نبذة عن سيرة الكاتب القارئ :
الحسن الغشتول أديب وباحث، حاصل على دكتوراه في الآداب، قسم تاريخ الأديان والحضارات الشرقية، بتاريخ 2003)جامعة عبد المالك السعدي بتطوان(. متخصص في النقد الأدبي، ومهتم بقضايا الرحلة المغربية.
ـ دبلوم الدراسات المعمقة بكلية الآداب بتطوان سنة 1995. تخصص أدب حديث ومعاصر.
ـ إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 1984.
ـ دبلوم المدرسة العليا للأساتذة بالدار البيضاء، سنة 1985، تخصص لغة عربية.
ـ شارك في منتديات علمية وأكاديمية وصحافية في المغرب والعالم العربي وأوربا. شارك ببحوث في كلية الشريعة بالشارقة، والمركز العربي في بروكسيل، وعمل عضوا ضمن هيئة التدريس في جامعة الصحافة والإعلام بلاهاي. كما عمل مديرا لمدرسة هالة أندلسية للتصميم والابتكار بمدينة تطوان. وأسندت إليه مهمة كاتب عام منتدى تطوان للسرد الأدبي. وهو عضو مؤسس ونائب الرئيس في جمعية الدكاترة بوزارة التربية الوطنية/جهة طنجة ـ تطوان، وعضو مؤسس للجمعية المغربية للبحث في الرحلة، ورئيس سابق للجنة الثقافية لجمعية أساتذة اللغة العربية. وقد عمل لدى وزارة التربية الوطنية، وأغنى خبرته بالانفتاح على قطاع التكوين المهني وعاينه ميدانيا. واشتغل في عدة نيابات تعليمية في المغرب، وأسند إليه تأطير الطلبة الأساتذة التابعين للمدرسة العليا للأساتذة بتطوان. وقام بمهمة التدريس بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، في النقد الروائي، ماستر الكتابة النسائية في المغرب.
ـ كما عمل أستاذا في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية. وحاضر في جامعة ابن مسيك بالدار البيضاء، وعدة معاهد ومؤسسات علمية.
ـ صدرت له عدة مؤلفات منها : كتاب الأدب بين الإمتاع والالتزام المنشور في بيروت. ورحلة في آفاق المشرق والمغرب في القاهرة. وكتاب بين الفكر والنقد الصادر في مصر. وخطاب الرحلة المغربية إلى الحجاز، في الرياض. وكتاب خاص عن الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، بمشاركة بعض الباحثين. ومؤلف الحضارة الإسلامية. ثقافة وفن وعمران. في مصر، بالاشتراك مع كتاب من بلدان مختلفة، وكتاب الكتابة النسائية : الدلالة والتعدد، بالاشتراك، وهو منشور في وجدة. ومؤلف عريش الوفاء، وهو أيضا عمل مشترك منشور في تطوان. وكتاب ـ أصوات. بالاشتراك. وقريبا سينشر له عمل روائي يسعى فيه إلى استمداد الطاقة السردية من محكي الشخوص بواسطة التوليف بين التاريخ والخيال.
ما هو أول كتاب قرأته؟
كنت كباقي زملائي عاشقا للقراءة التي تلائم مراحل نموي النفسي والسلوكي، وأذكر أني بدأت أتدرج بين أشكال الخيال القصصي، وغدوت ألتهم المرويات التي يطالعنا بها والدي رحمه الله، فأقرأ شذرات ومقتطفات من ألف ليلة وليلة وقصص سيف بن ذي يزن وكليلة ودمنة… وكانت سعادتي عظيمة يوم قرأت الأمين والمأمون لجرجي زيدان الذي شدني خياله وحسه التصويري. واطلعت على بعض مؤلفات طه حسين كحديث الأربعاء والأيام ودعاء الكروان، غير أنني أعجبت بشخصية عباس محمود العقاد الذي استهوتني كتابته وجولاته الفكرية والنقدية وعبقرياته الإسلامية. ثم كانت فرصتنا في الجامعة لننمي معارفنا الإنسانية ونحفظ وجودنا. والحقيقة أننا كل يوم نحس بالحاجة إلى القراءة. بل ما قيمة مجتمع لا يقرأ أمام مجتمعات أخرى تعطي العلم المكانة التي يستحقها؟ ثم إنه يفترض أن تكون للقراءة عندنا مركزيتها، وهذا تكمن المفارقة !
