دار أنيقة فسيحة تقع بالحي المدرسي بتطوان، احتضنت قاعتها الكبرى وملحقاتها أنشطة ثقافية متنوعة (محاضرات، ندوات، قراءات شعرية، معارض، حوارات، أناشيد…)، أذكر منها تمثيلا لا حصرا:
-ندوة “الإسلام والشباب”التي انعقدت في شهر رمضان 1405/ يونيو1985، وشارك فيها المرحومان الأستاذ محمد المنتصر الريسوني والدكتور حسن الوراكلي، والدكتور إدريس خليفة.
- وفي مستهل شهر فبراير 1990 حضرت محاضرة للمرحوم الأستاذ محفوظ النحناح رئيس “جمعية الإصلاح” الجزائرية، تطرق فيها إلى آفة التخلف ومعرة الفرقة في العالم الإسلامي، داعيا إلى ضرورة تدعيم أواصر الوحدة بين أقطاره إسوة بما كان جاريا وقتئذ من تقارب وتكامل في أوربا.
-
وفي نهاية الشهر ذاته، كان رواد القاعة على موعد مع الأديب والناقد الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، فبعد كلمة الأستاذ محمد العربي الزكاري باسم المجلس البلدي، وكلمة الروائي والناقد عبد القادر الشاوي نيابة عن اتحاد كتاب المغرب، عرض المحاضر ورقة ضمنها بعض خواطره وهمومه عن الكتابة الإبداعية، مصرحا أنه يكون أثناء مزاولتها تحت تأثير مشاعر ثلاثة هي: اللهفة، والخوف، والمتعة؛ مضيفا أن الرواية التي لا تحمل طاقة شعرية هي رواية فاشلة، ناصحا بأن يبقى المبدع مستلهما ذلك القلق الإنساني حتى يظل متجددا، وفي هذا السياق أحال على ما قاله أبو حيان التوحيدي في مقدمة كتابه “الإمتاع والمؤانسة” عن الكتابة الإبداعية، ولما عدت إليه وجدت فيه كلاما بليغا، أقتطف منه في هذا المقام هذه الغرر:((… وليكن الحديث على تباعد أطرافه، واختلاف فنونه مشروحا، والإسناد عاليا متصلا، والمتن تاما بينا، واللفظ خفيفا لطيفا، والتصريح غالبا متصدرا، والتعريض قليلا يسيرا، وتوخ الحق في تضاعيفه وأثنائه، والصدق في إيضاحه وإثباته، واتق الحذف المخل بالمعنى، والإلحاق المتصل بالهذر، واحذر تزيينه بما يشينه، وتكثيره بما يقلله، وتقليله عما لا يستغنى عنه؛ واعمد إلى الحسن فزد حسنه، وإلى القبيح فانقص من قبحه…)) ص:9
وفي ختام كلمته حث على وجوب تغذية المجتمع العربي بأعظم ما وهبنا الله ألا وهي نعمة “الكلمة”.
- وفي نهاية يونيو 1992 شرفت بتقديم اليوم التضامني مع شعب البوسنة والهرسك المنظم من لدن جمعيات ثقافية تطوانية، وشاركت فيه بكلمات مناصرة لصموده، شخصيات من تطوان، أذكر منها العلماء: الشيخ إسماعيل الخطيب، ومحمد المنتصر الريسوني، وعبد الله التمسماني، ومحمد الحبيب التجكاني، رحمهم الله جميعا.
ومن خارجها الأستاذان المرحومان: إدريس الكتاني عن نادي الفكر الإسلامي بالرباط والأستاذ عبد الله باها عن جريدة الراية، والأستاذ المقرئ أبو زيد عن الجمعية المغربية للتضامن مع مسلمي البوسنة والهرسك.
وفي المساء كان الحضور على موعد مع “فرقة الياسمين” التي قدمت أناشيد حماسية، ولأول مرة أقدمت على تلحين وإنشاد أبيات من قصيدة للشاعر الفلسطيني عبد الرحمن صالح العشماوي وجدناها في “مجلة البيان” الصادرة عن المنتدى الأدبي بلندن والتي قال فيها:
نناديكم وقد كثر النحيب
نناديكم ولكن من يجيب؟
نناديكم وآهات الثكالى
تحدثكم بما اقترف الصليب
سراييفو تقول لكم ثيابي
ممزقة وجدراني ثقوب
محاريبي تئن وقد تهاوى
على أركانها القصف الرهيب…
ثم عرض شريط وثائقي فضح بشاعة جرائم التصفية العرقية التي أودت بحياة آلاف الأبرياء العزل من أبناء البوسنة والهرسك.
وختم اليوم برفع الداعية الأستاذ العياشي أفيلال، رحمه الله، كف الضراعة إلى العزيز القهار لرفع ما حاق بأهل البوسنة والهرسك من ظلم عدو جبار.
وبعد؛
فها هي منارة دار الثقافة تتعزز اليوم بمركب مجاور لها، هو المركز السوسيو- ثقافي التابع لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعيةللتربية والتكوين؛ الذي يعد نقطة مضيئة، وقيمة مضافة للحقل الثقافي التطواني، بفضل حيوية الفريق الشاب الساهر على تسييره وتدبير أموره، والذي شهد فضاؤه الأنيق أنشطة ثقافية وفنية ناجحة منذ انطلاقته المباركة.
ولا ريب؛ فهذا كله استثمار طيب في رأسمال بشري هائل متمثل في أفواج تلاميذنا وطلبتنا المعول على تكوينهم تكوينا جيدا يرقى بوعيهم وقدراتهم لبناء مغرب جديد، قولا وعملا.
وإقرارا بأفضال هذه الدار، وحتى تبقى أنشطتها حاضرة في الذاكرة الجماعية التطوانية، حبذا لو عمل الخلص من الغيورين، على تأريخ وتوثيق ما أقيم فيها من أنشطة، وإخراجه في سفر معزز بالمناسب من الصور.
وفي ذلك شهادة اعتراف بجهود من تعاقب عليها من محافظين، ومنظمين، ومشرفين، ومشاركين، ومرتادين…
والاقتراح عينه، حبذا لو يجد صداه لدى الأعزاء في المركز السوسيو-ثقافي؛ خدمة للثقافة البانية، عن يقين بأنها هي مناط وجود أمتنا ودليل سيرها وسراها.
د. محمد محمد االمعلمي