كتاب: «في تحليل الخطاب الاجتماعي والسياسي- قضايا ونماذج من الواقع المعاصر»، هو أحد مؤلفات الدكتور عبد الرحمن بودرع؛ الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ومنسق ماستر لسانيات النص وتحليل الخطاب، ومنسق بنية البحث في الدكتوراة (فريق البحث الأدبي والسيميائي) بنفس الكلية.
ويعالج هذا الكتاب كما جاء في مقدمته الإصدارية أربع قضايا كبرى من قضايا الأمة؛ هي:
– العدالة الاجتماعية،
– وهجرة الكفاءات العلمية،
– واللغة والهوية،
– وقضية المرأة.
اعتبارا للجامع بين هذه القضايا الأربع؛ والمتمثل فيما واقع الأزمات التي أصيبت بها الأمة العربية الإسلامية على الصعيد السياسي والاجتماعي والعلمي.
ولنترك المؤلف يعبر بنفسه عن مقصده من هذا الكتاب من خلال مجموعة من الفقرات المفتاحية في هذا المدخل قبل التطرق للقضايا الأربع ، فقد عبّر المؤلف أنه: (يتناول القضايا الأربع بمقاربة حديثة تتصل بالتحليل النقدي للخطاب؛ الذي يربط بين بنية الخطاب والقضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية، ويرصد مظاهر التفاعل بين الخطاب والمجتمع)[ص:5-6].
ولهذا فالكتاب يخاطب: (نوعين من القراء والباحثين؛ الأول منهما الباحثون في العلوم الاجتماعية والإنسانية عامة، والثاني الباحثون اللسانيون المشتغلون بلسانيات النص وتحليل الخطاب..)[ص:6].
هذا بالإضافة إلى أن الكتاب يحرص:(على مجاوزة الفرق بين المباحث التي تعتمد النظريات الاجتماعية المجردة عن كل تحليل نصي أو خطابي، إلى ذلك التركيب المنهجي الذي يقدم رؤية تحليلية نقدية للقضايا الاجتماعية من خلال ما يتكلم به الناس وما يكتبون، وذلك لأن كل ممارسة اجتماعية أو فعل اجتماعي أو ظاهرة أو قضية مما يحدثه الناس في مجتمعاتهم، إنما هو أمر ينطلق من بناء ثابت يدعى «نطاق الخطاب»، ويعد هذا النطاق مكونا من مكونات الخطاب الاجتماعي..)[ص:17].
وهذا الخطاب الاجتماعي: (لا يقتصر على التحليل اللغوي للنصوص المحكية والمكتوبة، ولكنه يتجاوز ذلك إلى أن يصبح أيضا خطابا تحليليا نقديا يهتم بالاستمرارية والتغيير..)[ص:18]، ومن ثم فإن الخطاب: (رؤية معينة للغة المستخدمة في المجتمع أو طريقة في التعبير اللغوي عن الفعل الاجتماعي، وهو بهذا عنصر يشارك في تكوين الأحداث الاجتماعية، ويسهم في إحداث تغيير في معارف الناس ومواقفهم وقيمهم)[ص:18].
بهذه المفاهيم للخطاب الاجتماعي ودوره في إعادة صياغة المجتمع ينطلق د.عبد الرحمن بودرع في التطرق للقضايا الأربع التي عالجها في هذا الكتاب والتي قسمت فصوله إلى أربع:
1 – القسم الأول: أزمة العدالة في الوطن العربي؛ عالج فيها الكاتب قضايا العدالة في الوطن العربي في أبعادها المتعددة من حيث هي قضية مركبة؛ اجتماعية سياسية معرفية. وكذلك من حيث علاقتها بالاستبداد والظلم الذي هو رأس الأزمات من خلال ثنائية: الاستبداد الحاضر والعدالة المفقودة. ثم علاقتها الخارجية بمنظومة القيم أولا، وثانيا علاقتها بالتنمية البشرية.
2 – القسم الثاني: أزمة الكفاءات العلمية العربية، بسط فيها المؤلف مقاربته لها من خلال رؤية حضارية ومقاربة اجتماعية لأسباب الهجرة ووضع تصور إطار للحلول؛ باعتبار أن هجرة العقول تبقى اختيارا أو اضطرارا يؤثر في شبكة العلاقات الاجتماعية فيتأثر المجتمع برمته بنتائج الهجرة وما تخلفه من حرمان المجتمع من خدمة علمائه المهاجرين. ذلك أن هجرة الكفاءات تعكس أزمة حامل المعرفة في الوطن العربي، ويمكن عدها نوعا سلبيا من أنواع التبادل العلمي بين الدول، وقد حاول المؤلف البحث عن مجموعة من الحلول للإفادة من هذه الكفاءات ووقف نزيفها بعد البحث في أسبابها وآثارها السلبية.
3 – القسم الثالث: أزمة الهوية واللغة في الوطن العربي؛ وقد بيَّن فيه المؤلف أن اللغة العربية قد كابدت بعد فترة الاستعمار – نتيجة سياسته المفضية إلى التبعية- غربة قاتلة؛ ومن ثم حاول في هذا القسم مطارحة حجم الاهتمام الذي يجب على الباحثين إيلاءه للعلاقة القائمة بين اللغة والهوية، من منطلق ما تستدعيه فرضية كون الهوية أهم مكون في كل دراسة علمية تجري حول اللغة. وعلى هذا الأساس فاللغة العربية تعد مؤلفا رئيسا من مؤلفات الهوية العربية بما تتضمنه من قيم دينية وثقافية وأدبية وأخلاقية، ومن ثم وجب اعتمادها في كل مقاربة تنموية.
4 – القسم الرابع: أزمة المرأة في الوطن العربي- المرأة المغربية أنموذجا؛ وقد بحث فيه المؤلف مجموعة من العناصر التي تؤكد أن أهم مظهر من مظاهر أزمة المرأة العربية أنها لم تنل حظها من الاستقلال، وأنها لم تنعم بعد بحقوقها الكاملة في المشاركة في بناء المجتمع وفي التنمية بمختلف أقطار الأمة العربية الإسلامية، وذلك من خلال بحث العناصر التالية: واقع المرأة العربية في الخطاب السياسي الاجتماعي، وواقع المرأة المغربية الثقافي والمشاركة السياسية للمرأة بالمغرب، ليخلص من خلال ذلك إلى مجموعة من الخلاصات حول وقع أزمة المرأة في الوطن العربي.
الكتاب جدير بالقراءة وبالمتابعة، لكن حسبنا هنا أننا وضعناه في إطاره العام، ووقفنا على مفاتيح القضايا التي يعالجها، وإلى قراءة أخرى إن شاء الله.
ذ. منتصر الخطيب