نسيت أن أشير إلى أن المدينة التي نشأت فيها حفزتني وجيلا من أصدقائي على حب القراءة.. فتطوان لها ميزتها التاريخية الثقافية الخاصة. وأقتطف من روايتي المقبلة هذه النثارة لعلها تفي بالمقصود في هذا السياق :
” في نثارة الأسبوع الأول من رجب عام الصَّبا.. جاد القلم.. وبفضل من الله جاد :
بفضل من الله وبمساعدة القيمين على المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، طفنا على موائد الأدب والعرفان.. ورأينا كيف استطاع أدباء المدينة أن يحافظوا على هويتهم في أحلك الظروف؛ فعندما سعت سلطات الحماية إلى الاحتفاء بأديب إسبانيا أنوطنيو دي ألاركون في قصر إسبانيول، وفي رحاب أخرى عينتها السلطات المستوطنة.. كالوسعة والفدان.. قاطعوا المهرجان الذي يكرم فيه أعداء الوطن..
ـ فأي العواطف يجيش بها صدر تلك الأعصر الحالكة؟
أي اللوامع تبزغ فيها؟ أي نور يحل، وأي ربيع يعود؟”
لماذا تقرأ؟ ومتى ؟ وكيف؟
إنها أسئلة تخفي أكثر مما تجاهر.. لهذا سأبيح لنفسي فحصها بسؤالين متساذجين: هل ولى زمن القراءة في حضرة التكنولوجيا الجديدة واستبداد الصورة؟ وهل ظهور الأجناس القصيرة علامة تدل على أن أنفاس القراءة في خفوت؟
أظن أن الذين يدعون ذلك هم أحوج ما يكونون إلى القراءة التي تفكك عناصر الصورة وتكشف عن عمقها الجمالي. لا يقوى على تحليل الصورة نفسها بإبراز دلالاتها وجماليتها إلا قارئ يتوثب نحو آفاق عالمة، ولا يقوى على كتابة نص قصير مؤثر إلا من قرأ نصوصا شتى. وبعد؛ فالإنسان يقرأ، ليتعلم ويتنعم ويسمو بروحه. يقرأ ليفهم المراد من الأشياء التي حوله. يقرأ ليقتسم زاد النظر مع غيره.
وبالنسبة إلى أزمنة القراءة ، أرى أنها ليست مرهونة بوقت معين، وإنما يكون ذلك بحسب الحاجة وكذا الأسئلة التي تنبعث في الذهن. وأفضل القراءة في الهدوء التام. إنها لحظة الصفاء التي تتحرر الذات فيها من رتابة الحياة.
ومع ذلك للقراءة أحابيلها. فأحيانا تود إعداد تصور أو خطاطة لدرس أو كلمة مختصرة في موضوع ما، فتجد نفسك وسط خضم تحتدم فيه الرؤى والأفكار. لذا فالقراءة ليست عملية معلمة بعلامات للجميع. بل أنت نفسك تتلون بحسب ما تقرأ من جهة، وبحسب قدراتك النفسية واستقطابك لقوة الجذب والتحصيل. القراءة مسلك غامض، والثابت هو أن تشق سبيلها بصبر وأناة ومتعة.
هل التدريس يعيق القراءة؟
الأصل هو أن التعليم في منحاه التفاعلي مشروط بالقراءة السيميائية النفسية التي تترصد الموقع الطازج لتلقي النصوص.. إنها قراءة للآخر المختلف؛ فالأستاذ الذي يصيخ السمع لمتعلميه ويعودهم على ممارسة النظر والتحليل، ويتبع ذلك بالتهذيب والتقويم يجد نفسه ملزما بألا يقيس طلبته بمنظار أحادي جائر؛ لأن كل واحد تحركه دوافعه ونزوعاته الخاصة وتتبنين لديه تمثلات تختلف عما يمتلكه رفاقه. هذا ما يعرف عادة بالبيداغوجيا الفارقية التي لا ينبغي أن نقدم لها توصيفات جاهزة بقدر ما يجب أن نتخذها نفقا للانفتاح على مؤهلات الطلبة وتزويدهم بالكفايات المهارية التي تسمح بأن نراهم في تموج وتناغم. وفقا لهذا المنظور يكون القسم لوحة فنية تقرأ قراءات متعددة. هذا هو الأصل ـ كما ألمحت ـ لكن من الناحية العملية توجد مشاكل عويصة منهاجية وبنيوية وهيكلية يجب التخلص منها.
