الفنان والأستاذ عبد السلام القوسي؛ من مواليد 1954بمدينة القصر الكبير العريق، وخو أحد أبرز الأسماء في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر. انتمي للجيل الذهبي للفن المغربي المعاصر؛ حيث واكب واشتغل وعاصر رواده بين فترة أواخر السبعينات والثمانينات والتسعينيات، التي خلالها عرف فيه المغرب بروز مدارس عديدة وأسماء بارزة في الفن المغربي.
تخرج من المدرسة الوطنية للفنون التطبيقية بالدار البيضاء؛ والتحق بعدها بالمركز التربوي الجهوي بالرباط؛ بعدها عين أستاذا للفن التشكيلي بالقصر الكبير.
بعدها اختار عبدالسلام القوسي تتويج مساره الدراسي عبر السلك الخاص شعبة الديكور وفن الإشهار في نفس المدرسة.
قدم العديد من المعارض الفنية في مختلف المدن المغربية،و في الدول الأوربية. كما شارك في العديد من التظاهرات الفنية بالمغرب ذات طابع وطني من عيد العرش وذكرى المسيرة الخضراء…. وذات طابع ثقافي من أسابيع ثقافية وتربوية تعليمية. وله إصدار على شكل بحث في فن الحديد في القصر الكبير وغيرها من الإصدارات المتواضعة في نفس السياق الذي يخدم الموروث الثقافي لبلدنا المغربي.
- نبدأ معك بالسؤل التقليدي حول البدايات الأولى التي مهدت لمجيئك إلى عالم الفن التشكيلي؟
ظهر شغفي ومهاراتي في الرسم منذ نعومة الأظافر، حيث كنت جد منبهر بالرسومات التي كانت في المقررات المدرسية لبوكماخ؛ وكنت أقوم برسمها وإضافة لمساتي الخاصة وأنا أسافر بمخيلتي في الأشكال والألوان التي تركبها. بعدها شاءت الأقدار أن انتقلت مع عائلتي لمدينة طنطان لظروف عمل الوالد رحمه الله؛ فكانت نقلة نوعية في حياتي؛ حيث الصدفة قادتني أن التقيت بفنان كان يرسم بورتريه في الشارع العام ويتقاضى من خلاله أجرا محترما، وكنت يوميا اجلس أمامه وأعود إلى المنزل لأرسم ماكنت أشهاده من تقنيات ومهارات. حينها علمت أن الفن ليس فقط هواية بالنسبة لي، بل سيكون هويتي في المستقبل. بعدا؛ زاد سفري إلى الدول الأوروبية من رصيدي المعرفي خصوصا وكنت ولا زلت دائما مبهورا بالرسامة الذين يرسمون في أشهر الشوارع الأوروبية.
- أين يمكن تصنيف تجربة الفنان عبدالسلام القوسي؟
أولا يمكن أن أنصف نفسي كفنان واقعي، تشخيصي وانطباعي بامتياز كما أني أتقن فن البورتريه بمختلف تقنياتها. فبالرغم من أني انتقلت بين العديد من المدارس الفنية من التجريدي إلى التعبيري مثلا، إلا أن مدرسة الواقع والانطباعية، تبقيا هما القريبتان إلى هويتي الفنية التي ما فتئت ان وجدت نفسي فيها منذ السنوات الأولى من احترافي للفن
بالنسبة لتجربتي الفنية، فيمكن أن أصنفها بالثقافية؛ حيت كان يطبعها الطابع الثقافي عبر البحث عن هوية للفن المغربي، حيث أن واجبنا كفنانون مغاربة بعد التحصيل العلمي الغني الذي تعلمناه من تاريخ الفن العالمي، أن نقوم ببلورة الهوية الثقافية المغربية عبر الإيديولوجيات الثقافية الفنية للرسم. وهذا ما يمكن أن تلاحظه عبر أعمالي مند بداياتي إلى الان، كالفنتازيا مثلا أو المشاهد التعبيرية ذات رمزية عالية للهوية الثقافية المغربية
- أنجزت مؤخرا مجموعة من اللوحات الجديدة تحتفي فيها بمدينة طنجة ما هو سياق هذا الاختيار؟ من جانب، ومن جانب آخر كيف ينظر الفنان عبدالسلام إلى علاقة التشكيل بالمدينة؟
