مازالت قضية الموريسكيين تثير جدلا في الأوساط الثقافية العربية والمغربية، وقد صدرت عشرات الكتب في السنوات الأخيرة باللغة العربية والإسبانية تتناول مواضيع مختلفة عن الموريسكيين ومأساتهم وأدبهم وتراثهم وتأثيراتهم في الأوساط التي هاجروا إليها كالمغرب والجزائر وتونس وغيرها من المناطق الأخرى، وكيفية اندماجهم فيها، والمعانات التي عاشوها مع سكان هذه البلدان بين رفضهم كدخلاء عليهم وقبولهم المحتشم. ومهما يكن فإن الجالية الموريسكية لم تنس الحنين إلى مدنها الأندلسية (إسبانيا حاليا) والتي تركوا فيها كل ما كانوا يملكونه. وما زال سكان بعض المناطق الإسبانية الجنوبية بالخصوص يفتخرون ويمجدون أصولهم العربية.
والكتاب الذي نقوم بعرضه على القراء، يتعلق بموضوع الموريسكيين لصاحبه الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وقد جمع فيه مجموعة من الوثائق الإسبانية والتي تعود إلى الفترة ما بين عام 1530م وعام 1610م وهي فترة مأساة الموريسكيين. وبعد ترجمتها من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية، ودراستها، اختار منها عشر وثائق تدين فئات من الشعب الإسباني في تلك الفترة ( أ كان ملكا أو قاضيا، أو كنيسة أو جماعة من الناس)، لما قاموا به من جرم تجاه هؤلاء، بعد أن هادنوهم فترة من الزمن، بعد توقيع الملكين الكاثوليكيين لأبي عبد الله الصغير بالتعهدات بعدم المساس بالمسلمين في عبادتهم وأملاكهم.
وضع المؤلف تلك الوثائق في صورة إدانات وهي عشرة، يدين بها كل من قام بتلك الأعمال الشنيعة تجاه مسلمي الأندلس، وهي:
الإدانة الأولى: الإعدام لأتفه الأشياء، ففي عام 1350م أرسل رئيس أساقفة غرناطة (غاسبار دي أبالوس) مبعوثا خاصا للملكة (إيزبيل) التي كانت تنوب عن الملك في غيابه، بقائمة المخالفات، ليثبت بأن النصارى الجدد من الأندلسيين ما زالوا على دينهم الإسلامي، وأنهم لا يحضرون القداس المسيحي، وطالب باتخاذ إجراءات مشددة في حقهم. فتم إعدامهم على أتفه الأسباب. ومن بين التهم التي وجهت إليهم بأنهم عملاء للأتراك.
الإدانة الثانية: الإهانات غير المتناهية للموريسكيين: الأمر الملكي لكارلوس الخامس الواقعة الأولى: الصادر في لنسبة 11 يناير 1530م وتتعلق بمورسيكيي (بلنسية) حيث يتهم فيه الموريسكيون بالسير على طول الساحل البحري، فيحرقون المدن، ويقومون بالنهب والقتل للمسيحيين، ويدمرون القرى والأماكن القريبة منها، ومحاولاتهم الاتحاد مع الأتراك، فكان العقاب كما يلي:
1 – كل من تنصر مؤخرا، ثم غير موضع سكنه، ضاعت منه أمواله وأمتعته في الحين بلا رجعة… ونفس الشيء مع الذي يخرجون عن الطريق الملكي الرابط بين بلنسية وبرشلونة من جهة الشرق، بحثا عن الساحل… فإنه يحكم عليهم بالإعدام، وتضيع منهم أمتعتهم.
وكذلك من جهة الغرب، فإن كل من يخرج عن الطريق الملكي الرابط بين بلنسية ودينيا… وجتى أيكانتي ومنها إلى أوريولا، ولا يحمل وثيقة الهوية المختومة، فإنه يعاقب بنفس العقوبة (القتل).
كما أنه لا يحق لأحد من رعايا الحاكم أن يساعد أحدا من المتنصرين الجدد أو يؤويه، وذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وإلا فعليه غرامة مبلغها خمسة وعشرون ليرة. ثم لا يحق لأحد من المتنصرين الجدد، رجلا كان أو امرأة، عمره ثماني سنين فما فوق، أن يساعد أو ينصح أو يعين بصفة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الموريسكيين (الأشرار) أو الأتراك القراصنة… كما لا يسمح حتى بالكلام معهم، وإلا فالعقوبة هي القتل ومصادرة الممتلكات.
