الحمد لله رب العالمين، الذي تفضل بتنزيل كتاب كريم، يهدي الناس ويبشر المومنين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
السيد رئيس الجلسة المحترم زملائي الأساتذة الأجلاء أيها الحضور الكرام.
يطيب لي بداية أن أعرب عن سعادتي بالمشاركة في تقديم قراءة لكتاب “المعارضة الشعرية” عتبات التناص في القصيدة المغربية للأستاذ الدكتور أحمد زنيبر، وصدر سنة 2008، في طبعته الأولى، وطبعته مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط.
وأصل هذا الكتاب أطروحة جامعية تقدم بها الباحث أحمد زنيبر لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، تخصص الأدب المغربي، في كلية آداب الرباط سجلت بعنوان: “ظاهرة المعارضة في الشعر المغربي على عهد السعديين”، ونوقشت بتاريخ 10 دجنبر 2002، بإشراف أستاذتنا الدكتورة نجاة المريني وأجيزت بميزة مشرف جدا.
مضامين الكتاب: “يشتمل الكتاب الذي يقع في ثلاثمائة وعشرين صفحة، 320 صفحة على بابين ومجموعة من الفصول، تشكل في مجملها المضامين الكبرى للكتاب، ويبدو من خلال الهيكل العام أنها مؤطرة في خمسة فصول، وتقديم جيد وقيم لأستاذنا الدكتور محمد مفتاح الغزواني رتب من خلاله خطوات منهجية تضع القارئ داخل أرضية الدراسة الصلبة.
يقول الدكتور محمد مفتاح: “يتناول موضوع كتاب “المعارضة الشعرية في الشعر المغربي للأستاذ الدكتور أحمد زنيبر قضية إنسانية لا يخلو منها زمان ولا شخص سوي، هذه القضية سميت بأسماء منعددة طوال الصيرورة التاريخية، ويمكن أن تدعى بأسماء جديدة في ما يستقبل من الأيام”[1].
فهذا التقديم الشامل والجامع والمفيد فيما يخص ظاهر المعارضة في الشعر المغربي، عامة وعل عهد السعديين خاصة، حيث فصل القول الأستاذ محمد مفتاح في ظاهرة المعارضة عند البلاغيين والنقاد وجامع المنتجات الشعرية من العرب الذين تداولوها عب أسماء متباينة لعل من أهمها ما انذرج تحت إسمي: المعارضة والمحاكاة بأنواعها.
ويضيف الباحث الدكتور محمد مفتاح: “إن هذه الآلية التي دعيت في الثقافة العربية بالمفهومين السالفي الذكر (المعارضة والمحاكاة) يجد القارئ ما يضاهيها في الثقافة الإنسانية وسنقتصر هنا على الإشارة إلى ثلاثة تصورات: “التصور الأول يبرز عند ميخائيل باختين في سياق اهتمامه بالثقافات الإنسانية والنظر إليها في ما تشابه منها أو اختلف، وهذا المنظور يتجاوز المفهوم العربي الإسلامي، باعتباره يوسع دائرة الموازنة والمقارنة بين حضارات وثقافات متعددة، والتصور الثاني يبرز عند، ما يمكن أن نسميه باتجاه: “ما بعد الحداثة”، وهي جوليا كريستينا” تحت مفهوم “التناص”، أو “تفاعل النصوص”[2].
وأما التصور الثالث فهو “رؤية ورؤيا العلوم المعرفية” لهذه الآلية، إذ من بين ما ركز عليه هذا التيار العلمي دراسة الذاكرة وموكوناتها وأنواعها ووظائفها. ومؤدى هذا التيار أن هذه الآلية ضرورة لا فكاك منها.
ويختم د. محمد مفتاح في تقديمه الجيد لظاهرة المعارضة وهو الخبير المتخص في الظاهرة التناص ومؤلف كتاب “استرتيجية التناص” الذي يعد بحق من أهم وأجود المؤلفات في هذا الباب، يقول: “إن كتاب المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية” للدكتور أحمد زنيبر يدرس قضية جوهرية في الفكر الإنساني لها أصولها الميتافيزيقية والتشريحية، فالكتاب يعتبر إسهاما حقيقيا في درسات الأدب المغربي دون أن يدعي مؤلفه الإتيان بالقول الفصل، في هذه الآلية الإنسانية الكونية.
ولا ننسى أن نذكر أن المؤلف أحمد زنيبر ضم صوته إلى صوت أستاذه الدكتور محمد مفتاح فجاء الختم في حلة جميلة مرصعة كادت أن تلخص ما جاء بين دفتي هذا المؤلف المرصع بظاهرة المعارضة في القصيدة المغربية أما مقدمة المؤلف التي تلي هذا التقديم: فقد حاول الأستاذ أحمد زنيبر أن يطرح تصوره العام للموضوع، مع طرح إشكاليات تسيجها أسئلة هامة، فصياغة الإشكالية هي فن طرح أسئلة سديدة ومتصلة حول الموضوع المطروق من شأنها إعطاء دينامية للبحث وفتح محاور النقاش، فهي العنصر الأساسي الذي يحدد جودة الموضوع، وقد التفت لهذا الباحث بذكاء وفطنة واستعرض أسئلة من قبيل: ” ما المفهوم أو المفاهيم التي ارتبطت بالمعارضة كمصطلح”.
