عيدا الفطر السعيد، والأضحى المبارك، يأتيان عادةً عقب ركنين عظيمين من أركان الإسلام، هما: الصيام والحج، مكافأة للمؤمنين على صبرهم، ليخلدوا للراحة والترفيه عن النفس، وليشكروا الله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
وهذان العيدان، مناسبتان لصلة الأرحام، فيهما كنت ألازم السيد الوالد -رحمه الله وأحسن إليه- فأخرج معه لأداء الصلاة في مصلى العيدين، وأرافقه في جولته لصلة الرحم بأجدادي وجداتي، وأعمامي وعماتي، وأخوالي وخالاتي، في مقرات سُكناهم بقاع الحافة، والوطية، والعيون، وسانية الرمل، ومرتيل، وكان ثالثنا في الجولة، أخي عبد الواحد حفظه الله.
المكافأة التي ننالها في هذه الجولة: “العيدية”، وهي عبارة عن دريهمات يدسها في يدنا أقاربنا رضوان الله عليهم، فنعُدها ونحفظها في مكانٍ أمين، لنقتني بها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الحلويات والمشتريات.
ويوم رحل الوالد، حاولنا الحفاظ على هذه العادة، لكن الجولة أخذت تضيق دائرتها بموت المسنين من الأقارب والأحباب، إلى أن اقتصرت في عيدنا هذا على الخالة والأختين. رحم الله موتانا، وبارك في الباقي.
العيدان مناسبتان أيضا لِلمّ الشمل، واجتماع الأسر، تحت جناح الأم أو الجدة.
وهنا تطالعني عبارات قلتها في حق الوالدة حين التحقت بربها.
قلت بالحرف: “إنني فقدت طعم العيد، يوم فقدت والدتي رحمةُ الله عليها، فلم يعد للعيد بعدها لون ولا طعم ولا رائحة، كانت “غطاء المكَبّ”، فلما أرادها الله إلى جواره، انكشف الغطاء، وتشتت الشمل، وغدا العيد شاهداً على انفراط عِقد الأسرة، وتساقط حباته.
فمنا من أصبح يفضل قضاءه خارج تطوان، ومنا من “يدخل سوق رأسه” ويقضيه كيفما اتفق، ومنا من يمر به مر الكرام، فلا يتكلف له ما كان يتكلفه الآباء والأجداد.
افتقدنا “للَّمّة”، وافتقدنا الضحكة الصافية التي كانت تنبُع من القلب، وافتقدنا كأس الشاي المنعنع، وافتقدنا كعك العيد، وافتقدنا اهتمام الوالدة بالكثير من عادات العيد وتفاصيلها.
ولولا الأبناء والأحفاد-حفظهم الله ورعاهم- ما اجتمعنا على مائدة واحدة، وصينية واحدة، لا في الأعياد، ولا في غيرها من المناسبات”.
والصراحة تدفعني إلى القول بأن الكثير منا لم يعد يتسع صدره للأعياد، ولعيد الأضحى خاصة، فدُورنا لم تعد مؤهلة لاستقبال الأضحية ولا لذبحها، ولا لشيّ ما يشوى منها.
وأغلبنا يتمنى لو أن هذه الطقوس تقام في مجازر تُبنى على الكيفية التي نراها في أوروبا، ليتسنى لنا جميعا ذبح الأضحية في أجواء مريحة ومناسبة ونظيفة، وغير مكلفة.
المناسبة، تذكرني بالبيت الشعري الذي نردده مع المتنبي في مطلع كل عيد، وأعني به:
عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيدُ **** بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ؟
وعيدنا هذا أتانا بالجديد، أتانا بغلاء الأضحية، ونُدرتها، فالطلب فاق العرض، وهذا ما فتح شهية سماسرة العيد لرفع الأسعار، والمغالاة فيها.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
مصطفى حجاج