الإدانة الثالثة: الإهانات غير المتناهية التي عرض لها شعب غرناطة بعد أن قاموا بثوراتهم المسلحة في مملكة غرناطة نتيجة لاضطهاد الكنيسة.
في سنة 1568م، انتظمت ثورة في حي البيازين بغرناطة، وكان رئيسها شاب في الثانية والعشرين من عمره، يسمى (هرناندو دي بالور) من سلالة بني أمية، والذي تسمى (ابن أمية). اتسعت الثورة وعمت سهل لكرين وامتدت إلى جبال البشرات وبالرغم من كون الثورة سلمية، فذلك لم يمنع من الاعتداءات على السكان المسلمين من قبل السلطات الكاثوليكية التي جاءت بعنف وسرعة (اغتصاب..، قتل، نهب)…
الإدانة الرابعة: مصادرة أراضي الموريسكيين المسلمين من قبل القصر الملكي، وبيعها للمسيحيين ممن وردوا على الأندلس. وفقا للقرار الملكي المؤرخ في 24 فبراير 1571م من طرف (فيليبي الثاني). فإن كل الممتلكات وكل الأراضي الموريسكية بغرناطة قد صودرت، وأضيفت إلى الأملاك الملكية. وكان الهدف الرئيسي للعاهل الإسباني هو إعادة إعمار مملكة غرناطة ببيع الأراضي المصادرة، والماشية والعتاد، وبيعها بشروط حسنة للأهالي (المستعمرين) القادمين من مناطق أخرى من الوطن.
الإدانة الخامسة: اتخاذ أبناء وبنات الموريسكيين عبيدا، بعد ثورة غرناطة التي قام بها المسلمون، صدرت الأوامر الملكية على من اعتقل أو أوقف لأي أمر تافه، بأن يكون أولادهم، ممن تجاوزت أعمارهم العاشرة والنصف للبنين والتاسعة والنصف للبنات، قد صاروا عبيدا للذين أوقفوهم أو اعتقلوهم. يؤخذ الصغار منهم لتربيتهم على الديانة المسيحية عند أناس يتخذونهم خولا، أو عبيدا وإماء وغيرهم من الحاشية.
الإدانة السادسة: السجن لكثير من الموريسكيين الأبرياء. عندما ثم تمرد الموريسكيين المسلمين في غرناطة بتاريخ التاسع من شهر يوليوز سنة 1569م، ثم زج كثير من الموريسكيين في السجون، وكان المراجع الرئيسي (سالازار) هو الذي كان يعاقب ويصدر الأحكام ضدهم، وهم في السجن.
الإدانة السابعة: إجراءات التنصير على الموريسكيين وبخاصة على أطفالهم.
وهناك رسالة خطية للملك (فيليبي الثاني) ملك اسبانيا مؤرخة بتاريخ 15 يونيو 1579م، يلح فيها على الأهمية الخاصة التي يوليها لرقابة الموريسكيين بعد تمرد عام 1570م، والتأكد من السير الحسن لإجراءات التنصير التي طبقت عليهم، وبخاصة على أطفالهم. “ويجب الحذر الشديد لأن الموريسكيين كما هم، سوف يدفعون بنا كل يوم يمضي إلى المزيد من اليقظة، وإن لم نسبقهم بقمع ميولاتهم الخبيثة، وبالسهر على أن تطبق القرارات الحاضرة والمستقبلية المتخذة بهذا الصدد، بصفة دقيقة وبغير أدنى مساس بها، مع العمل خاصة على أن يعتنقوا المسيحية، أو عل الأقل أطفالهم…” ص:115.
الإدانة الثامنة: طرد الموريسكيين من إسبانيا:
كان إجلاء الموريسكيين بإعلان من الملك فيليبي الثالث في 22 سبتمبر سنة 1609م ومقتضاه، مغادرة الأراضي الإسبانية من طرف الموريسكيين المنحدرين من المسلمين الذين تنصروا طبقا لمرسوم الملوك الكاثوليك في 14 فبراير 1502م. وقد وجه الخطاب إلى جميع كبراء الكنيسة والفقهاء والبرونات والفرسان، وضباط العدل، وأعضاء اللجان بالمدن والقرى والمداشر، والحكام العامين، والأمراء والوزراء الآخرين، وممثلي سمو الملك وإلى جميع المواطنين بالمملكة الإسبانية.
وقد دام التهجير إلى عام 1614م. وكان معظم المهجرين قد استقروا في السواحل المغربية والجزائرية والتونسية. وقد استطاع البعض العودة إلى إسبانيا في السنين التي تلت التهجير، وذلك بسبب سوء استقبالهم بالمغرب.