بالإضافة إلى فن الرسم؛ فأنا جد مهتم بالهندسة المعمارية وبالمشاهد الحضارية للمدينة كوجه آخر للتعبير عن الثقافة والتاريخ وتزامن الأحداث الإنسانية والثقافات في مكان واحد. بالرغم من أن التوجه المعماري المعاصر يتلخص في انسلاخ المكان عن التميز الثقافي والاجتماعي غبر العالم إلا أني مازلت أجد أن بالرغم من الحداثة إلا أن لكل مدينة طابعها الخاص الذي أريد إبرازه عبر أعمالي، ولا أجد أحسن من تقنية الكواري بالخصوص للتعبير عن ذلك. وهذا الفن كان في بداية القرن العشرين ولازال دارجا عبر ما يسمى ب carnet de voyage des artistes وخير مثال على ذلك Eugène delacroix في مدينة طنجة. إلا أن أعمالي يطبعها طابع الواقعية وليس التعبيرية.
- هل الفنان عبد السلام القوسي راض عما قدمه لحد الآن من أعمال فنية؟
كيد راض عن مساري الفني، وشعلة الفن لن تنطفئ مادامت الموهبة موجودة. كما يقال: “عملي المفضل هو العمل الآتي مستقبلا”، فبالرغم من انشغالي بتعليم الجيل الصاعد إلا أن اختياراتي الفنية الآن هي أكثر انتقائية، فلا أريد أن يكون فني هو للديكور فقط كما هو مشاع، بل وأريد لأعمالي ان تكون لها رسالة وأميل أن تأخد مسار تعليمي بعد سنوات عديدة من الاحتراف.
- ما تقييمك للفن التشكيلي المغربي الآن؟
الفن التشكيلي المغربي الان أخد مسارا آخر عما كان عليه الجيل الذي أنتمي اليه. فقد واكب الجيل الجديد التقلبات الفكرية لأواخر القرن العشرين والواحد والعشرين، وأصبح أكثر انحيازا وتأثرا بالمدرسة الحديثة والمعاصرة لما تعبر عنه من حرية في التعبير بالخروج عن الواقع وإحداث تواصل قوي بين الرسام والمتلقي. ولكنني مازلت أرى أن انتقال الفنان إلى الفن التجريدي مباشرة لابد أن يسبقه إتقانه لما سبقه، بمعنى أن الفنان القادر على إتقان الواقع ويختار التجريدي كتوجه هو فنان شامل. وخير مثال لدي هو الفنان العالمي بيكاسو
الان، الفن المعاصر في العالم عامة وفي المغرب خاصة شكل نقزة نوعية للفن عبر الصورة والفيديو وغيرها، التي أخدت الأضواء من الفن التشكيلي. ويجب الإشارة أيضا إلى فن الكاريكاتير والرسوم المتحركة والرسوم ثلاثية الأبعاد. فلقد انبهرت بمستوى هذا الجيل من الشباب المغاربة في هذا النوع من الرسم الذين يضاهون الرسامة العالمين. كل الفخر بالجيل القادم؛ فله طابعه الخاص الذي سيبصم بصمة قوية في التاريخ الإنساني
- تميز الفنان عبد السلام القوسي بارتباطه بالفن التشخيصي، هل تفكر في تغيير المسار عبر تبني أساليب توظف التقنيات التجريدية ولربما تنتقل بتجربتك إلى آفاق مغايرة لما عرفت به؟
نعم؛ فمنذ احترافي للفن التشكيلي، شكل الفن التشخيصي توجه محوري في مساري الفني بعد الواقعي، بالخصوص في فن البورتريه، أيضا مررت بالعديد من التقنيات الأخرى كالطبيعي والانطباعي والخيالي. أما فيما يخص التجريدي فأكيد أن لي لوحات وأعمال كثيرة من التجريدي؛ إلا أني غالبا كما قلت لكم سابقا، أميل إلى توظيف الهوية المغربية في أعمالي؛ فتجد الخط العربي الذي أتقنه في لوحاتي التجريدية وأيضا أستحضر النقوش والرسومات المغربية كالزخرفة وغيرها. وفي بعض الأحيان أضيف بعد المواد الجديدة للوحة كالرمل، والمعدن؛ وروق الذهب وغيرها…..
