س1 ـ كيف تقدمين الروائية نبيهة عبدالرازق إلى القارئ المغربي؟
اسمح لي أن اتقدم بالشكر لحضرتك الأستاذ ” عبدالإله المويسي” ولـ جريدة الشمال المغربية، وأن أعبر عن اعتزازي بكم.
نبيهه عبد الرازق تحمل ضفتي النهر في تكوينها، فأنا فلسطينية الأصل، أردنية المولد والجنسية والتوجه، عربية الهوى، انسانية الفكر. كونية الطموح.
كان لي شرف الالتقاء بأهل المغرب الكرام خلال زيارتي وتواجدي في معرض الكتاب في الدارالبيضاء في 2014، و 2016. حيث التقيت عددا من الأخوة والأساتذة الأفاضل، وكانت لنا أحاديث متنوعة مع عدد من الكتاب المغاربة الذين أعتز بلقائهم ومعرفتهم.. الأستاذ القاص عبد الحميد الغرباوي، والروائية الصديقة البتول محجوب، والشاعر عز الدين الجنيدي، والناقد الدكتور نور الدين ضرار، والشاعرة والمترجمة فاطمة المسكيني، والشاعرة والمترجمة رجاء الطالبي، والصديق الروائي توفيقي بلعيد الذي كان حاضرا دائما معنا في المعرض، والشاعرة اكرام عابد….وغيرهم من الأصدقاء. وكان لقائي المباشر بالقارىء المغربي والذي ترك أطيب الأثر في نفسي حين التقيت زوار المعرض خلال حفل توقيع روايتي الثانية “ابنة السفير”، التي تشرفت بتوقيعها بحضور عدد من الكتاب والأصدقاء والزوار الذين تواجدوا في جناح دار النشر “دار فضاءات للنشر والتوزيع” حيث تم توقيع الرواية. وهنا التقيت القارىء المغربي الشغوف بالعمل الروائي ليكون ل “ابنة السفير” و “رومينا” وهي روايتي الأولى، شرف الإلتقاء بهم. وأعتقد ان تلك الروايتان هما خير ما يمكن أن يُعرف القارىء بالروائية نبيهة عبد الرازق.
س2 ـ دخلت إلى المشهد الأدبي من جنس الرواية. هل هناك، في تقديرك، خلفية جمالية محددة وراء هذا الاختيار؟
كنت دائمة البحث والسؤال حول من هي نبيهه عبد الرازق. ماذا تريد ان تقول. فكانت الرواية بكل الوهج والتشويق الذي تحمله في طياتها، محطة تسمح بالقول الكثير، حيث هي المساحة الأرحب بالنسبة لي، فيها تعددية الأصوات، وفيها تجتمع الكثير من خيوط الدراما كالفلسفة والعاطفة والتاريخ والخيال. هي متعددة الأشكال ما بين السرد والوصف والخطاب، تقرأ الواقع بصدق وخيال متقد، تعبر الدهاليز المجتمعية وتكشف المستور. فهي قابلة لإستيعاب كافة المواضيع والتحولات والأنماط الحياتية المجتمعية. الرواية رغم صعوبة كتابتها الا أنها كانت عالما أطلق حريتي وشهيتي للإبداع، عالما لم يقيدني بأعرافه المحددة بل كان مطواعا متطورا، وكلما كانت الشخصيات والأحداث تنكتب بين يدي كانت الرواية تختبرني بالسؤال “هل من مزيد؟”.
