1 – مقدمة: شجرة النسب
ما علاقة النص بمؤلفه خارج «شجرة النسب» التي تربط كل قائل بكلامه؟ هل لسيرة الكاتب أو الفنان آثار مباشرة أم غير مباشرة على أعماله الأدبية أو الفنية المختلفة؟ كيف نقرأ المقروء، ونفهم أصالته، ونقيم جودته من رداءته على ضوء هذه السيرة؟ أم أنه في الرجوع إلى بيانات الحالة المدنية للشاعر أو الخطيب، وحكايات المعارف والجيران والأصدقاء عن مسيرته في الحياة بين الألفة والغرابة ظلم شديد يقع على ما أنتجته القريحة الأدبية والفنية في حالات الصفاء أو تعكر المزاج من روائع القصائد وفرائد اللوحات والمنحوتات؟
بمثل هذه الأسئلة الملحة، انشغل النقاد بآثار الأدباء والفنانين، في جميع الآداب الإنسانية التي نعرفها، منذ القدم. لكن في القرن التاسع عشر الأوروبي، أخذت هذه الأسئلة النقدية حول الأعمال الأدبية والفنية وجهة علمية غير عادية. إذ صار العلم بسيرة المؤلف يأخذ توجها استقصائيا شاملا لقراءة مقصدية العمل الأدبي، وتحليل ذوق صاحبه من خلال مزاجه الخاص، وتفسير جمال نصه أو قوة إقناعه بفرداته الشخصية عن غيره من الأدباء السابقين أو اللاحقين. وكان الهدف المنهجي الأول من ذلك وضع «أذهان» الكتاب والشعراء والفنانين في «عائلات» متميزة وترتيبهم − حسب أمزجتهم وأهوائهم وطريقة تفاعلهم مع محيطهم القريب والبعيد – في «اتجاهات طبيعية» مثل باقي الكائنات لها من الخصائص والسمات الفردية ما يميزها عن غيرها من حيثُ قوةُ الإرادة وعمق الفكر وجودة القريحة وعبقرية الرؤية وبلاغة العبارة.
ذلك شأن شارل أوغسطين سانت بيف. كان يحلل العمل الأدبي (ديوان شعري، رواية، مسرحية، إلخ) تحليلا شكليا دقيقا لا يكتفي به بل يتطلع لمعرفة قصد الكاتب أو الشاعر من صياغة أثره بهذا الأسلوب دون غيره، ولذلك كان يلجأ إلى التنقيب في معطيات الحياة الشخصية وأسرارها بغرض تفسير قوة هذا الأثر الأدبي أو ضعفه، تماسكه أو اختلاله.
ولد سانت بيف سنة 1804 ببولوني−سور−مير، وتوفي سنة 1869. درس الطب ولم يكمله، ثم حاول النقد في صحيفة ‘‘لوغلوب‘‘ (Le Globe) الباريزية حيث قارب بعض أعمال الشاعر فكتور هيجو الذي أصبح صديقا لأسرته. وفي سياق الحركة الرومنطيقية السائدة زمنئذ، أصدر أعمالا شعرية ورواية. وفي نفس الفترة، شرع في نشر بورتريهاته الأدبية التي اشتهر بها في الصحف والمجلات. وبسبب التقلبات السياسية الكثيرة بفرنسا، عرفت حياته المهنية اضطرابات كثيرة دفعته للاغتراب بمدينة لوزان بسويسرا حيث درّس طيلة عام كامل، وبعدها بسنوات اضطر أيضا للالتحاق بجامعة لييج البلجيكية للتدريس لمدة سنة. ولعل هذه «الحيوات» الكثيرة التي عاشها الرجل قبل أن يذيع صيته ويستقر بباريز في بيت صغير وينصرف للعمل النقدي هي الحيثيات الأساسية التي ينساها خصومه عندما يحكمون عليه سلبا وعلى منهجه بالإفلاس.
