عـــودة الــروح
• جريدة الشمال – الزهرة حمودان : أعادت، ليالي الشعر ، التي تعدها ” دار الشعر ” بتطوان، منذ أن تأسست بتاريخ 17 ماي 2016، إلى المدينة روحها، التي كادت أن تفارقها، لولا أهلها الذين احترفوا الصمود، كلما مرت بهم السنوات العجاف ..إنها دورة الزمان،التي تصر دائما أن لا يندثر طيف تطوان الموغل في الحضارة، بل وفي كل مرة تعود محملة بمن يوقد شموع الفن و الثقافة بها من جديد. و كما مات نيرون و عاشت روما…كذلك تطوان ،ما فتئت تقاوم جحافل الجدب المتعاقبة…غادة أندلسية، ترفل في حضارة ،جمعت بين سحر الشرق،و مزيج من التراث الإيبيري.. يغازلها المتوسط، من خلال شرفاتها المطلة على ضفافه .
منذ أن حملها فارسها الغرناطي، حلما جنينا، يرتعش بين ضلوعه..وهي أغنية، و هديل حمامة، تنتقل الهوينى فوق أسنة التاريخ ..تردد أناشيد للوطن.. تلملم شظايا صوتها الشادي بمراثي أمجادها ..بيضاء كالفل، رغم الأعاصير.. تلتقط الطل حبا لرباها، الجميلة.. الخضراء..ترعى القمر في سماء الوطن بمزامير من نور…فيا مدينتي عايني أمنيتك..هاهي قد أقبلت ممتطية حماسا عربيا مشتركا، يطرد فلول الدياجير.
** ** **
في دورة الزمان لهذه المرة ، و في سياق وجودي للفعل الثقافي بمدينة تطوان ـ مهما اشتدت نوائبه ـ هاهي مؤسسة ” دار الشعر”، تلحم جذوة الشعر بشرايينه..تحقنه بمصل الإحياء..تعيد إليه روحه..ف “يفيض الضوء من شقائق النعمان و تنتشي تطوان”1 للمرة الثالثة، توقد ” دار الشعر”، شموعا لفراش الشعر، كي تحلق بحديقة ” مدرسة الصنائع و الفنون الوطنية”..حديقة ما زالت جذلى بعبقها الأندلسي..حيث توهجت ليلة 10 شتنبر 2016 بأنوار كل من ثريا الشعر المغربي ثريا ماجدولين، و صاحب القمر الأحمر الشاعر الغنائي عبد الرفيع الجوهري، وذو النفس الأمارة بالحلم محمد الشيخي.
صاحب شدو ضيوف السمر الشعري، عزف للثلاثي : مصطفى أحكام ـ إلياس الحسيني ـ و محمد الخليفي، الذين أطلقت عليهم الشاعرة ثريا ماجدولين ، عند إلقاء مشاركتها لقب ” الفرسان الثلاثة”.
افتتح الحفل بتقديم المجموعة، لمعزوفات من الحان محمد عبد الوهاب، و فيروز، انشرح لها الحضور. بعد ذلك افتتح مدير دار الشعر الشاعر مخلص الصغير، مرحبا بالضيوف و الحضور، منوها بالدعم المعنوي الذي توليه وزارة الثقافة في شخص كاتبها العام السيد محمد لطفي المريني ، و بوجود الشاعر المتميز ادريس الملياني بين الحضور. ثم أضاف، أن بعض الناس، قالوا: ” أعددتم الحفل ليلة العيد”، فأجبنا:” ذلك كي نعد قبل العيد عيدا”..
ليسترسل مقدما ضيف الدار الكبير الشاعر عبد الرفيع الجوهري، في قالب شعري متناغم ، آذنا للمجموعة الموسيقية بتقديم هدية للضيف، جاءت عبارة عن معزوفتين لموسيقى أغنيتين كلماتها من إبداعه، تجاوب معها الحضور. استهل ضيف المنصة الأول الشاعر عبد الرفيع الجوهري، حصته بقصيدة في مدح مدينة تطوان بعنوان ” تحت قباب طائها” ، ليرحل بنا في مدارج الشعر مع ابن عربي ، من خلال قصيدة من ديوانه “لعلي أفيق” ، و يغوص بنا في سفر الماء بلواعج وادي سبو، وهو يراوح بين تطوان و فاس، بنفس شعري لا يمتلكه إلا الراسخون في القريض. لينتقل بنا إلى نوع شعري ، مقتطف من غلال عصرنا، بقصيدة طريفة بعنوان ” كلاب لطيفة”، عن نسوة تدندن بأغنية ” لست آسفة”، للمطربة الفرنسية إديث بياف، و يتجولن بشارع “فال” المخملي، صحبة كلابهن الأنيقة. اعتلى منصة الشعر من بعده ، الشاعر الخجول محمد الشيخي، بقراءة قصيد من ديوانه ” ذاكرة الجرح الجميل ” ، معلقا قبل البدء في القراءة ” أرجو أن تقنعكم القصيدة بأن الجرح يكون جميلا”. و من ديوانه ” فاتحة الشمس”، ألقى الشاعر القصيدة التي تسم الديوان بميسمها…رافق القراءة ناي شجي من عزف مصطفى أحكام.
و تبتهج حديقة الشعر في الفقرة الخاصة بالشاعرة ثريا متجدولين، و هي تكتب بالحب رسائل للوطن. حيث أتحفت الحضور بقراءة شعرية ، افتتحتها بقصيدة :” ابق كما أنت متخيلا أبدا”، لترحل بنا في متخيل شعري مترف ، يعلو إلى ” سدرة البدء”… يحط بنا على ضفاف الدهشة في الابداع ” كأني أراني لأول مرة”..ليتغلغل بنا في أسرار البوح ” ما في الجبة سواك” ، قبل أن تغادر منصة الشعر و هي تهمس ” نخبك أيها الطلل البالي”.
و يسدل الستار على فعالية عرس الشعر بدار الشعر بتطوان، بنفحات أحيت روح الشعر في شرايين المدينة..تجلت الحضارة ، في أبهى حللها ، بفضاء حديقة ” مدرسة الصنائع و الفنون الوطنية” ، أثارت غبطة الشاعر مخلص الصغير، الذي أشرف على تسيير هذا السمر الشعري، الذي علق ق على هذا التجلي الساحر قائلا: “هاهو الشعر يعيد لنا الزمن الجميل، وها هم الشعراء و المترجمون يرافقون زوجاتهم لعرس الشعر، منهم الشاعر محمد الميموني و حرمه فوزية، و المترجم رشيد برهون و حرمه نوال .”