س3 ـ ما هي الأسئلة الوجودية والإنسانية التي تسعى الكاتبة نبيهة عبدالرازق إلى إثارتها من خلال تجربتها الروائية بشكل عام؟
الرواية هي العمل او الجنس الأدبي الأكثر قربا من الذات والواقع، وقد عادت في أيامنا هذه لتحتل مكانة كبيرة عند القارىء. ويمكن لها ان تكون محطة قراءة للتسلية او للغرام، ويمكن لها أن تكون محطة للترفيه والإستمتاع بعيدا عن الجدية، ويمكن ان تكون انعكاسا لواقع او صراع مجتمعي نلامسه من قريب او بعيد، كذلك يمكن أن تكون أداة للمعرفة وللوعي بسلوكيات الإنسان ونفسياته ومصيره. لكنها، في كل الأحوال، لا بدَّ لها ان تترك في ذهن القارىء اسئلة هامة تدفعه للتفكر مع ذاته ووجوده وواقعه، من أنا، ماذا أريد، ماذا بعد او لماذا وجدت، الى أين. اسئلة تفتح الآفاق، يتحسس بها القارىء الطريق للمستقبل. اسئلة ربما تساعده على وضوح الرؤية والمنهج والهدف والمعادلة والتركيبة المجتمعية. فالقارىء متشابك مع الكاتب في الوجود والأحداث ويحتاج الى معنى حقيقي يتخلله ليكمل المشوار.
س4 ـ هل نستطيع الادعاء الآن بأننا نعيش زمن الرواية؟ وأن الرواية أصبحت الآن “ديوان العرب؟
الرواية كما المرآة، تعكس الواقع، تفككه، وتعيد تركيبه، وتخلق واقعها الخاص، هي فعل يجمع الهم العام بالخاص ويربط الواقع بالخيال والتمنيات، ويتغلغل بالنفس والروح للمتلقي كما للكاتب. وتثير الفكر والتفكر والتدبر وتعكس مجموعة من الحيوات والشخصيات وتتناول الواقع عبر احداث قد يجد القارىء نفسه فيها. وقد تطرح الحلول من وجهة نظر الكاتب. لذا اظنها بكل ذلك يمكن ان تحتل المكانة المتقدمة بين باقي الأجناس الادبية لتكون الأولى بلا منازع في الزمن المعاصر، الذي تزايدت فيه الشكوك والتساؤلات والتخبطات في النفس الانسانية.
س5 ـ كان الهاجس الذي تحكم في روايتك الأولى “رومينا” هو صياغة أسئلة تبحث عن الإنسان. الإنسان بما هو وجود متحرر من إكراهات الانتماء الديني والعرقي، أو اللغوي أو الجنسي.
كيف تقربين القارئ المغربي من الرؤيا التي تؤطر كتابة هذه الرواية؟
القارىء المغربي هو جزء لا يتجزأ من الوجود العربي والهم العربي المشترك، سواء على الصعيد المحلي او العام في مختلف دول الوطن العربي. فالتاريخ المشترك والأمنيات المؤجلة هي ذاتها التي نعيشها نحن في المشرق العربي. فلسطين بلدي الأصل وتاريخي هي القضية الأولى والاهتمام الأول للانسان العربي اينما كان واينما حل. لذا اظن ان رومينا بكل الحس الانساني الذي كُتبت به قادرة على الوصول بسلاسة الى القارىء العربي عموما. رومينا كانت العمل الروائي الذي رسم علاقة انسانية عميقة ومتشابكة للبطلة “رومينا” التي انتقلت من الهم الخاص الى العام، وتأرجحت بين حكم القلب وأمر العقل، وانسابت برومانسية الفتاة الحالمة التي تصطدم بالواقع المختلف نتيجة اوجاع تعيشها بعد وفاة والدها لتقرر في لحظة عودة الحبيب الذي طال انتظاره أن الحياة تحمل اكثر من وجودها الذاتي وأنها ابنة للحياة فكان اندفاعها نحو العام أداة لتحجيم الوجع الخاص والتحرر من الأنا. حملت رومينا الكثير من القيم الانسانية كالصداقة والمحبة والصدق مع الذات والطموح وجميعها قيم أصيلة في مجتمعاتنا سواء في المشرق او المغرب العربي.