2 – من أعمال سانت بيف النقدية
رغم أن أعمال سانت بيف لا ترقى في الواقع إلى مؤلفات النقاد الفرنسيين الجهابذة في القرن الثامن عشر أمثال نزار (Nisard) وبلونش (Planche)، فإن طريقته الصحفية الماتعة في نقد أعمال كبار الكتاب القدماء والمحدثين، ونهجه في تعليل طبيعة هذه الأعمال بتأثيرات الجماعة الحاضنة على الفرد في محيطه الطبيعي (المدينة، البادية، إلخ)، كل ذلك أكسبه شهرة واسعة بين جمهور المتأدبين تدريجيا. فقد هيمن سانت بيف على جيل واسع من الأدباء والنقاد والصحفيين والقراء في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وترك مكتبة زاخرة من المؤلفات النقدية أحاط فيها بمؤلفات عدد كبير من الأدباء والمفكرين الفرنسيين القدماء والمعاصرين، نذكر أبرزها وأضخمها على وجه الاختصار: لوحة تاريخية ونقدية للشعر الفرنسي وللمسرح الفرنسي خلال القرن السادس عشر (باريز، 1828)، بور غويال (باريز، 1840−1859)، بورتريهات أدبية (باريز، 1844/1876−1878)، بورتريهات معاصرة (باريز، 1846/ 1869ـ1871)، بورتريهات نسائية (باريز، 1844/ 1870)، أحاديث الإثنين (باريز، 1851−1881)، أحاديث الإثنين الجديدة (باريز، 1863 −1870)، شاطوبريان وحلقته الأدبية (باريز، 1860).
3 − الصالون الأدبي وفن المحادثة
لا يمكن فصل نشاط سانت بيف النقدي الغزير عن سياقه الأدبي والصحافي والفكري والعلمي الغني بعاصمة الأنوار باريز في النصف الأول من القرن التاسع عشر. فالرجل الصغير الحجم القادم من البادية الفرنسية والزاهد في الزواج والأولاد وبحبوبة السكن الرغيد، لم يكن يكتفي بالمكتبة والصحيفة والمعلومة الدقيقة والنظر الشخصي لتحليل الآثار الأدبية وتقييمها التقييم المناسب. بل كان يغذي فضوله العلمي والمعرفي الهائل، ويصقل مواهبه النقدية، ويهذب أدواته واصطلاحاته الفنية ورؤاه وتصوراته النقدية في فضاء ثقافي فريد من نوعه في باريز، فضاء الصالونات الأدبية التي كان يُدعى لها كثيرا.
وكانت المحادثة اللطيفة في الصالون الأدبي الذي تقيمه بعض نساء المجتمع الباريزي الأرستقراطي وتدعو له خيرة رجال الفكر والأدب والفن بالمدينة والبادية فنا قائما بذاته للتثقيف والتسلية معا، أي وسيلة راقية لتبادل الرأي بين نخبة البلد في قضايا الفكر والأدب والفن والصحافة والسياسة العامة. لم تكن هذه «الدردشة» (Causerie) − كما كان يحب أن يسميها سانت بيف − مقاما للمناظرة الجافة والحجاج القاتل والجدل العقيم بل مناسبة اجتماعية بالنسبة للمتأدب المهذب للمحاورة العذبة والمناقشة الظريفة.
وفي ذلك المناخ الاجتماعي والفكري الهادئ، كان بإمكان الأديب والناقد والفنان والمبدع والمتأدب − وهو يستمتع بشرب القهوة ويستلذ طعم الحلويات الباريزية − أن يتدرب على بعض فنون القول الشفاهي الرفيع من عرض للفكرة وطرح للرأي ونقد للعمل وتقييم للأثر، إلخ، دون أن يخدش الحياء، أو يسرف في نقض الأعمال الأدبية والفنية، وذم الآراء الفكرية والسياسية الرائجة، وعتاب أصحابها أو هجائهم.
