الاجتماعي…
ثالثا: إحداث لجنة لليقظة الاقتصادية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية : لمعاجة جزء من الأضرار التي سيصيب الاقتصاد والشركات، تعليق دفع الاشتراكات الاجتماعية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تعويض الأجراء، التعويضات العائلية وتلك المتعلقة بالتأمين الإجباري على المرض، الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل…..)
رابعا : التدابير الخاصة بضمان استمرارية خدمات المرافق العمومية الأساسية( العمل عن بعد…)
ورغم كل هذه المجهودات المتباينة يبقى السؤال الذي يصعب الإجابة عنه ولو مرحليا،كيف سيتم تدبير التداعيات الاقتصادية والاجتماعية مابعد كورونا ؟
بالنسبة للجزء الثاني من سؤالكم حول تدبير أزمة كورونا في مجال التعليم العالي، وبناء على التصريح الرسمي لوزير التعليم العالي فقد تم إنجاز ما يلي:
- تم تعليق التعليم الحضوري وتعويضه بالتعليم عن بعد حيث تم إنتاج أكثرمن 115 ألف مورد رقمي متنوع. همت هذه الموارد الرقمية بين 80 % و100 % من المضامين البيداغوجية المبرمجة. وقد تم وضعها على البوابات الالكترونية للجامعات والمؤسسات التابعة لها.
- الجامعات المغربية وفرت ترسانة مهمة من الموارد الرقميةوالسمعية البصرية والعديد من الدعامات البيداغوجية لتمكين الطلبة من الاستمرار في التحصيل الأكاديمي (الاستمرارية البيداغوجية).
- تمكنت الجامعات المغربية بفضل المجهودات الجبارة للأطر البيداغوجية والفرق الإدارية والتقنية للجامعات من توفير ترسانة مهمة من الموارد الرقمية.
- الشروع في تقديم مجموعة من الدروس والمحاضرات المصورة على القناة الرياضية بمعدل 8 ساعات في اليوم، شملت مسالك في حقل العلوم والتقنيات و مسالك في حقل العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ومسلك العلوم الإنسانية. وأخرى تبث في الإذاعات الجهوية، ناهيك عن الندوات والموائد العلمية المستديرة..
لكن في المقابل ورغم كل هذه المجهودات التي بذلت في هذا الإطار إلا أن منسوب الرضي لازال غير مطمئنا فحسب دراسة حديثة حول نجاعة التعليم الجامعي عن بعد أنجزت من طرف مجموعة من الأساتذة خلال الفترة الممتدة من فاتح ماي إلى 12 ماي 2020وشملت 200 أستاذة وأستاذ جامعي و 1340 طالبا وطالبة ، تبين أن:
- “حوالي 8 على 10 من الطلبة الجامعيين راضون إلى حد ما، أو غير راضين تماما عن النتائج المحققة من التعليم عن بعد(وبالضبط% 79).
- طالب واحد على 10عبرو عن ارتياحهم لمستوى ما تحقق من التعليم عن بعد .
- كما أكدت الدراسة أن6,66 طالب على 10(أقل من %7)والذين تابعوا الدراسة عن بعد، يعانون من مشكل الاتصال بشبكة الانترنيت.
- ثلث الطلاب الذين تابعوا دروسهم في فترة الحجر الصحي عن بُعد عن طريق الحاسوب أو اللوح الإلكتروني (Tablettes).
- تابع%46 من الطلاب الذين شملتهم الدراسة دروسهم عبر الهاتف الذكي، سواء الشخصي أو المملوك لفرد من العائلة.
- صرح أكثر من 70 في المائة منهم بأن هذا الشكل من التعليم الذي تم اللجوء إليه اضطرارا خلال فترة الحجر الصحي خلّف لديهم انطباعا سلبيا، وأنهم لا يستطيعون أن يقدموا إضافة جديدة، مقارنة مع التعليم الحضوري”.
وعليه، وفي تقديري لابد من سرد مجموعة من الملاحظات:
أولا: التدريس عن بعد وسيلة هامة وضرورية، لكن تكميلية للتدريس الحضوري وليست بديلة عنه.
ثانيا :التدريس عن بعد يضع مبدأ تكافؤ الفرص في المحك مما ينافي مقتضيات الفصل 31 من الوثيقة الدستورية.
ثالثا: مسؤوليات الدولة في إعداد الوسائلTablette، الاشتراك في الانترنيت، مع التذكير بأن كل ما أنجز ساهم في إعداده مجموعة من الأطر البيداغوجية والإدارية والتقنية ومن خلال مجهودات ذاتية.
3– كيف يمكن قراءة تدبير الأزمات ما بعد كورونا؟
إن محنة فيروس كورونا تدخل في خانة الأزمات التي تلحق الإنسانية والمجتمعات بين الفينة والأخرى في المستقبل من قبيل الأزمات الصحية ، والبيئية الانهيارات المالية ومظاهر تغير المناخ والاحتجاجات الشعبية وعليه أصبح لزاما على الدولة وجميع المؤسسات التابعة لها والجماعات الترابية من الاعتماد على التدبير الاستراتيجي أخذا بعين الاعتبار الأزمات المحتملة وعليه فقراءتي لتدبير الأزمات ما بعد كورونا يستدعي تدريس كيفية تدبير الأزمات على المستوى المركزي وعلى المستوى الترابي من خلال :
- أولا :إعداد أبحاث خاصة بشراكة مع الجامعات ومراكز الأبحاث ، لكن بخصوصية مغربية.