القراءة وصناعة التشويق :
يصعب الحديث عن القراءة بصيغة الإطلاق، فلغة العقل والمنطق تستدعي كفاءات مختلفة عن لغة البوح والخيال والاستعارات. كما أنه بقدر توغل الذات القارئة في طبيعة الأشكال والرسوم والظلال والإيقاعات تبدو الحاجة ماسة إلى الاسترفاد من معين العلوم والمعارف التي تنقذ فعل القراءة نفسه. ومع ذلك أستطيع أن أقول إن القراءة في تلك الحالات جميعها هي نهم وجودي ولحظة انعتاق من العبثية التي تنخر الآحاد والجماعات. وبها تقاس درجة رقي الأمم، على أنه لا مجال في هذا الصدد للمفاضلة بين أدب وفكر وتصوف… وعلى هذا الأساس نرى أن ما تمتلكه بعض الأعمال الأدبية من أسرار في صناعة التشويق يكمن في حرصها على نوع من التجاذب المقدر بين نفي ونفي مضاد. فالتنوعات اللغوية والانزياحات الدلالية التي تلون الصورة، تشير لدى القارئ الحصيف إلى منزع ما في اقتفاء أثر الجمال، أو رغبة ضمنية في صون رمز من الرموز. أليس من عين العقل أن يصون هذا القارئ من خلال قراءته المخصوصة تلك الرموز الجمالية التي تناسبه؟
ثم إن الإنتاج بوصفه سيرورة تناصية، وباعتباره إعادة قراءة، يؤثر باستمرار في تكوين الموضوع الجمالي لدى المتلقي، أخذا بعين الاعتبار أن الأمر يتجاوز مرتبة انصهار الآفاق إلى ما هو أعمق، إذ ما يلبث أن ينبثق ذلك الموضوع الجمالي مع الفعل الاستشرافي للقارئ بحسب كيفية تعامله مع نوعية التشخيص الأدبي للغة، الذي يشكل البؤرة التي يرتكز عليها مبحث الصورة. وبقدر أصالة وجهته واستقامة نظره، تتولد عن قراءته معارف جديدة موصولة إلى عمق فكرة التجديد التي لا يحملها الكاتب الرائد وحده، بل يحملها كل قارئ يجد موطئا للتفكير الجاد في مشروعية إحلال مبحث الجمال في مسعى الكمال.
متى تكون القراءة تحديا للقناع؟
القراءة التي أقصد موجهة بالمشيرات الفنية والجمالية التي تتيح للناظر أن يشاهد حوادث ومواقف في نطاق بناء علائقي تحكمه تبدلات وتغيرات ترهص بميلاد الأسلوب.
ليس شرطا أن يكون الأسلوب مغرقا في العتاقة متوغلا في الغموض أو الإبهام، لتترتب عنه ظلال المعنى الذي يتستتر أحيانا وراء حجب اللامعنى.
وليس من السهل أن تشد أنفاس القارئ بلغة يفهمها ويتجاوب معها.
لكن ما السر الذي يحرك فضول القراء لتجدهم يغامرون مع الكاتب، ويتوغلون في أعطاف الكلم؟
هل هي وحدة الموضوع، أم جمالية التأليف، أم طراوة الحكي الذي يعد بالمفاجآت؟ أم هي هذه المبادئ متداخلة متشابكة فيما بينها؟
أكاد أجزم بأن الكاتب الحق هو الذي يجعل نصب عينيه هذه الأسرار قبل أن يسلم روحه لسلطة الكتابة.. إنه يزمع على أن يخفي ظله، ويطالعنا بتواقيع مختلفة. فبقدر ما يعلن حضوره يختفى ويتوارى. يوهم بالحقائق ويتلاشى في عمق الأعماق. مثل أعيانه كمثل الأجسام والظلال التي يشدها ولع الأغوار، في عنان السماء وبرازخ الأضواء وثبج المحيط.
3- 2 القراءة نار وأنوار
يكون للقراءة في هذه الحال إذن مفعول السحر أو التوجيه، فالقراءة الصامتة تفسيرٌ للنصوص بوجه من الوجوه، وتهيؤٌ لبناء أحكام واتخاذ مواقف وأفعال.
إنها شبيهة بعملية الإخراج التي قد تعظم من شأن موقف محدد أو تحويل نمطي مخصوص، أو تزري ببناء عاملي وقيمي معين على حساب بناء آخر.
د. عبد الواحد العلمي