…إشباعاً لذاتي المتطلعة إلى الاستزادة من علم التاريخ العربي الحديث ، حظيتُ بوثيقة ثمينة ، و قد أحياها بقلمه ، الدكتور إدريس بوهليلة ، رئيس شعبة التاريخ و الحضارة بكلية الآداب (جامعة عبد المالك السعدي) ، بمرتيل ، أحيا ذاكرة فكرة المغرب العربي الكبير من خلال آخر إصداراته العلمية . ينشد فيه بمؤتمر المغرب العربي المنعقد بالقاهرة من 15 إلى 22 فبراير سنة 1947للميلاد . وهي رحلة قادتني إلى عاصمة المعز لدين الله الفاطمي ، ليكشف لنا الكاتب عن زمان من أزمنة الحركة الوطنية ضدَّ الاستعمار . إذ المؤلف ينتمي إلى المدرسة التي تعنى بالتأريخ . – بين دفتيْ الكتاب ، من القطع المتوسط ، تسعٌ و تسعون صفحة . غلافه ذو اللونين الأبيض و الأخضر ، من منشورات مؤسسة الشهيد امحمد أحمد بن عبود. يتوسط الغلاف عنوانه بالبند العريض “مؤتمر المغرب العربي” ، ليأتي بعد ذلك فهرس الموضوعات و عناوينها المائة ، بالمنهجية في تخريج و ضبط نص المؤتمر ، لفكرة المغرب العربي .. لقد أجاد المؤلف ، إذ أجرى على حدث المؤتمر تحديث شامل ، ليقرّب الشقة بين المصدر الزمني للمؤتمر ، ويكأنه حديث عهد بالأمس القريب . – يشتمل الكتاب على ستة أبواب – – الباب الأول : الاستعمار الفرنسي و الإسباني .. – المبحث الأول : بطلان معاهدتيْ الحماية المفروضتين على تونس و مراكش (المغرب) ، و عدم الاعتراف بأي حق لفرنسا بالجزائر . – المبحث الثاني : مطالبة الحكومات المغربية و الهيئات الوطنية بإعلان استقلال البلاد . –المبحث الثالث : المطالبة بجلاء القوات الأجنبية عن بلاد المغرب كله . – المبحث الرابع: رفض الانضمام إلى الاتحاد الفرنسي في أي شكل من أشكاله . – المبحث الخامس: اعتبار أيام احتلال الجزائر سنة (5/7/1830م) ، و فرض الحماية على تونس سنة (12/5/1947م) ، و فرض الحماية على المغرب سنة (30/3/1912م) أيام حداد في جميع أقطار المغرب العربي . – المبحث السادس: تعزيز الكفاح في الداخل و الخارج لتحقيق الاستقلال و الجلاء . ثم يأتي المؤلف بعرض مختصر و بلمحة تاريخية عن الأطماع الاستعمارية في بلاد المغرب العربي ، بأسانيدها و مراجعها و تواريخها الكرونلوجية . طبيعة و نهضة البلاد المغربية قبل الاستعمار . و مظاهر الاستعمار الفرنسي-الإسباني ، و مسؤولية فرنسا و إسبانيا ، لتأتي المقاومة المغربية للاستعمارين . – الباب الثاني : تنسيق الحركات الوطنية في بلاد المغرب ..- المبحث الأول : ضرورة الاتفاق بين الأحزاب الوطنية داخل كل قطر ، إما باندماجها في حزب واحد ، أو بتكوين جبهة وطنية . – المبحث الثاني : إحكام الروابط بين الحركات الوطنية في الأقطار الثلاث ، و يوصي المؤتمر لتحقيق ذلك بما يأتي .-أ- الاتفاق على غاية واحدة في الاستقلال التام و الجلاء . – ب – تكوين لجنة دائمة من رجال الحركات الوطنية ، مهمتها توحيد الخطط و تنسيق العمل لكفاح مشترك . – ج – العمل على توحيد المنظمات العمالية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية في الأقطار الثلاثة و توجيهها توجيهاً قومياً . –د – ضرورة وقوف الأقطار الثلاثة جبهة واحدة عند حدوث الأزمات في أيّ قطر منها . – الباب الثالث : المغرب العربي و الجامعة العربية . -المبحث الأول : مطالبة الجامعة العربية ، -أ- بإعلان بطلان معاهدتيْ الحماية المفروضتين على تونس و مراكش(المغرب) ، و إعلان عدم شرعية احتلال