ماذا عن هذه المعارضة كتجربة إبداعية في الشعر العربي القديم؟
ماهي مظاهر ومستويات هذه الظاهرة في الإنتاج الشعري بالمغرب؟
وغيرها من الأسئلة التي جاءت على شكل مقدمات، وبعدها استخلص الباحث النتائج المرجوة.
إن مفتاح القيمة المنهجية للدراسة تعكسها خطة البحث العامة التي تعكس بدورها تمكن الباحث الأستاذ أحمد زنيبر من موضوعه، وتكشف عن كفاءته العلمية وتنبي عن قدرته على التحليل والدرس، لأنها تشكل المنهج الخارجي للدراسة وبدونها يفقد البحث قيمته العلمية، وأكد هذه الحقيقة الفيلسوف ديكارت (1596م – 1650م) بقوله ” خير للإنسان أن يعدل عن التماس الحقيقة من أن يحاول ذلك من غير منهج”.
قالمنهج الذي سار عليه المؤلف هو المنهج الوصفي والتحليلي والمقارن لأن المادة هي التي تفرض المنهج وليس العكس، يقول المؤلف: “توسل المنهج الذي تبنته هذه الأطروحة، تبعا لطبيعة موضوعها، بالتاريخ والوصف تارة وبالتصنيف والتحليل تارة أخرى، دون أن تستغني الدراسة عن المقارنة كأداة إجرائية ضرورية، في مثل هذا العمل.[3]
توسل الباحث بالمنهج المقارن ليعرف مواطن الإلتقاء والتقاطع ومواطن التماثل والتمايز لأوجه المعارضة الشعرية في القصيدة المغربية بمعطياتها البلاغية والبديعية والنقدية في انفتاح المعارضة المغربية على النصوص الشعرية الغربية والمشرقية والأندلسية وغيرها من الأشكال الشعرية والنثرية التي ساهمت في إبراز المعارضة الشعرية في القصيدة المغربية كقضية إنسانية لا يخلو منها زمان ولا مكان.
أما الأبواب والفصول التي تلت هذه المقدمة وهي مصطلح المعارضة وخلفياته النظرية، المفهوم اللغوي والمفهوم الاصطلاحي والمعارضة والممارسة النقدية عند القدماء وعند المحدثين والمعارضة والسرقات الشعرية والمعارضة الشعرية قبل زمن السعديين، ما قبل المرابطين العهد المرابطي والعهد الموحدي والعهد المريني، ثم تعرض في الفصل الثالث للحركة الثقافية في العصر السعدي، المقومات والمظاهر، وتلاه الفصل الرابع الحس التراثي في الشعر السعدي، التضمينات الاحالات – الاقتباسات ثم تلاه أيضا المساجلة الشعرية في العصر السعدي ثم تفرع الباب الثاني – المعارضة في العصر السعدي بين الخفاء والتجلي” عن خمسة فصول، حمل الفصل الأول عنوان: “المعارضات الشعرية والحضور المشرقي، ثم جاء بعده أثر أبي تمام والمتنبي في المعارضات الشعرية، ثم تلاه المعارضات السعدية والنفس الأندلسية، ثم أتحف الفصول الباقية بالمعارضة السعدية قي شعر المولديات ثم المعارضة السعدية وفن الموشحات وخاتمة ختم بها المؤلف تضمنت أهم النتائج التي توصل إليه البحث من خلال هذه الدراسة القيمة.
مميزات الكتاب وأهميته:
يتميز هذا الكتاب بجملة من الإفادات والانشادات التي تجعل منه مؤلفا ذا قيمة أدبية علمية.
إن هذه الدراسة ولدت من رحم عشق المؤلف للأدب المغربي ولا سيما في العصر السعدي، الذي عشقه المؤلف وانبهر بشعرائه تجعل منه مرجعا أساسا لا غنى عنه لكل باحث مهتم بظاهرة المعارضة الشعرية في العصر السعدي، ويضيف المؤلف ذكر الغصون اليانعة من المؤلفات التي تخصصت في المعارضة الشعرية والتي مارست سلطة كبيرة في قيام دولة المعارضة الشعرية في القصيدة السعدية
. كما عمل الباحث على خلخلة التصور القديم لظاهرة المعارضة وفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يبحث أكثر ويتعمق في الإشكالية المطروحة حول ظاهرة المعارضة في العصر السعدي ويأتينا بالجديد في هذا الحقل الإبداعي في القصيدة السعدية.