أما فيما يخص التقنيات التي أمارسها؛ فأنا في انتقال دائم بين الصباغة الزيتية و الأكوار يل و أكريليك و pastel و الأقلام الملونة عالية الجودة و الخبر الأسود؛ و قلم الرصاص و
- كيف تقيم اهتمام التلفزيون المغربي ووسائل الإعلام بشكل عام بالفن التشكيلي؟
أجد اليوم اهتام مهم بالفن والفنانين المغاربة في جميع المجالات. فتجد بعض البرامج الخاصة والأخبار اليومية تتطرق إلى المسار الفني لبعض الفنانين المغاربة. فتقرب المشاهد المغربي لهذا الفن الراقي؛ وبدورهم؛ على الفنانين ان يتقربوا أيضا للصورة الفنية بالمغرب بإقامة ورشات ومعارض، مع مواكبة الصحافة السمعية والبصرية وأيضا الإلكترونية لهاته التظاهرات
- ما العمل الفني الذي تتمنى لو أنك من أنجزه؟
سؤال صعب و ذكي جدا، لكن لي عمل قد أبهرني جدا للفنان الإسباني José tapiró y baró و هو تحت عنوان : préparation pour le mariage de la fille du chérif و أيضا يمكن أن أقول الصورة التعبيرية للنقود المغربية
- ما الذي تطالب به المعنيين بالفن التشكيلي… مسؤولين.. فنانين …. نقاد…ومتلقين… وغيرهم؟
ان المجتمعات التي لا تهتم بالفن هي مجتمعات لا روح لها ولا ابداع فيها. فلا يجب مشاهدة الفن التشكيلي من منظور بعيد وكما قلت كديكور للتزيين فقط؛ فطالما كان الفن التشكيلي مواكبا للتوجهات الفكرية التي عرفها الإنسان عبر الزمن؛ فألتمس من المسؤولين أن يعلم الفن التشكيلي في المدارس كمادة أساسية؛ دون انسلاخها عن توجهاتها الفكرية. فهذا سيربي في جيلينا الصاعد ان يكون مسؤولا في اختياراته المستقبلية، فليس المهم ان يكون الفن جميلا؛ بل أن يكون من ورائه فكرة، إبداع، تواصل…. و من هنا تتأثر اختيارات الإنسان في المستقبل و يصبح أكثر نضجا و إبداعا.
وأطالب الفنانين بإحداث ملتقيات فكرية كثيرة مع المعارض والتظاهرات الثقافية ذلك من أجل تقريب المواطن المغربي و بلورة أفكاره لتصبح أكثر انتفاحا وإبداعا .
- ما هي آخر مشاريعك؟
اني الآن في صدد التعداد لمعرض فني تشكيلي حول الفنتازيا المغربية بجميع تقنياتها. كما أن لي مشروع ذو طابع ثقافي وتعليمي أظن أنه سينال استحسان النقاد و المتلقي.
- كلمة اخيرة لقراء جريدة الشمال؟
أتمنى أن يكون هذا اللقاء مثمرا وخفيفا على القراء الأعزاء، و أتمنى لهم عيدا سعيدا و أيام مباركة.
عبدالإله المويسي
رئيس التحرير