الإدانة التاسعة: مراقبة الموريسكيين
وترتكز على مراقبة الذين لديهم تصريحات استثنائية لبعض الموريسكيين ليبقوا على الأراضي الإسبانية بناء على الرسالة الممضاة من طرف (فيليبي الثاني) الموجبة على السكان الموريسكيين أن يغادروا شبه الجزيرة في أجل أقصاه ستة أشهر، إلا أنه سرعان ما ظهرت عوائق شتى: إنسانية، قانونية، دينية، اقتصادية، سياسية أو من أجل المصلحة الوطنية، مما أعاق في بعض الأحيان سير الجهاز التهجيري الجهنمي. لقد حاولت السلطات آنذاك أن تأتي بحلول، ولكن الوفاق العام حول وجوب نفي كل وجود إسلامي حال دون ذلك في آخر المطاف، ولم يحتفظ التاريخ إلا ببعض التصريحات الاستثنائية المقدمة لبعض الموريسكيين ليبقوا على الأراضي الإسبانية وكانوا خاضعين للمراقبة عن كثب من رجال الكنيسة.
الإدانة العاشرة: معاقبة المرتحلين إلى بلاد الإسلام.
لقد صدر الأمر بطرد كل الموريسكيين الأصليين وكل الموريسكيات الأصليات مهما كانت أعمارهم، وتم ذلك في الأشهر الأولى من عام 1610م بحيث طرد ما يقارب من عشرين ألف موريسكي من الأندلس. أما أبناؤهم الذين فروا ليعتنقوا الدين المسيحي، فإنهم غير معنيين بمرسوم الطرد هذا، ولكنه سيظل، وفقا للقانون، ممكن التطبيق عليهم، وعلى أي مسيحي قديم بخصوص الخروج من الدين.
وأما الذين اختاروا بلاد البربر أو غيرها من بلاد الكفر، فالواجب فصلهم عن أولادهم الذين لم يبلغوا السابعة من العمر، ولتحرر لائحة بأسمائهم، وليقرر عن كيفية تربيتهم.
أما أبناء المسيحيين القدامى المتزوجين بإماء معتقات، إما برغبتهم الخاصة، أو بشراء أسيادهم، وكذا بنات المسيحيات القدامى المزوجات لعبيد، فالواجب أن يبقى هؤلاء وأولئك. وكذلك الأطفال اليتامى من الجهتين والصغار الذين تربوا في الديانة المسيحية، الذين لا يتمتعون بالكفالة العائلية بسبب فقرهم، فليبقوا، ولتحرر قائمة بأسمائهم.
الإدانة الحادية عشر: الطرد بدون ذنب للموريسكيين
في السابع عشر من شهر أبريل عام 1610م تم تكليف القيادة للجيوش الإسبانية بمهمة سياقة الموريسكيين المسلمين من مدنهم إلى موانئ، لإركابهم السفن وإبعادهم من الأندلس. وفي مدة ثلاثة أسابيع، كان سكان الأندلس قد تم اقتيادهم إلى الموانئ الأندلسية، وإركابهم السفن التي نقلتهم إلى المغرب، ذنبهم في ذلك هو أن هناك اتصالا بينهم وبين الأتراك.
ومما جاء في وثيقة خطية للملك (فيليبي الثالث) (1578- 1621م) موجهة إلى (خوان دي لاتراس) “لا يخفى عليك أننا بعد سنين عديدة أدخلنا مسيحيين جددا في ديننا بهذه المملكة، مع مراسيم العفو التي خطوا بها، مقابل طلبات كثيرة بقصد إقامة الحدود الشرعية عليهم، مع قلة جدوى كل ذلك. وكما هو مشاهد لا أحد منهم دخل في ديننا بالحقيقية، بل العكس، إصرارهم على الاستهانة به وحتى معظم من أحيلوا على محاكم التفتيش… قررت بحضور مجلسي، ورجال الدين السامين، وجماعة من العلماء والسادة والشرفاء المتدينين … أن يخرج الموريسكون المقيمون على صعيد مملكتي بالوسائل التي ترونها الأليق هناك”. ص 179
أما الملحق: فقد خصصه المؤلف للمعاهدة التي أصدرها الملكان الكاثوليكيان لأبي عبدالله الصغير وأهل غرناطة بتاريخ 25 فبراير 1491م 21 محرم سنة 897هـ.
محمد القاضي