4 − المنهج الطبيعي
كان يعمل تحت إمرة سانت بيف عدد وافر من الكتاب والمنقبين يبحثون لفائدته في أدق تفاصيل الحياة اليومية للأدباء، مستنطقين أحيانا الشهود من معارف هؤلاء ورفقائهم إذا كانوا ما يزالون أحياء يُرزقون، مُستطلعين أحيانا أخرى رسائلهم ومذكراتهم الخاصة ووثائقهم وأرشيفاتهم لشخصية إذا ما تمكنوا من الوصول إليها. وكان سانت بيف لا يتردد مطلقا في عرض منهجه النقدي هذا لغيره من القراء والمتأدبين بفخر كبير، بل وشرح أدواته ووسائله الخاصة برضى عميق على هذا النحو المفصل: «بالنسبة لي لا يتميز − أو بالأحرى لا ينفصل − الأدب عن الإنسان وعن منظومته الاجتماعية […] لا يمكننا أن ننجح في معرفة إنسان ونحن نتردد في الطرق والوسائل، وأعني بالإنسان هنا شيئا آخر غير فكر صاف متجرد من طبيعته الإنسانية وخلائقه. وما دمنا لم نطرح حول المُؤلِّف عددا من الأسئلة ونجيب عليها، فإنه لا يمكننا الإحاطة به كليا، حتى ولو كانت هذه الأسئلة موغرة في أتفه الخصوصيات أو بعيدة كل البعد عن طبيعة كتاباته: كيف كان ينظر إلى الدين؟ كيف كان يتفاعل مع مشهد الطبيعة؟ كيف كان يتصرف في موضوع النساء، وفي موضوع المال؟ هل كان غنيا أم فقيرا؟ كيف كان نظام أكله وطريقة حياته اليومية؟ ماذا كان عيبه أو أين كان يتجلى ضعفه؟ كل سؤال من هذه الأسئلة مهم لتقييم مؤلف الكتاب والكتاب نفسه، إذا كان هذا الكتاب كتابا أدبيا، أي كتابا يتناول كل شيء، ولم يكن هذا الكتاب كتاب هندسة خالص.»
على هذا المنوال، ام سانت بيف أفق «الحقيقة الأدبية» في دراساته واستكشافاته. ولم تكن ترادف، هذه الحقيقة المتمنعة، في منتصف القرن التاسع عشر غير «الحقيقة العلمية». أي تلك الحقيقة المادية التي كان التاريخ الطبيعي (Histoire naturelle) – وهو علم تَصدَّر باقي العلوم بعد عصر الكشوفات الجغرافية الهائلة والرحلات العلمية الكبرى – قد حدد حدودها ورسم مقاييسها في الظواهر النباتية بأوروبا منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر بأدواته ومعاييره الكمية الدقيقة على يدي علماء من قبيل السويدي فون ليني (Linné) في كتابه فلسفة علم النبات (1751) والفرنسي بوفون (Buffon) في مصنفه التاريخ الطبيعي (1749) والفرنسي دو طورنفور (Tournefort) في مؤلفه مبادئ علم النبات أو المنهج لمعرفة النباتات (1694).
إذ أثبت هؤلاء العلماء أن الظواهر النباتية ليست قابلة للرصد والاكتشاف والجمع فحسب بل للوصف والمقارنة والتصنيف الدقيق كذلك في جداول ولوحات واضحة ومحكمة تتحدد فيها «البنيات» والأشكال والأجناس و«الهويات النباتية» الثابتة على أساس عناصر خمسة هي الجذور، والجذوع، والأوراق، والورود، والفواكه، وعدد من المتغيرات مثل الطول، والوزن، والصلابة واللون، إلخ.
هل يمكن أن نرجع «أذهان» الأدباء وأذواقهم الفردية المتباينة جدا إلى «عائلات» معينة أو «أشجار نسب» محددة؟ ذلك كان حلم سانت بيف ذي الملامح الرقيقة التي تشي بذكائه وموهبته المتواريين خلف قدرة هائلة على الإنصات للأحياء والأموات: تمييز الفرد المبدع بسمات عائلته الفكرية أو الفنية المحددة التي تجعل عمله قويا أو رقيقا، عنيفا أو لطيفا.
