بداية عام جديد.. نامل أن يكون مفتاح خير لكل شيء جميل يحمل تباشير مستقبل أفضل.. نتفاءل أن يكون عام خير وإصلاح وصلاح وتجاوز المحن والصعوبات التي مررنا بها، وينسينا أوجاع ومآسي وآلام الماضي.. هذا أملنا.. فلولا فسحة الأمل لضاقت الحياة..
تنتظر بلادنا كما هو معلوم انتخابات تشريعية وجماعية خلال السنة الحالية (2021) التي تمارس فيها الأحزاب السياسية أدوارها ووظائفها الدستورية باعتبارها شريكا أساسيا في الحكم.. وفاعلا مؤثرا في المشهد السياسي.. فماذا عن هذه الأحزاب..؟ ماذا عن برامجها وتصوراتها وتوجهاتها..؟ وماذا أيضا عن ديموقراطيتها الداخلية..؟ عن هذه الأحزاب يدور هذا الموضوع الذي نفتتح به العام الجديد..
كثيرا مايتبادر إلى أذهاننا ونحن نتابع أنشطة الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، سؤال تقليدي لكنه مهم .. هل الأحزاب السياسية تقوم بواجبها في تأطير وتنظيم وتعبئة المواطنين طبقا لمقتضيات الدستور؟ هل بعض الأحزاب وبصفة خاصة التي تسمي نفسها تقدمية وديموقراطية واشتراكية، هل قامت بواجبها وساهمت في الحفاظ على استقرار الوضع الاجتماعي في ظل أجواء التردي بكل أشكاله والذي يزداد استفحالا ببلادنا يوما عن يوم ..؟ هل قامت فعلا بما كان يجب أن تقوم به من منطلق مبادئها وأهدافها وتوجهاتها بل ومرجعياتها الإيديولوجية ورصيدها النضالي والتاريخي؟ هل الأحزاب التي تسمي نفسها مناضلة أدركت بحسها «النضالي» أنها ساهمت من الموقع الحكومي الذي تعود إليه مرة أخرى في تحقيق تطلعات وآمال المواطنين المغلوبين على أمرهم بالإنصات إلى نبض قلوبهم وتقبل انتقاداتهم والسعي بإخلاص إلى تحسين أحوالهم وظروفهم المعيشية..؟ هل تفعل أحزابنا كل هذا طالما أنها تأسست لأهداف سياسية لاتخلو من الجوانب الاجتماعية والإنسانية..؟ كثيرة هي الأسئلة التي نطرحها للتأمل والنقاش والتعليق! وعلى ضوء هذه التساؤلات نقدم قراءة متواضعة في السياسة والبرامج والتصورات والطيور التي تغرد خارج السرب !؟
وبالعودة إلى الماضي، أي في البدايات الأولى لاستقلال المغرب، ومع صدور قانون الحريات العامة، أصبح للأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية دور هام في الحياة السياسية الوطنية، عملا بمقتضى الدستور الذي يعطي للأحزاب والهيئات النقابية الحق في تنظيم المواطنين وتأطيرهم وتمثيلهم، وهو نفس القانون الذي يخول للمواطنين الحق في الانتماء لأي حزب أو نقابة بحرية وبدون ضغط أو إكراه على أن تساهم كافة الأحزاب على اختلاف مشاربها وتوجهاتها في نشر الوعي الذي لايمكن إلا أن يكون سياسيا، فضلا عن الاهتمام بقضايا وأحوال المواطنين وظروفهم الاجتماعية من خلال العمل التأطيري المسوؤل ومن ثمة إرساء قواعد الديموقراطية الداخلية التي لامكان لها اليوم داخل أحزابنا السياسية!!؟ – هذا جزء من التصور للعمل الحزبي الذي يقوم على أسس تعبوية تحسيسية فاعلة ومسوؤلة، والأحزاب التي أتحدث عنها، ولاشك أنكم تعرفونها، تدرك جيدا أنها لم تعد قادرة على القيام بوظائفها وأدوارها الطلائعية على الوجه المطلوب رغم أن دستور المملكة لسنة 2011 مكن الأحزاب من صلاحيات أكثر نجاعة وفاعلية في المجال العملي التأطيري والتوعوي وخول للنقابات صلاحيات وأدوارا على جانب كبير من الأهمية أكثر من ذي قبل.. ويبدو واضحا أنه لم يتبق من الرصيد النضالي للأحزاب السياسية وليس كل الأحزاب من طبيعة الحال على أن البعض منها لايرغب في الدخول في اللعبة بالرغم من مشاركتها في الاستحقاقات الانتخابية، إذ لم يتبق، كما قلت، للأحزاب التقليدية -القديمة الجديدة- سوى انتظار مواسم الانتخابات لاجترار نفس الكلام المنطوي على ديماغوجية مابعدها ديماغوجية بما يخدم ذكاءها الانتخابي وأغراضها الشخصية والعودة إلى رفع نفس الشعارات الباعثة على كل أنواع السخرية بهذه الأحزاب، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن المغربي تطوير أساليب العمل الحزبي والانخراط الحقيقي في مسلسل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإنصات إلى ملاحظات وانتقادات المواطنين وإيلائها ما تستحقه من العناية والاهتمام والرعاية دون تعريضها للتهميش والإقصاء والطرد الممنهج كما يحدث في بعض الأحزاب السياسية المغربية !؟؟
دعوني أقول لكم مجددا أن القراءة الحقيقية لهذه الوضعية «المأساة» ولكل أشكال الهشاشة والانتهازية والأنانية هي التي أصابت بدون شك بعض أحزابنا السياسية في مقتل وعبر كل المحطات وما تلاها من أحداث وعبر لم تستخلص ما يجب استخلاصه من دروس العزوف والمقاطعة الشعبية للتصويت خلال استحقاقات «2007» لاشك أنكم تتذكرونها والتي أكدت فشل السياسات والبرامج الحكومية وعدم قدرة الأحزاب المشاركة في الحكم على تجاوز معضلات وأزمات المجتمع حيث تعاني أوسع فئاته من التهميش الاجتماعي والحرمان والضياع الذي أصبح يهدد الكثير من الأسر المغربية لعدم قدرتها على الصمود في وجه الأزمة ومواكبة أحوالها المعيشية..! ولعلها الحلقة المفقودة في السياسات والبرامج الحكومية وضمنها الأحزاب التي تقبل باللعبة السياسية والمشاركة فيها…
إدريس كردود