الجزائر ، و تقرير استقلال هذا الأقطار مع تعيين ممثلين عنها في مجلس الجامعة . –ب- عرض القضية المغربية على الهيئات الدولية ، و استعمال كل ما لدى الجامعة من وسائل لمساعدة أقطار المغرب العربي على تحقيق استقلالها الكامل . –ج- إرسال لجنة تحقيق إلى أقطار المغرب العربي . –د- تعيين ممثلين في أقطار المغرب العربي عند الدول العربية المشتركة في الجامعة . – المبحث الثاني : عرض الحالة الثقافية بالمغرب على الجامعة العربية ، و مطالبتها بالعمل على نشر الثقافة العربية في كل بلاد المغرب ، و حلّ مشكلة الطلاب المغاربة الذين يلجأون إلى المشرق بقصد إتمام دراستهم في المعاهد العربية و تذليل العقبات التي يلاقونها . حتى إنَّ فكرة تأسيس جامعة للدراسات العليا كانت قائمة في طنجة ..- المبحث الثالث : شكر الجامعة العربية على ما بذلته و ما تبذله في سبيل المغرب من مجهودات . ثم جاء المؤلف بخمس قرارات التي اتخذتها الجامعة في حق أقطار المغرب العربي . –أ- لم تخضع في يوم من الأيام هذه الأقطار للأوضاع التي فرضتها السلطات الاستعمارية . من هنا جاءت الثورات المتعددة ، و حركاتها السياسية . –ب- مطالبة الجامعة بعرض قضية المغرب على الهيئات الدولية ، فقوبلتْ بالبطش و سفك الدماء . –ج- الاستناد إلى المذكرات التي ترفع إلى الجامعة لإحاطتها بأعمال التنكيل و المظالم التي تنتهك حرمات المواطنين المغاربة ، و قد تضمن كل ذلك في القرار الثالث . –ه- وهو يرمي إلى تمتين الروابط بين بلاد المغرب العربي و باقي الدول العربية الشقيقة . –و- مطالبة الجامعة العربية بفتح المدارس و إمداد المغرب بالمدرسين و قبول البعثات بالمعاهد العربية . و للأسف مشروع إقامة جامعة للدراسات العليا بطنجة لم تر النور . –الباب الرابع : عرض قضية المغرب العربي على الهيئات الدولية . –المبحث الأول : القرار الأول ، رفع مذكرة إلى إحدى الدول العربية ، و يطلب منها ، رفع القضية إلى هيئة الأمم المتحدة ..القرار الثاني، أنْ ترفع الهيئات السياسية المغربية مذكرة في هذا الشأن إلى هيئة الأمم المتحدة .. القرار الثالث، إرسال مذكرات من الهيئات السياسية المغربية إلى مجلس الاقتصاد و الاجتماع و حقوق الإنسان في المغرب العربي (المادة الرابعة عشرة لميثاق الأمم المتحدة) . فهذه الأخطار التي يرتكبها الاستعمار لا يُدْرك نتائجها . – الباب الخامس : توحيد جهود المكاتب المغربية (المغاربية) في مصر . –المبحث الأول : قرار تكوين رابطة الدفاع عن مراكش ، و الوفد المراكشي في لجان الجامعة بمعية مكتب حزب الشعب الجزائري و مكتب الحزب الدستوري التونسي في مكتب يحمل اسم –مكتب المغرب العربي – . ظلتْ قضية المغرب العربي دون صدى إلا بين الفينة و الأخرى ، و لا تحظى إلا بجزء يسير من الاهتمام ، لأنَّ كل الأقطار العربية كانت تكافح في سبيل تحررها و استقلالها . إذ كان دوْرُ الاستعمار البغيض ضارباً طوْقاً فولاذياً على أقطار المغرب العربي ، و بعيداً عن أشقائه في المشرق . لأنَّ هدف الاستعمار هو ضمّ أقطار المغرب العربي إلى فرنسا ما وراء البحار ، كما “نجحتْ” في ذلك في جزر المحيط الهادي مع كاليدونيا الجديدة . و كانت مهدتْ بالفعل لاستيلائها على السلطات الأربع ، و قامت بمحاربة اللغة العربية (الظهير البربري سنة 1930م) ، من أجل فكرة التنصير الكنسي عن طريق التبشير لازدراء العقيدة الإسلامية