معاناته مع شعْرة معاوية، معاناةُ حقيقيةُ، فبينما تشدها بعض الأطراف شدا قويا يكاد يقطعها، تجده يرخيها أملا في أن تظل صِلاته بالأقارب والخلان، قائمة دائمة متجددة.
وهو يشعر في هذه المعادلة أو الكفة أو المواجهة، بأنه الطرف الأضعف، لأنه يؤْثر الدفاع، ولا يلجأ إلى الهجوم، خوفا على هذه الشعرة من أن تتقطع.
كما يشعر بأن الحفاظ على العلاقات أيّاً كان نوعها، وتجنيبها الكَبوات والعثرات، أمر يتطلب الصبر الجميل، وسعة الصدر، والأعصاب الباردة، وعدم الانفعال، واسمحوا لي أن أضع خطين تحت عدم الانفعال، فالكثير من الأمراض الخطيرة، تأتي نتيجة للانفعال والغضب الشديد.
شعاره في كل هذه العلاقات، الآية الكريمة: «ادفع بالتي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
به –أي بهذا الشعار- يستزيد من الأصدقاء، ويوطد علاقته بالأهل والأقرباء، ويقلص من عدد الأعداء، ويعامل الجميع معاملة قوامها الاحترام المتبادل.
لذا تجده يسير في هذه الحياة «حْويطا حْويطا»، خوفا من أن يصطدم بأحد، أو يصطدم به أحد، أو يقع احتكاك بينه وبين أحد.
وسيرته هذه، قد يفسرها البعض بالبُرود، وقد يفسرها البعض بقلة الحيلة، وقد يفسرها الآخرون بالخوف من المواجهة.
ومهما تعددت التفسيرات، وتنوعت التأويلات، وقيل ما قيل في حقه، فإنه راض كل الرضا عن سلوكه، وراض كل الرضا عن حياته، وراض كل الرضا بما قسمه الله له.
قد لا تكون مغانمه كثيرة، وقد لا تكون مكاسبه وفيرة، لكنه قنوع بنصيبه من الدنيا، والقناعة –في حد ذاتها- كنز لا يفنى، ورصيد لا ينفَد.
فإذا كان لديه هذا الرصيد، فإنه غني بما آتاه الله من نعم لا تعد ولا تحصى، غني بالرزق الحلال الطيب، غني بنعمة العافية، غني بالذرية الصالحة، غني بنعمة الهداية، غني بنعمة الاستقرار.
فلِم لا نحافظ – في شبكة علاقاتنا- على شعرة معاوية، كما يحافظ عليها هذا الشخص؟
لِم نتطاحن ونتخاصم؟ لِم يخاصم الأخ أخاه، ويقارع الصديق صديقه، ويدس هذا لذاك، ويحتال هذا على ذاك؟
أمن أجل عَرَض زائل من متاع الدنيا؟
مصطفى حجاج