5 − المرونة النقدية اللازمة: الفهم والإنصاف
غير أن اعتماد سانت بيف لهذا المنهج الطبيعي في سائر بحوثه وتنقيباته حول سير المؤلفين لم يكن تطبيقا ميكانيكيا عقيما. فالحافز المنهجي الطبيعي − في عصر الصحافة الأدبية الذهبي بأوروبا العالمة والاستعمارية في آن واحد (ق 19م) − لم يكن أبدا عائقا تقنيا ينسيه الدافع العلمي الأول من البحث والتنقيب في عناصر السيرة الذاتية الحقيقية للمؤلف، أي فهم الموهبة الأدبية الخلاقة من جوانبها الفردية والخصوصية البارزة، وتقييم عمل الكاتب في أبعاده الفكرية والإنشائية والفنية المغايرة. لأن الهدف النقدي الأساس من التحليل والكشف والتقييم، عند هذا الناقد الصحفي المعتبر، إنما هو الارتقاء بذائقة جمهور القراء والمتأدبين، وتوجيه حكمه النسبي على الأثر الفكري والأدبي بتعداد الرؤى المختلفة حوله.
وهذا المطلب النقدي المتوازن – أي الفهم والإنصاف − هو الذي كان يؤطر، عند سانت بيف، كل تحليل أو تقييم لعمل أديب من الأدباء أو كاتب من الكتاب في نهاية المطاف. وهو ما يمكننا أن نلمسه بشكل واضح في فقرة بديعة من تفسيره اللطيف لصورة الشاعر الرومانسي تيوفيل غوتييه (1811−ـ1872)، وتحديد توجهاته الإبداعية، وتقدير ملامح آثاره الشكلية والموضوعاتية: »لسنا وحدنا في هذا العالم، ولسنا النمط والنموذج الفريد والكوني؛ هناك قوالب أخرى غير ذلك القالب الذي نحمله فينا، وتوجد أشكال من الجمال خارج تلك التي نشغف بها ونعتبرها أقرب إلى ذهننا، ولهذه الأشكال الحق في الوجود. ولمعانقة هذه المواهب المتنوعة الهائلة ونقدها، الشرط الأول فهمُها، ولتحقيق ذلك ينبغي أن ننمحي، بل أن نتخاصم مع أنفسنا ونتحارب معها. ولكي نظل منصفين، ينبغي في كل لحظة أن ندخل في ذهننا شيئا مضادا. وذلك هو ما يشكل الحكم الثاني الرصين والمعتدل الذي نقدمه للجمهور، وهو حكم الإنصاف والذكاء.«
6 – خاتمة: مسار النص الفني بين بستان الأحياء ومقبرة الأموات
إذا كانت تنقيبات سانت بيف الشبيهة في شكلها بالتحقيقات الجنائية حول سيرة المؤلف الحي لقيت صدى واسعا في الأوساط النقدية الفرنسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فذلك راجع لهيمنة المنظومة المعرفية الوضعية على ما كان يُسمى عصرئذ بـالعلوم الأخلاقية والسياسية (أي الإنسانيات). إذ عبر هيبوليت طين (1828-1893) − أحد رواد النقد الأدبي والفني والتأريخ بفرنسا في نهاية القرن التاسع عشر − عن إعجابه الشديد بمنهج سانت بيف في ربط إنتاج الأدباء بحياتهم الخاصة وبجماعتهم الوطنية والقومية ربطا سديدا: »لا يقل منهج سانت بيف نفاسة عن مجموع عمله؛ وهو بذلك كان مكتشفا. إذ استورد في التاريخ الأخلاقي [أي ما يسمى اليوم بالتاريخ الاجتماعي] طرق التاريخ الطبيعي. «
غير أن الحكم على منهج سانت بيف النقدي الحديث تغير بفرنسا سلبا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ذلك ما نستشفه في البورتريه السّاخر الذي رسمه له الشاعر والروائي الفرنسي الشهير بول بورجي (1852−1935): «يُكثِر سانت بيف من التمييزات، ويفيض باللطائف عن الكاتب المدروس بقصد تسجيل أدق الأطياف عنه. وكذلك، يُعدّد الحكايات عنه لمضاعفة وجهات النظر حوله. ما يشغله هو الفردي والخاص، وما يرشح عن هذا الكشف الدقيق تلويح بمثال معين من القاعدة الجمالية، بفضلها يختتم درسه ويكرهنا على الاختتام.».
