الدكتورة آمنة اللوه (1926 – 2015)، هي بنت عبد الكريم اللُّوه أحد أعيان الريف والذي قال فيه العلّامة المختار السوسي إنه «أسهم بماله وقلمه ولسانه في الحروب الريفية ضد المستعمر الإسباني، سواء في عهد الزعيم محمد أمزيان أو في عهد البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي» (المعسول 2/ 320). وُلِدت الأستاذة آمنة اللوه بقبيلة بقيوة (إقليم الحسيمة)، وانتقلت مع عائلتها إلى تطوان حيث درست بـ«المدرسة الإسلامية للبنات رقم 1»، ثم تابعت دراستها بمدرسة المُعَلِّمَات وحصلت فيها على الإجازة ضمن فوجها الأوّل سنة 1948م. وكانت من أوائل الفتيات المغربيات اللواتي تعلّمن اللغة الإسبانية وأتقنّ الكتابة بها. ولنبوغها المبكر أُسْنِدَت إليها وظيفة تسيير «المدرسة الإسلامية للبنات رقم 1» ثم إدارة «مدرسة المُعَلِّمَات» في الخمسينيات من القرن الماضي. بعد ذلك التحقت بجامعة مدريد ونالت شهادة الدكتوراه من شعبة التربية والفلسفة والأدب سنة 1968م، فاتّسعت معارفها وجَادَ أسلوبها، فكتبت القصة والرواية التمثيلية والمسرحية التاريخية والمقالة الأدبية. وقد حازت على عدة جوائز أهمها جائزة المغرب لسنة 1954م (صنف النثر) عن قصة «الملكة خناثة»، ومكافأةً لجهودها في المجال الثقافي مُنِحت «الوسام المهدوي» من الحكومة الخليفية بالشَّمال. كَتَبَت الأستاذة آمنة اللوه في صُحُف تطوان وإسبانيا وفي مجلات المغرب بعد الاستقلال (دعوة الحق، البحث العلمي، المناهل، وغيرها)، وعملت بـ«المركز الجامعي للبحث العلمي» في الرباط على عهد طَيِّب الذِّكْر المُؤَرِّخ الأستاذ عبد الهادي التازي رحمة الله عليه. وكانت لها إسهامات علمية تاريخية وأدبية متميزة لو جُمعت في كتاب لجاء في عِدّة أجزاء.
كانت الدكتورة آمنة اللوه، رحمها الله، من ألمع نساء تطوان في مجال التعليم والثقافة زمن الحماية الإسبانية، وقد تردّد اسمها كثيرا في منتديات وجرائد ومجلات ذلك العهد. ومن المعلوم أنها كانت خطيبة بليغة كما يؤكد ذلك فرناندو بالديراما مارتنيث في كتابه «تاريخ العمل الثقافي الإسباني بالمغرب»، ومن المعروف أيضا أنّ الإسبان شجعوا ذلك التوجه الثقافي أعني تعليم الفتاة المغربية وفتح المدارس أمامها، فأسفرت هذه السياسة عن نشوء منتديات وانعقاد لقاءات ثقافية نجد صداها وتفاصيلها في صُحُف تلك المرحلة، ومِمّا يُسَجَّل للأستاذة آمنة اللوه أنها كانت رائدة في ميدان الدعوة إلى تعليم المرأة، وقد كتبت في هذا الشأن وألقت محاضرات وخطبا تنتصر فيها لفكرة ضرورة مَنْح الفتاة المغربية القدر الكافي من المعرفة والعِلْم، وفي هذا الموضوع عثرنا على أوّل خطاب لها ألقته أمام جمع من النساء، كان ذلك في صيف سنة 1942م، وهو خطاب يُؤرخ لحفلة بمناسبة اجتماع ساهمت فيه المرأة المغربية المسلمة بتطوان، وهي حفلة على حد قولها «الأولى من نوعها في هذه البلاد»، حضر فيها لفيف من وجيهات نساء المجتمع التطواني مغربيات وإسبانيات تتقدّمهن زوجة المقيم العام الإسباني. والوثيقة التي عثرنا عليها هي بدون شك من تحرير الأستاذة آمنة اللوه، فَبِذَيْل نَصّ الخطبة نقرأ عبارة: «هذه هي التي خَطَبَتْهَا بنت اللُّوه»، وتحتها مباشرة نقرأ الآتي: «حَضَرَ الحفلة 39 امرأة».
وواضحٌ أنّ الخطاب مُتأثر لغويا بالقاموس الدبلوماسي لتلك المرحلة من الخَطابة، ونجده في لُغة محافل عِلْية القوم: حيث تقتضي اللياقة استعمال عبارت التفخيم والتبجيل لبعض الشخصيات الحاضرة كما الغائبة، غير أنّ الأهم ما في الخطاب هو أنه يشير إلى بواكير نهضة نسائية تتطلّع من خلالها المرأة في تطوان إلى الرقي بنفسها وإيقاظ المرأة المغربية المسلمة من ركودها الفكري وتنبيهها إلى قيمة القراءة والكتابة وذلك عبر اكتساب المعرفة وارتياد المدارس والنهل من العلوم العصرية لأجل الصعود إلى مدارج التميز والكمال. وفيما يلي نص خطبة الأستاذة آمنة اللوه في المحفل المذكور:
«الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده.
صاحبة الفخامة.
إنّ هذه الجماعة من النساء المغربيات اللَّاتي تشرفن بحضور هذه الحفلة الجميلة التي هي الأولى من نوعها في هذه البلاد والتي كان لفخامَتِكِ فضلُ السّبق إلى إقامتها لتمتين روابط المودة بين المرأتين المغربية والإسبانية تتقدّم إلى فخامتك بالشكر الجميل على الْتِفَاتِكِ إلى المرأة المغربية وعنايتِك بها وتفكيرك في شأنها. وتغتنم هذه الفرصة السعيدة لِتُبَلِّغِي إلى فخامتك بِاسْم جميع النساء المسلمات المغربيات أُمْنِيَتَهُنّ في زيادة الاهتمام بتعليم الفتاة ورفع مستواها الاجتماعي والفكري راجيات أن تكوني رسول المرأة المغربية إلى صاحب الفخامة زوجك العظيم فخامة المقيم العام مُشجِّع أنواع التعليم كي يزداد اهتماما بتعليم المرأة تعليما يُبَلِّغُهَا إلى المَثَل الأعلى للمرأة المسلمة والعمل على فتح أكبر عدد من المدارس للبنات في المدن والقرى. وستكون هذه الأعمال العظيمة ولا شك حسنة من أعظم حسناته تُضاف إلى ما له على هذه البلاد من حسنات. إذ لا يخفى أنّ المرأة أُمُّ الوطن ومربية أبنائه وبناته وأنّ على يدها فلاحَهُم وسعادتَهُم. وأخيرا تقبلي شكرنا وسلامنا الخالص وبَلِّغِي عنا شُكرنا وآمالنا إلى زوجك العظيم المحترم.
تطوان فاتح غشت سنة 1942. .. النساء المسلمات».
ليحيى المغرب ولتحيى إسبانيا.
ليحيى سمو الخليفة. ليحيى مجادة المقيم وزوجته.
د. رشيد العفاقي