من باب ثقافة الاعتراف التي بدأت تظهر تجلياتها على الصعيد الوطني والمحلي أن يقوم بعض الباحثين والمهتمين بتدوين مقالات أو كتابات حول بعض الشخصيات التي امتاز بها وطنهم أو مدينتهم بشكل خاص. وفي هذا الإطار وقع بين يدي كتاب من الحجم الصغير تحت عنوان: “عبد القادر الخطيب لاعب جدي عملي واقعي” من تأليف الأستاذ “أحمد أخروف” جاء في مقدمته ما يلي: (عرفت مدينة تطوان ما بين الخمسينيات والستينيات نهضة رياضية في مختلف الأنواع الرياضية المعروفة في تلك الحقبة، حيث تأسست فرق وجمعيات كانت تؤطر الممارسين لمختلف الرياضات، فأعطت المدينة أبطالا؛ سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو الدولي)، ويتعلق الأمر هنا باللاعب المحبوب “عبد القادر الخطيب” الذي وافته المنية مؤخرا بمدينة تطوان.
ينحدر المترجم له السيد عبد القادر الخطيب من أسرة عريقة بتطوان، هي أسرة آل الخطيب، التي ابتدأ ظهورها بالمدينة منذ أواخر القرن الهجري التاسع، حيث انتقل إليها طائفة من آل الخطيب واستقروا بها، وعُرف جملة من رجالها في ميادين مختلفة: تجارية وحرفية وعلمية، عوفق ما يذكره مؤرخو تطوان: الفقيه داود والفقيه الرهوني.
أما اسم المترجم له في هذا الكتاب واسم أبيه، فهو: عبد القادر بن محمد العربي بن علي الخطيب، وأمه عشوشة محمد المقفلجي وهي أسرة من المهاجرين الجزائرين الذين نزحوا إلى مدينة تطوان واستقروا بها، وكان رابع إخوته الذكور: محمد وعلي وأحمد الخطيب (رحم الله الجميع).
وقد اشتمل هذا المؤلَّف على عرض معلومات مفيدة عن تاريخ كرة القدم بمدينة تطوان، ولكن في البداية قدم ورقة تعريفية بالمترجم له، فذكر أنه ولد بمدينه تطوان سنة 1934 بزنقة (الشمع) بالقرب من سيدي الصعيدي، وتلقى تعليمه الأولي بالكتاب الكائن قرب مسجد الجامع الكبير على يد الفقيه محمد الحوزي وكانت سنه لا يتجاوز الرابعة، واستمر في التعليم مده خمس سنوات، حيث اضطر لمغادرة الكتاب بحثا عن حرفة من الحرف التي كانت تشتهر بها مدينه تطوان، كما كانت عادة أهل المدينة الذين لم يتموا مسارهم الدراسي، وهكذا اختار لنفسه حرفة النجارة، فكانت أول مهنة زاولها في دكان شقيقه الواقع بزنقة فندق النجار.
ثم ذكر المؤلف أنه في فترة التعلم، كان المترجم له ينتقل في أوقات فراغه إلى ملعب باب السفلي لإجراء بعض المقابلات في كرة القدم مع بعض الأصدقاء كمصطفى العلمي والطيب المجاهد وابن عمه عبد الخالق الخطيب. وهكذا استمرت حياته ما بين دكان أخيه وملعب باب السفلي إلى حين بدأت مواهبه الكروية تظهر للعيان.
بعد ظهوره الملفت في جل المباريات التي خاضها مع فريقه وسلوكه المنضبط وروحه الرياضية العالية، قرر الناخب الوطني لمنطقة شمال إفريقيا التابعة لجامعة كرة القدم الاسبانية أن يختار لاعبين من المغاربة للمشاركة في تصفيات البطولة الاسبانية للشبان، وكان عبد القادر الخطيب من ضمن اللائحة الرسمية مع بعض زملائه المغاربة منهم عبد السلام زناية ومحمد بن علي وغيرهم.
وهكذا انخرط عبد القادر الخطيب في فريق (ايرمانداد سان خوسي) الاسباني للمشاركة معه في دوريات كانت تقام داخل المدينة بملعب المعهد الرسمي (القاضي عياض حاليا) مع مجموعة من الفرق مثل البيلار، ومن خارج تطوان من العرائش والقصرالكبير وشفشاون.. ونتيجة لهذه الدوريات سيتم اختيار منتخب الشمال للشبان الذي سيخوض مقابلة رسمية في تصفيات البطولة الإسبانية للشبان، فكان المترجم له من المغاربة القلائل الذين تم اختيارهم للمشاركة في منتخب الشمال.
