خرج من هذا العرس، كما يخرج من الأعراس الأخرى، مشفقا على أذنيه مما أصابهما من طنين، وما ترسب فيهما من هدير.
إن معظم أجواقنا تصر إصرارا غريبا على أن نحمل معنا شحنة من زعيقها، لتصحبنا وتلازمنا حين نتوسد وسادة النوم، ونخلد للراحة.
والسبب، أنها ركبت موضة الصراخ، والنفخ في الأبواق، فاستهوتهما ووجدت فيهما أحسن وسيلة لتغطية العيوب، وفلتات اللسان، والأصوات النشاز، فوظفتهما أبشع ما يكون التوظيف.
والتعميم في نظر هذا المدعو، لا يجعله ينكر أن هناك أجواقا لا زالت تتمسك بطقوس خالدَي الذكر الفنانيْن محمد العربي التمسماني، وعبد الصادق شقارة، وتُخلص للطرب الأندلسي، وتعتبره تراثا فنيا ينبغي الحفاظ عليه، ولا تلتفت إلى ما عداه من هذه الأغاني المبتذلة، التي لا تستسيغها الآذان، ولا تميل إليها النفوس.
لكن هذه الأجواق، لا تتعدى الثلاثة أو الأربعة، وهو يتخوف من أن يجرفها التيار، ويحيد بها عن الجادة، خصوصا إذا وقعت تحت ضغط الطلبات: طلبات أغنيات معينة، ووصلات معينة.
كم يتمنى أن يدخل يوما إلى قاعة من قاعات الحفلات، فلا يجد فيها أبواقا ولا مكبرات صوت، ولا يسمع زعيقا ولا نفيرا، وإنما يتعامل معه الموسيقيون بطريقة حضارية، فيها ذوق، وفيها سلاسة، وفيها حلاوة وطلاوة، تحبب لك السماع، ولا تنفرك منه، وتقربك من الموسيقى، ولا تحول بينك وبينها.
كم يتمنى أن يفهم موسيقيونا، أن الموسيقى فن رفيع، يستميل السامعين بحسن الأداء، وجودة العزف، والصوت الحسن. إنها تخاطب الأرواح، وتناجي النفوس، وترقى بالوجدان، وجميع هذه الصفات، يفسدها أو ينال منها مكبر الصوت، إذا لم نحسن التحكم فيه، وكبح جماحه.
فرفقا بنا، بالمدعوين والداعين، والمحتفِلين، والمحتفَل بهم. ورفقا بآذاننا وأسماعنا، وأحاسيسنا ومشاعرنا.
مصطفى حجاج