س6 ـ في الرواية الثانية “ابنة السفير” تتواصل تقريبا نفس الأسئلة المتعلقة بالوجع الإنساني. وتحضر قضايا وجودية عيمقة. في هذا الصدد أسألك عن الدلالات المحتملة التي تتخذها:
أـ كيف يحضر مفهوم الوطن في روايتك؟
ب ـ كيف تناولت مفهوم الحب؟
ج ـ ما هي الأبعاد التي يحتملها مفهوم المجتمع في روايتك؟
د ـ النفس البشرية؟
ابنة السفير كانت زخما من المشاعر الرقيقة والمرهفة والمترفة التي تحملها البطلة “دنيا”. تشبه الوطن في خيباته وآماله وتحدياته وأوجاعه. خرجت بالوطن من مفهوم الشجر والحجر لتكونه عالما كاملا في الطبيب “ثائر” الذي حمل الوطن قضية ونضالا متوارثا من الأب القائد والأصحاب الملتفين حوله الآخذين على عاتقهم هم النضال الى آخر قطرة دم تجري في عروقهم.
اما الحب فكان فعل بناء الحبيب لها وإعادة صهرها وصياغتها لتتحول من الأنانية والتمحور حول الذات الى فاعل يتحكم بقراراته التي جاءت كبيرة صادمة بحجم الخيبات التي كانتها سابقا. فتحولت من فتاة دمية الى فتاة على درجة من الوعي تستطيع معها ان تخطط وتقرر لحياتها القادمة دون ان تهزمها البناءات القديمة التي كانتها. حب كان دافعا بإتجاه البناء الفكري قبل القلبي لإعادة تكوينها بما يليق بحب الوطن الذي انعجن في بناء شخصية البطل الطبيب الذي تلقفها من حضن الموت ليكون باعث الحياة فيها بمختلف أوجه الحياة.
حول أبعاد المجتمع، اهتمت “ابنة السفير” بالأوضاع المجتمعية عموما، وركزت على حياة ابطالها وأوضاعهم التي تتقلب بين ضدين. حياة الترف لابنة السفير التي يقابلها حياة النضال والاصرار للطبيب. اجتمع الضدين في مواقف عديدة كان الترف فيها يحاول ان يفرض حضوره ليجر الآخر الى عالمه ليكمل المشوار بلا عناء ولا تعب، في ذات الوقت كان النضال هو الاساس الذي يحرك الطبيب حتى في اقصى لحظات تماشيه مع قلبه حين آثر البعد ليترك لها حريتها وحياتها التي اعتادتها قبله. ولم يكن يحمل الاحساس بالانانية الا لسعادتها التي لم تجدها بدورها الا في وجوده، فكانت رحلتها للبحث عنه والتي جندَّت بها كل المعارف والعلاقات التي يمكن ان تساعدها لتحقيق الهدف. ولم يكن الأمر قد اكتمل بداخلها الا في لحظة القرار الذي كان الحب سيده، وأكدت به، أنها تريد ان تصنع واقعا جديدا لها.
أما تقلبات النفس البشرية، وما اكثرها، فإنها تتلازم مع التغيرات في المحيط المجتمعي حولنا. وتختلف تأثيراتها على الفرد حسب مدى قربه منها. فإن كانت تمسه بصورة مباشرة أو تتحكم بأفعاله نجد تقلب النفس شديدا مدويا في دواخلها مما يسفر عن قرار لم يكن للفرد أن يتخذه لولا مروره بتلك الظروف. وهذا ما كان من أمر ابنة السفير حين اصطدمت بحب عظيم زلزل فيها كل القيم والمبادىء التي لازمتها طويلا.
س7 ـ كيف تنظرين إلى الرواية الأردنية اليوم؟
الرواية الأردنية كما الرواية العربية تحاول ان تتشابك مع الهم اليومي والمحيط المحلي بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام. من حيث أن ما يحصل في داخل أي قطر من أقطار الوطن الكبير انما يترك آثاره الواضحة على المنطقة بأكملها. ولا ننسى أن الكاتب الأردني يتشابك بشكل يومي مع كافة المتغيرات السياسة والاقتصادية التي تسيطر الان على الساحة بالعربية عموما والأردنية بشكل خاص. لذا أظن أن الرواية الأردنية باتت تشغل موقعًا جيدا ومتقدما في المشهد الثقافي العربي، وكان للتطور التكنولوجي وسرعة وصول المعلومة دور كبير في انتشار الكثير من الأعمال الأردنية مؤخرا.