وعلى أساس ذلك، بنى مارسيل بروست مرافعته عن الناقد في كتابه الشهير ضد سانت بيف (1908−1919): «هذا التعريف بمنهج سانت بيف وهذا المدح، طلبتهما في مقال للسيد بول بورجيه. ولكن كان يمكنني أن أستشهد بعشرين تعاريف أخرى. فقيامه بالتاريخ الطبيعي للأذهان، واعتماده على سيرة الرجل، وتاريخ عائلته وكل خصائصه الفردية، لفهم أعماله وطبيعة عبقريته، ذلك ما كان يعتبره جميع الناس أصالته، وذلك ما كان يعترف به نفسه، ولا شك أنه كان على حق في ذلك.»
فقد سفّه بروست آراء الرجل ومنهجه، في هذا الكتاب، وسخر من أعماله النقدية الضخمة بعدما استطاع أن يقنع معاصريه − في قرن جديد غير القرن الذي عاش فيه السابق وأخذ منه قيمه الاجتماعية والثقافية − بأمرين اثنين:
− أولا، يتلخص منهج سانت بيف في ربط إبداعات الأديب بعناصر سيرته لا غير، وهو اختزال عظيم لآليات هذا المنهج وأدواته المرنة، ورأي شخصي في طرق عمل هذا الناقد وتقييمه للآثار الأدبية والفكرية عار من الصحة. لأن سانت بيف كان يبدأ بتحليل العمل الأدبي في بنيته الفنية أولا، قبل أن يفسره ثانيا. ويكفي أن نستشهد بنقده المميز لرواية ‘‘سالمبو‘‘ لصاحبها فلوبير في جانب البناء السردي، وقد أخذ به هذا الروائي لاحقا في رواياته التالية.
− ثانيا، لا وجود لعلاقة ما بين أعمال المؤلف وسيرته مطلقا، وهو حكم فيه نظر، ورأي كان الخلاف حوله بين النقاد والقراء والمهتمين وما يزال قائما إلى حد الآن. فالقارئ لا يقيم الكاتب ولا يحكم على عمله الأدبي أو الفكري انطلاقا من مادية نصه المقروء فحسب، بل يدخل في هذا التقييم بعض فسيفساء صورته الشخصية التي يعرفها، ويلبس هذا الحكم بأصداء سيرته الذاتية وأطيافها عند المعاصرين له واللاحقين. كيف نفسر عبقرية المتنبي وإخفاقاته إذا لم نربط قوة شعره وعمق رؤيته الحضارية بمحيطه العراقي المحبط وتطلعاته البدوية إلى النبوة والصدارة؟! وأين نجد المفتاح إلى عالم السياب إذا غيبنا قريته جيكور وأغفلنا دور يتمه وطفولته الحزينة في تحديد بعض توجهاته الفكرية والسياسية الجذرية؟! وهل يُقرأ شعر لويس آرغون والتزامه السخيف بديكتاتورية النظام السوفياتي بدون ملهمته الروسية إلزا؟!
صحيح أن تحليل النص الإبداعي بسيرة المؤلف نهج لا يكشف عن السيروة الإبداعية التي يتجلى من خلال الملفوظ الفني في النهاية بهيا؛ غير أن قطع الصلات بين النص ومنشئه كليا بحجة إعلان «موت الكاتب» − كما قال بذلك الناقد البنيوي بارت – لا يقل عن النهج السابق تعسفا وتقييدا. لأننا لا نعرف الثمرة إلا من خلال الشجرة التي أثمرتها، ولا نحكم بجودتها أو رداءتها إلا على أساس البستان الذي تأخذ منه تلك الشجرة سماتها ومميزاتها.
د. نزار التجديتي