- ثانيا: إعداد خريطة للأزمات cartographie
- ثالثا: إعداد مرجع للتدبير الأزمات Référentiel de gestion des crises
4- ما هي الدروس المستخلصة من محنة فيروس كورونا ؟
“رب محنة في طياتها مجموعة من المنح ” وعليه فالدروس المستخلصة من محنة فيروس كورونا متعددة أذكر من بينها:
أولا: وجوب ترتيب أولويات الدولة :
- إعادة النظر في دور الدولة الأساسي خاصة في بلورة مخطط وطني ” سياسة الإنعاش” في مقابل الفرضيات التقليدية التي تستهدف فقط التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية والبشرية التي لم تعد تفي بالغرض.
- تقوية الدولة الراعية ( الصحة والتعليم) ، إعداد الخريطة الصحية، إعادة النظر في الحوكمة الصحية، الخدمات العمومية وفي الحماية الاجتماعية.
- إعادة النظر في الاستثمارات العمومية ، أولويات السيادة الوطنية على الامن الغذائي و الطاقي وعلى الأمن الصحي وعلى المنتوج المغربي ..
- إعادة النظر في تدبير القطاع غير المهيكل ” الدولة تضيع 34 مليار درهم- من خلاله إعداد استراتيجيات مركزية وأخرى جهوية لدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المجالية.
- صياغة مخططات القطاعات الإستراتيجية المنتهية خلال سنة 2020 بنفس الأزمة(تجاوز البعد القطاعي الواحد)
- الإسراع في تنزيل دو الإدارة الالكترونية Digitalisation de la sphère publique،إزالة البيروقراطية، اعتماد التجارة الالكترونية، تعزيز العمل عن بعد..
ثانيا :تغيير على المستوى الفردي : السلوكيات، التباعد الجسدي ، الفردي، كيفية التعامل ….
ثالثا: توطيد علاقة الدولة و المجتمع: رفع منسوب الثقة والتكامل مع الحرص على استمراريتهما وذلك من خلال:
- إعادة ترتيب دور كل من المواطن –المنتخب – المجتمع المدني – رجل السلطة…
- إعادة الاعتبار للعنصر البشري و للبحث العلمي ومن خلاله التعليم العالي والجامعة المغربية.
- التغيير الثقافي والسلوكي للمواطنات والمواطنين للتعامل مع الأزمات.
رابعا : تدريس كيفية تدبير الأزمات:
- على المستوى المركزي: القطاعات ..
- على المستوى الترابي: الجهات الترابية ..
5- أهم مخرجات الندوة الافتراضية التي قمتم بتنظيمها ؟
شكرا على هذه الفرصة التي أتحتمونها لي للحديث عن الندوة الافتراضية الدولية- وعن بعض مخرجاتها-” فيروس كورونا: إدارة الأزمات والمخاطر” ، والتي نظمت من طرف مختبر البحث “MaLoGEA” بشراكة مع Procejus التابعين لكلية العلوم القانونية والاقتصادية بتطوان يوم 18مايو2020، والتي قمت بتنسيق أشغالها رفقة الزميل الأستاذ راجع محمد أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان وبهذه المناسبة أود التوجه إليه بالشكر والامتنان على كل المجهودات التي قام بها.
كما أشكر السيد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان و نائباه على دعمهم والفريق التقني الذي واكب معنا هذا الإنجاز، وأيضا أود شكر جميع الزملاء من شعبة الاقتصاد وشعبة القانون العام والقانون الخاص على مساهماتهم .
قد عرفت نجاحا متميزا ، إذ اجتمع فيها ما تفرق في غيرها من اللقاءات العلمية وذلك من خلال:
- مشاركة عدد كبير من الأساتذة الباحثين والباحثات، والمهنيين والخبراء ومستشاري بعض المنظمات الدولية كهيئة الأمم المتحدة من جنسيات مختلفة(بلغ عدد المداخلات خمس وأربعون).
- بلغ عدد الدول المشاركة اثنا عشرة دولة( الجزائر، بريطانيا ، رومانيا ، اسبانيا ، قطر، مصر الأردن، إيطاليا، موريتانيا، السينغال، سويسرا، المغرب)
- الجلسات العلمية: بلغ عددها تسعة، ثلاثة باللغة العربية، أربعة باللغة الفرنسية، واحدة باللغة الإنجليزية ، وواحدة باللغة الاسبانية.
وعليه، كانت فرصة لتقاسم التجارب بين المتدخلين من مختلف الدول وفي مختلف التخصصات والمجالات( القانونية،الاقتصادية والاجتماعية ،التاريخ ، الطب..)
أما التوصيات فقد ارتبطت أساسا بالمواضيع التي تهم:
- الشق الاقتصادي: اللوجستيك والتدبير المالي،الاستراتيجيات ، الموارد البشرية ، القطاع البنكي، القطاع السياحي …
- الشق القانوني والاجتماعي:وضعية العقود أثناء أزمة كوفيد،التباعد الاجتماعي، المقاربة القانونية والأمنية بالوسط ألسجني، التداعيات السياسية والعلاقات الدولية لكوفيد، استمرارية المرفق العمومي ، التداعيات الصحية و الاقتصادية والاجتماعية، تدبير الأزمات على المستوى المركزي والمستوى الترابي (دور الجماعات الترابية..)، وضعية السياسات العمومية، إشكالية الإنتاج التشريعي في ظل الأزمات….
وتدقيقا لمخرجات هذه الندوة العلمية والدولية نحن بصدد إعداد كتاب جماعي والذي من خلاله سنضع القراء والمهتمين بكل التوصيات التفصيلية الخاصة بها، وتطويرا لهذه النوعية من الشراكات العلمية سنكون مع موعد للنسخة الثانية في السنة القابلة بإذن الله. وشكرا لكم
حاوره : الدكتور محمد البوشكي