هل ستودع شفشاون زمن الشعر لتدخل زمن القص؟، سؤال يفرض نفسه في العقدين الأخيرين، إثر توالي انجذاب عدد من أقلام شفشاون التي تكتب الشعر وغير الشعر إلى القصة والرواية.
فقد ظلت شفشاون قلعة الشعر بامتياز قبل الاستقلال وبعده، وكان مهرجان الشعر الذي تنظمه جمعية أصدقاء المعتمد علامة فارقة في تاريخ الشعر المغربي الحديث…، و استمرت رمزيته إلى حد الآن في ارتباط مع الحضور المستمر والقوي في المشهد الشعري المغربي لبعض شعراء شفشاون.
ولم يسقط أبدا نعت شفشاون بمدينة الشعر والشعراء، رغم مكر السنين و تحولات الزمن، ليس فقط لما يكتب فيها من شعر ولما يوجد فيها من شعراء فقط، و إنما لكونها تزخر بطبيعة ساحرة تحرض على الشعر، وتساعد الذات على التأمل في نفسها و فيما حولها و في اللغة…
الانعراج الحالي نحو كتابة القصة ثم الرواية ربما وراءه ما وراءه، وهو خروج شفشاون، كمجال حضري تقليدي منغلق، إلى حد ما من عزلتها و انفتاحها على العالم، الشيء الذي أثر ويؤثر بشكل من الأشكال على الوعي و أحدث و يحدث اهتزازات في النفوس، وبالتالي يدفع إلى تناسل الأسئلة المتعلقة بعلاقة الفرد بمحيطه و الجماعة، ثم علاقة الجماعة بغيرها من الجماعات والإنسانية ككل…
ففي هذا الاتجاه تندرج رواية “معشوقة من عجين” للأمين المصباحي ورواية “هكذا تحدثت الشجرة” لأنس العاقل و “طرقات منتصف الليل” لأحمد بنميمون، وربما رواية “سكسوكوليس” لعزيز ريان (لم أطلع عليها بعد)، ثم المجموعات القصصية المتوالية لأحمد بنميمون ابتداء من “حكايات ريف الأندلس” إلى “البوح والكتمان” والمجموعة القصصية “حساء الله” التي صدرت مؤخرا لأحمد السبياع.
الكتابة في القصة والرواية لم تكن هي البدء بالنسبة لكل هؤلاء، فأحمد بنميمون آتى إليها من الشعر …، و أنس العاقل أتى إليها من الكتابة المسرحية…، والأمين المصباحي أتى إليها من الكتابة الصحفية… و أحمد السبياع أتي إليها من الكتابة المسرحية كذلك… و عزيز ريان أتى إليها من الزجل…
وإذا استثنينا أحمد بنميمون الذي واظب و اجتهد في كتابة القصة إلى جانب الشعر بوتيرة متقاربه إلى حد ما، فإن الكتاب الآخرين لم يكشفوا بعد إن كانوا سيخلصون للحب الأول في الكتابة أم سيتعدوه، بعد أعمالهم الروائية أوالقصصية الأولى والقفز على قلق البدايات، إلى الجمع بين حبين في قلب واحد؟ !.
أما الشاعر عبد الكريم الطبال الذي و اظب على كتابة الشعر بكثافة و عمق مثيرين، فقد جرب كتابة السيرة الذاتية في “فراشات هاربة”؛ لكنه وقف عند ما أراد أن يقف عنده و لم يتجاوزه رغم انتظارات القراء التي كانت تطلب المزيد، و”الزيادة من الراس د لحماق” كما نقول شعبيا.
تقاطع االقصة والرواية والسيرة الذاتية أمر ممكن، في كل الحالات، مع اختلاف الدرجات، سواء في واقع بسيط هادئ و روتيني أو واقع مركب مخترق بالتعقيدات والرجات، لكن تمظهرات هذا التقاطع في نسيج النصوص تتطلب فحصا كاشفا و مشرحا دقيقا…
شفشاون حاضرة في حساء الله، في هكذا تحدثت الشجرة، في غجر منتصف الليل، في معشوقة من عجين، في فراشات هاربة…، شفشاون حاضرة في شعرنا و حكينا و نثرنا، شفشاون حاضرة فينا، في وعينا ولا وعينا…و المدن التي تخلد هي المدن التي يحكي عنها مبدعوها بافتتان وحرية و حرقة و ذكاء، وبكل اللغات والألسن…
عبدالحي مفتاح