حين دخلت إلى زاوية سيدي عبد الله الحاج المشرفة على ساحة المشور السعيد بتطوان، لحضور “تفريق” أخينا المرحوم برحمة الله السيد يوسف مارصو، لم أكن أعتقد أنني سأخرج بموضوع يتناول التجديد الذي شهده هذا البيت، والبردة التي قرأناها بعد صلاة العصر.
فأما البردة، فقد أصبحت فرض عين في جنائزنا، تُقرأ على الميت في بيته، وتُقرأ في ليلة تشييعه، وتُقرأ في “التفريق”، وتُقرأ بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، تبركا بها وبصاحبها.
وقد عايشتُ عددا ًمن الفقهاء الذين كانوا يتفننون في قراءة بردة الإمام البوصيري، كالمرحوم سيدي الحبيب الخراز، والمرحوم الفقيه محمد بن الهاشمي، وكانت قراءتهم لها تمتد لساعة ونصف الساعة، أي تسعين دقيقة، وذلك لولعهم بها، وبمعانيها، وبإيقاعاتها التي تتلون وتتنوع.
ويشهد الله أن هؤلاء المنشدين والمسمّعين، كانوا يحافظون على أوزانها، ولا تحدثهم نفوسهم بتغيير أو تبديل ما ائتُمنوا عليه.
وهذا مشاهَد في الآلة الأندلسية، التي تعتبر تراثاً مقدسا، لا يجوز العبث به، أو التنقيص من قدره، أو استبداله بدعوى التجديد والتطوير، والتعديل والتغيير.
وأعود إلى زاوية سيدي عبد الله الحاج، لأقول: إن الفقيه الحوزي حفظه الله، هو الذي قرأ البُردة، قراءته المعتادة، التي تتراوح بين التأني والعجلة، محافظاً على الميزان المعمول به في تطوان، والموروث عن الآباء والأجداد.
ويعجبني فيه الحفاظ على المنشدين الذين يشدون أزره، تلاوةً وأداءً، لا يرفعون أصواتهم إلا بمقدار، ويظهرون بالمظهر الذي يليق بقراء كتاب الله.
لا أدري من الذين اختاروا هذا البيت، للترحم على روح المرحوم يوسف مارصو رحمه الله، فقد أحسنوا الاختيار، فالزاوية كأنها تزينت ولبست أحسن ملابسها، لاحتضان هذه المناسبة الدينية، زرابيها المبثوثة كأنها تُستعمل لأول مرة، وثرياتها النحاسية اختيرت بعناية، والخشب الذي غطى سقفها وأجزاء من أعمدتها وجدرانها، خشب من أجود أنواع الخشب، والطاقم الذي أعاد إليها شبابها وحيوتها ونضارتها، طاقم ينتمي ولا شك إلى مقاول يتقي الله، ويُرضي ضميره.
شاهدتُ مشاهد من هذا القبيل في الخميسات، وشاهدتها في تيفلت الملاصقة للخميسات، وشاهدتها في مساجد بطنجة.
وهذا يدخل كما قلت في دردشة سابقة، في حرص أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، على أن تكون بيوت الله في أحسن تقويم، وأن تخصص لها ميزانية ضخمة للحفاظ عليها وصيانتها، والظهور بالمظهر الذي يليق بها.
وصدق الله العظيم إذ يقول: «في بيوت أذِن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسُمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله، والله يرزق من يشاء بغير حساب».
مصطفى حجاج