وبعد الاستقلال كانت تنظم دوريات في كرة القدم بالمعهد الرسمي للتنقيب عن المواهب الكروية، فتأسس فريق الكشفية الحسنية الاستقلالية لكرة القدم التابعة لحزب الاستقلال، وكان من ضمن اللاعبين المتميزين بهذا الفريق؛ حيث أبان عن مهارة كروية عالية بقيادة المدرب المقتدر محمد البقالي. كما بدأت بعض الجمعيات تظهر للوجود من طرف المغاربة وتأسست فرق رياضيه محلية، وبدأت تنظم دوريات في كرة القدم داخل المدينة للتنقيب عن مواهب كروية لإدماجها ضمن الفريق الأول للمدينة (فريق المغرب التطواني). وشاركت في هذا الدوري عدة فرق منها فريق الكوثر والأطلس وغيرها، وكان عبد القادر الخطيب من اللاعبين المتميزين في هذا الدوري، وقد توجت نهاية الدوري بفوز الشبيبة الاستقلالية بكأس البطولة؛ حيث تسلم الكأس عبد القادر الخطيب من يد مدربه محمد البقالي.
ومما جاء في الكتاب كذلك خلال الحديث عن مسيرة المترجم له ضمن لاعبي كرة القدم بتطوان، أنه كانت المدينة في مرحلة الخمسينيات والستينيات تضم العديد من المعامل والمصانع كمصنع الورق ومعمل الوقيد ومعمل السكر، وكان العمال يشاركون في العديد من الأنشطة الثقافية والترفيهية والاجتماعية؛ ومنها تنظيم دوري في كرة القدم بشراكة مع غرفة التجارة والصناعة وفرعي الاتحاد المغربي للشغل، وكان لمعمل (كويلما) الحظ في ضم اللاعب عبد القادر الخطيب إلى صفوفه، حيث قضى معه سنة كاملة، أبان فيها عن مواهبه الكروية مع مجموعة من اللاعبين المغاربة والأسبان. وكانت جل المقابلات تدور بملعب المهندسين (خينيوريس). وقد خلق هذا الدوري صدى متميز، وكان السبب في اكتشاف مواهب كروية عالمية؛ منها الحارس الشهير عبد القادر مزاوزة الذي أصبح من أبرز حراس المرمى على الصعيد الوطني. ولما بدأ فريق المغرب التطواني يلعب ضمن عصبة الشمال بالقسم الثالث شارك في بعض المقابلات الودية داخل تطوان وخارجها، لكن عبد القادر الخطيب لم يلتحق بالفريق الأول نظرا لعدم التفاهم مع مسيري الفريق لاعتبارات كثيرة، فانتقل إلى مدينه طنجة للعب ضمن فريق جمعية طنجة لكرة القدم الصاعد إلى القسم الوطني الثاني، وقضى معه موسما كاملا مانحا إياه من مهاراته وقدراته الكروية.
كما أشار المؤلف إلى أن السيد عبد القادر الخطيب كان – كما عهد فيه الجميع- اللاعب المثالي أخلاقا وأداء الشيء، الذي جعل اسمه الكروي يزداد تألقا وشهرة داخل مدينة تطوان، مما دفع الكثير من المتتبعين بالتفكير في ضمه إلى صفوف فريقهم، وهو الأمر الذي تحقق بعد تأسيس فريق تطوان الرياضي على يد مجموعة من المهتمين بكرة القدم، فلعب ضمن صفوفه مع مصطفى السراج وأخيه محمد ومحمد بن صبيح ومصطفى الوزاني وعبد الكريم الحداد.. وهكذا بدأ الفريق يزاول نشاطه داخل عصبة الشمال في القسم الوطني لمدة أربع سنوات، ولعب عبد القادر ضمنه في التشكيلة الرسمية؛ حيث كان يشغل الجناح الأيسر، واشتهر بسرعته الفائقة وذكائه الخارق، يتحرك داخل رقعة الميدان من اليمين إلى اليسار، ثم يختار المكان المناسب لإتمام العمليات وتسجيل الأهداف. ومما يشهد له به المقربون منه – يقول المؤلف- أنه كان يحترم أوقات التداريب، ويتمتع بحسن المعاملة مع جل المشاركين، كما كان محبوبا من طرف جميع الذين عرفوه من قريب أو بعيد.
بعد ذلك سيشد المترجم له الرحال إلى بلاد المهجر لعله يجد ما يناسبه لضمان مستقبله ومستقبل أبنائه ماديا ومعنويا، فقضى هناك سنتين كاملتين، ثم عاد إلى تطوان ليلتحق مرة أخرى بفريقه الأول شباب تطوان، حيث قضى معه آخر أيامه الكروية، وليعتزل بعد ذلك ممارسة كرة القدم، متفرغا للقيام بشأن أسرته الصغيرة، ومكتفيا ببعض المقابلات الودية ضمن كوكبة من أصدقائه، تاركا سمعة طيبة، ما زال الجميع في مدينة تطوان يضرب المثل بهذا اللاعب الذي لم يسعده الحظ لكي يأخذ نصيبه من التتويج..
وهكذا يمكن القول بأن هذا الكتاب قد صار بحق شاهد عصر على ما أسداه المترجم له من تتويج لكرة القدم بهذه المدينة، وقد تم الاحتفاء بالمؤلف والمترجم له بنادي التجارة والصناعة من خلال حفل تقديم الكتاب بحضور مؤلفه الأستاذ أحمد أخروف والمترجم له السيد عبد القادر الخطيب، مع مجموعة من قدماء لاعبي المغرب التطواني، كما هو مبين بالصورة التذكارية المصاحبة، وذلك أياما قبل وفاته رحمه الله يوم 18 شتنبر 2021.