إن القارئ لكتاب المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية، لا يلاحظ خلل أو اضطراب في البناء العام لهذه الدراسة، وهذا راجع لتمرس الباحث في مجال البحث العلمي والابداع، فقد سبق للباحث أن صدر له “دراسات في الأدب المغربي”، وقراءات في القصة والرواية وغيرها من المؤلفات، فلا جدال أن يقتحم دراسة ظاهرة المعارضة في القصيدة الشعرية السعدية بكل حماس واستعداد وهذا يثير الإعجاب والاستحسان عند القارئ.
يجد القارئ في هذه الدراسة رقة الأسلوب وجمالية اللغة وترابط المعاني الذي جمع بين المضمون والشكل وكذلك انسياب الكلمة وصفائها فلا حشو ولا استطراد لا سيما إذا علمنا أن المعارضة مجاراة شريفة ضمن أسلوب يتضمن السلاسة الرقراقة لأنها جاءت لتحل محل المناقضة الشعرية والتي فيها من العصبية القاتلة والسياسة المفرقة والحزبية المتطاحنة”[4].
فالرقة والنقاء كانا باديين في ثنايا هذه الدراسة الجادة لأن الباحث كان يتحرى تقديم الأنموذج الذي تترراوح فيه مظاهر الجمال المؤثرة، فجاءت هذه المعارضات “كعرائس الزهراء” كل معارضة تنسيك الأخرى.
ولا شك أن تعريفات ظاهرة المعارضة التي جاء بها المؤلف عبر صولاته وجولاته في عدد من المصادر والمراجع المغربية والمشرقية قد امتازت بوضوح الرؤيا وعمقها، غير أنني لم أجد رؤيا للمؤلف في كل ما استعرضه من مفاهيم ولم يذكر مع من يتفق ومع من يختلف.
لكن الباحث استخلص جملة من التصورات والرؤى عن هذا الموضوع ومنها:
- وجود المعارضة كظاهرة شعرية في جل المراحل الشعرية من تاريخ المغرب الأدبي، بدءا من عهد الأدارسة وما تلاه من العصور الأدبية.
- مقاربة الباحثين المغاربة على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الثقافية لهذه الظاهرة وملامستهم لها وفق مناهج واتجاهات متباينة.
- تباين نظرية هؤلاء الباحثين بخصوص مفهوم المعارضة، كممارسة نصية وبالتالي اختلافهم في تحديد مصطلح دقيق قار وثابت.
- توصل الباحث أيضا إلى أن الشعراء المعارضين في العصر السعدي أنفسهم استطاعوا نزع ألقاب كبار الشعراء المشارقة والأندلس حتى أن السلطان أحمد المنصور الذهبي خاطب شاعره عبد العزيز الفشتالي بقوله: “إنا نباهي بك لسان الدين ابن الخطيب”.
لقد وفق أحمد زنيبر غاية التوفيق في إبراز خصوصية مؤلفه، وكان فطنا حرصا حين أثار ظاهرة المعارضة الشعرية في القصيدة السعدية لمن يريد أن يسبح في هذا البحر العميق الزاخر بالجمالية وتلاطم الأمواج.
وللكتاب أيضا أهمية ملحوظة لأنه يدرس مجال تحديد مفهوم المصطلح وقديما قال العرب: “تحديد مفهوم المصطلح جزء من لغة العلم” والجدير بالذكر كذلك حرص المؤلف واعتماده على المصادر والمراجع الموثقة حتى تكون مادته المدروسة موثقة واستنتاجاته وأحكامه علمية دقيقة، حريصا على الحقيقة العلمية محافظا على الأمانة، لأن الحقيقة لا تتجلى إلا لمن كان مستعدا لرؤيتها، وقد سئل أريسطو: “لماذا تناقض أفلاطون في آرائه وهو صديقك؟. أجاب” “إن أفلاطون صديقي، ولكن الحق أولى بالصداقة نفسها”.
ويجب أن أعترف ختاما بأن هذه القراءة المتواضعة والموجزة، أساهم في هذا المحفل العلمي إلى جانب زملائي الأساتذة الأفاضل، وهي قراءة في كتاب “المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية”، للباحث أحمد زنيبر وهي ليست أكثر من مشاركة رمزية غايتها الإعراب عن التقدير والاحترام الذي أكنه لصاحب التأليف، أدامه الله وزاده بسطة في العلم والرزق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]ـ المعارضة الشعرية، عتبات التناص في القصيدة المغربية”، أحمد زنيبر.
[2]ـ ” المعارضة الشعرية، عتبات التناص في القصيدة المغربية”، أحمد زنيبر.
[3]ـ من يريد الإطلاع أكثر يعود إلى كتاب الدكتور أحمد زنيبر ” المعارضة الشعرية، عتبات التناص في القصيدة المغربية”.
[4]ـ دراسات أدبية في الشعر الأندلسي، سعد إسماعيل شلبي ص: 48
دة. جميلة رزقي