هو عبد الرحمان اليوسفي، العملاق السياسي المغربي، دون منازع، والوطني الغيور الذي فارقنا ، منذ أكثر من أسبوع، كما هو معلوم، بعد أن كان في حالة صحية حرجة، حيث أمضى عدداً من الأيام بالعناية المركزة بأحد مستشفيات مدينة الدار البيضاء.
وكانت مصادر مقربة من الراحل ذكرت، أنه تم نقله لمصحة بعدما كان قد غادرها 28 ماي وقد اشتد عليه المرض، ليستسلم في الأخير للقدر ويلاقي ربه، صبيحة الجمعة 29 ماي الماضي.
وكان السيد عبد الرحمان اليوسفي، الذي ازداد في 8 مارس 1924 بحي ادرادب بمدينة طنجة، قد التحق بصفوف الحركة الوطنية، عندما كان تلميذا بثانوية مولاي يوسف بالرباط. وكان الراحل عضوا بالأمانة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي تحول إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975. وتولى رئاسة تحرير لسان الحزب جريدة « التحرير » (1959 – 1965).
وفي 4 فبراير سنة 1998 كلفه الملك الراحل الحسن الثاني بتشكيل حكومة التناوب، التي قدم تشكيلتها إلى جلالته في 14 مارس من نفس السنة.وبعد وفاة الملك الحسن الثاني احتفظ الملك محمد السادس على رأس الحكومة، وخصه بتكريم خاص. وأعيد تعيينه وزيرا أول في الحكومة التي تم تشكيلها في 6 شتنبر 2000، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى غاية 9 أكتوبر 2000. وفي سنة 2016، أشرف الملك محمد السادس بطنجة على تدشين شارع يحمل اسم الراحل، تكريما لما يتحلى به من خصال وطنية.
وفي سنة 2019، وأثناء حفل أداء القسم من طرف 1839 ضابطا متخرجا من مختلف المعاهد والمدارس العسكرية وشبه العسكرية، وكذا الضباط الذين ترقوا في رتبهم ضمن صفوف القوات المسلحة الملكية، من بينهم 283 ضابطة، تفضل الملك محمد السادس، فأطلق على هذا الفوج إسم “الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي” تكريما لمبادئه الثابتة في حب الوطن والتشبث بمقدسات الأمة وبالوحدة الترابية للمملكة.وكان الراحل عبد الرحمان اليوسفي اعتزل العمل السياسي في أكتوبر 2003. ونظرا لإرثه السياسي الكبير، سمي شارع في طنجة باسمه، بحضور الملك في عيد عرش سنة 2016 ، كما زاره الملك شخصيا، مرتين في المستشفى، إذ ألمت به وعكة صحية في أكتوبر من السنة ذاتها.
حقا هو صاحب يدين نظيفتين، دون منازع كذلك، وواحد من أبرز رجالات السياسة في المغرب الحديث والمعاصر، وقامة سياسية وفكرية، قلما يجود بها الزمان، وهو بالمناسبة عبرة لكثير من الساسة والمناضلين المزيفين بالمغرب الذين لهثوا ويلهثون وراء المناصب وامتيازات الحياة الدنيا الفانية.
ويكفي القول الذي وجهه له الملك الراحل الحسن الثاني، عندما عينه وزيرا أولا في حكومة التناوب:”إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك وأعرف جيدا أنك، منذ الاستقلال، لا تركض وراء المناصب، بل تنفر منها باستمرار، ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب الكثير من الجهد والعطاء، من أجل الدفع ببلادنا إلى الأمام حتى نكون مستعدين لولوج القرن الواحد والعشرين ..”
وآخرا، يكفي أن يقدم لكم عبد ربه، جامع هذه المعلومات، قصة عاشها عن كثب وبالقرب من بعض أفراد عائلة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، خلال أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما مرضت شقيقته القاطنة بطنجة وتوجهت، أثناء ذلك، إلى مستشفى “الدوق دي طوفار” الكائن بحي سوق البقر بالمدينة ذاتها، طلبا للاستشفاء. تصوروا أن المرأة المؤمنة الصابرة، رحمها الله، ذهبت إلى المستشفى المذكور، بكل بساطة وتواضع، مثل يا أيها الناس، لم تخبر الأطر الإدارية أو الصحية بأنها شقيقة فلان أو فرتلان، لم تر في هذا الأمر ضرورة ملحة، يكفيها أنها مواطنة مريضة وأن المغاربة يجب أن يكونوا سواسية في استفادتهم من العلاج. غير أن المرأة اصطدمت بالجفاء وسوء المعاملة وعدم الترحيب والاهتمام بها، ويعلم الله كيف تسرب الخبر إلى إدارة المستشفى، فاضحا علاقتها الأخوية بالسي عبد الرحمان. وهنا، سرعان ما تحولت الأمور إلى “سمن على عسل”، فتمكنت المرأة من قبولها، نزيلة بأحد أجنحة المؤسسة الصحية المذكورة، لتلقي العلاج.رحمها الله، فقد شابهت شقيقها في التواضع والبساطة….
• محمد إمغران