س8 ـ ننتقل إلى الحديث عن القارئ العربي. هل ما يزال يحظى الكتاب ومنه الرواية باهتمام القارئ العربي؟
القارىء العربي أظن أنه ما زال يهتم بالقراءة بشكل عام وان لم يكن بالقراءات الأدبية تحديدا، فثمن الكتاب بات يصرف في امور معاشية يومية لا يمكن الاستغناء عنها. أما رفاهية القراءة فأظن أنها باتت مؤجلة في ظل الحصار الاقتصادي والديون التي تغرق بها دول بأكملها والتي هي دلالات ومؤشرات واضحة على مدى الضيق الذي يعانيه القارىء العربي اينما وجد.
س9 ـ ماذا عن الإعلام الثقافي هل تتصورين أنه يقوم بدوره المنوط به لتقديم الكتاب العربي إلى المجتمع؟
باستثناء بعض العاملين في هذا الحقل المهم والأساس لتعريف القارىء بالكاتب والكتاب، فإن أكثر الكتاب والمبدعين يقع على عاتقهم قضية التعريف بكتاباتهم الى الجمهور المحلي وان أمكن العربي. وهم في سبيل ذلك يبذلون الكثير من الوقت والجهد والمال وهذا مجهود اضافي كان يمكن ازاحته عن كاهل الكاتب. وأتمنى على الإعلاميين ان يكونوا أكثر جدية في التعامل مع الكاتب او الكتاب الجيد. كما أتمنى على الجهات المختصة ذات الصلة المباشرة بالكاتب ان تقوم بما عليها من أدوار لدعم الكاتب واخراج الكتاب بما يليق بالقارىء العربي وان تأخذ على عاتقها مهمة اشهار الكتاب والتعريف به. وانا هنا لا انكر على الكاتب سعيه الى اشهار كتاباته بل اعتبر ذلك حق الكتاب على صاحبه ولكنني اشفق على الكاتب من توزيع جهوده في مسارات متعددة بدلا من التركيز على الجوهر الأساس وهو عملية الكتابة، وليس تقديمها للقارىء.
س10 ـ وزارات الثقافة العربية هل في نظرك تقدم ما يكفي من الدعم للتشجيع على الكتابة والقراءة؟
بعيدا عن الاحوال الاقتصادية المتردية للكثير من دولنا العربية، والتي يتبعها طبعا تردي في أوضاع الوزارات الثقافية، الا أننا نلاحظ، عبر الفترات السابقة، أن الانشغال بالهم الثقافي ودعم الكاتب والكتاب يأتي بالنسبة لوزارات الثقافة كإكسسوار لا أكثر ولا أقل، حتى أنك تصل إلى قناعة أن دعم الثقافة هي اخر ما يشغل معظم وزارات الثقافة العربية.
س11 ـ سؤال أخير عن فلسطين. كيف تحضر في عواطفك من داخل الكتابة؟
فلسطين هي المحرك الأساس الذي يشاغلني ويشغلني في كل خطواتي وليس فقط داخل الكتابة. وكما التخطيط كان جزء من ظاهر الأمر، كذلك كان اللاوعي هو المحرك الأساس الذي عبر عن طموحاتي حين عدت لإكمال الدراسات العليا في الجامعات الأردنية، فكان حقل الدراسات الدولية هو اختياري لإكمال دراسة الماجستير في الجامعة الأردنية “حقوق الإنسان والتنمية الإنسانية”. لأكمل مشوار الدكتوراة في دراسة العلوم السياسية في برنامج الدكتوراة في جامعة مؤتة.
فلسطين هي الوجع الذي يحمل أرواحنا للمضي في المتاهات والأزقة فلا نعود الا أقوى . وكيف يمكن أن يتساقط الشهداء الا فداء لها، تلك فلسطين التي لا تحتمل الا قولا واحدا “اما فلسطين واما فلسطين”.
هي القضية التي تقض مضاجع المحتل والمتعاونين معه واللاهثين وراء المال او الكرسي. ليتصدروا مشهدا يحمل لهم الهزيمة والسقوط المدوي. فخارج فلسطين الحق، لا أحد ينتصر.
حاورها عبد الإله المويسي