و لم تنجح في ذالك إطلاقاً . – المبحث الثاني : تحقيق مكاتب المغرب العربي و إخراج القضية المغربية من دائرتها الضيقة إلى المحيط الدولي . – المبحث الثالث : دور مكتب المغرب العربي بعد توحيد صفوفها . أشرفت على تنظيم سلسلة من المحاضرات عن المغرب و عقدت مؤتمرات في عواصم البلاد العربية ، و إرسال الوفود إلى الخارج للقيام بالدعاية ، و إلى الأمم المتحدة للدفاع عن القضية المغربية . – الباب السادس : قرارات عامة .. أراد الغزاة الاستعماريون الاستحواذ على ثروات البلاد العربية ، و أرادونا أنْ نكون طائعين و كفى . فتصدى لهم ثلة من رجال الحركة الوطنية بعد ثورة الأمير محمد ابن عبد الكريم الخطابي ، فكانت لهم القدرة على استشراف الآفاق ، و مواكبة التطور لتوحيد المغرب العربي و انضمامه إلى باقي الدول العربية بعد استقلالها . و قد استوقفتني هيمنة الروح الوطنية العربية التي كانت تبصر بنور الوحدة على مدّ النظر . –يضمُّ المؤلف مصادر و مراجع ذات مصداقية علمية من بينها : كتاب هذه مراكش للأستاذ عبد المجيد بن جلون . – الحركات الاستقلالية في المغرب العربي ، مؤسسة علال الفاسي (ط 5 ،مطبعة النجاح الجديدة ،1993،للأستاذ علال الفاسي – المراسلات السياسية للشهيد امحمد بن عبود (1946/1949م) ، من تقديم الدكتور امحمد بن عبود (ابن الشهيد امحمد أحمد بن عبود) ، مطبعة تطوان (1437ه/2016م) . – شهادات و وثائق للنضال الوطني للشهيد امحمد ابن عبود ، مطبعة تطوان (1437ه/2015م) . – دراسات ووثائق من مكتب المغرب العربي بالقاهرة ، للدكتور امحمد بن عبود . – النخبة العصرية التونسية لطلبة الجامعات الفرنسية ،كلية الآداب و العلوم الإنسانية و دار الميزان ، سوسة ، تونس 2006م ، للأستاذ عادل ابن يوسف . – هذه تونس ، مكتب المغرب العربي ، مطبعة الرسالة ، القاهرة (9/4/1948م) ، للأستاذ عبد الحبيب ثامر . – الفكر و الثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا (القاهرة ، الدار القومية للطباعة (1385ه/1985م) ، للأستاذ الجندي أنوار . – محمد حسنين هيكل في ذكراه ، سلسلة إقرأ 431 ، القاهرة دار المعارف (1978م) للأستاذ عبد العزيز شرف . – كتاب تطور الوعي القومي في المغرب العربي ، بيروت ، منشورات مركز دراسات الوحدة العربي (ط1/4/1986م) ،للأستاذ مصطفى أفيلال . – كتابات متعددة للأساتيذ : عبد الكريم غلاب / محمد أبو القاسم / امحمد المالكي/ محمود إحسان الهندي /أنوار عبد المالك / . ومن التراجم لشخصيات عربية منهم : عبد الرحمن عزام باشا (1893/1976م) ، وهو أول أمين عام لجامعة الدول العربية .- محمد صالح حرب باشا (1889/1968م) ، كان مناضلاً عن وحدة مصر ، و وحدة الدول العربية . – منصور فهمي باشا (1886/1956م) ، أستاذ الفلسفة ، و عميد كلية الآداب ، جامعة القاهرة . – عبد القادر المغربي (1867/1956م) ، عضو المجامع اللغوية من الشام . –محمد علي طاهر (1896/1974م) ، كاتب و صحافي فلسطيني من نابلس . و آخرون كثر .. الكتاب ذو حمولة تاريخية علمية ، لرجال وطنيين ، ما ضاقت الشخصيات بوطنهم و لا ضاق وطنهم بهم ، كلهم كانوا ينشدون كلمات للأستاذ فخري البارودي : بلاد العرب أوطاني ~ من الشام لبغدان و من نجد إلى يمن ~ إلى مصر فتطوان فلا أحدٌ يباغثنا ولا دينٌ يفرّقنا~ لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان.
عبد المجيد الإدريسي.