الرواية شكل تعبيري يصف تجارب إنسانية في قالب أدبي يكسوه الإثارة والتشويق ، وتعكسه شخصيات معينة في بيئة وفضاء محددين. ويخضع هذا الجنس الأدبي إلى النقد باعتباره تطبيقا لعلم الجمال على النص الروائي ويسعى إلى إغنائه والارتقاء به وإدراك مقوماته الجمالية والإبداعية للخروج برؤية موضوعية مجردة .
وأول ما يمكن مقاربته في رواية “الضيعة” للأديبة الدكتورة أمينة أزماني ، هو العنوان الذي جاء مغايرا للعنوان الأصل لأن هذا المتن الروائي مترجم من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية ، وقامت بترجمته الدكتورة رجاء الخلوفي ، ويحمل في لغته الأصل عنوانPierres D’Abeilles ويساويه في المعنى باللغة العربية “حجر النحل”.
لقد تصرفت المترجمة في العنوان عندما غيرته ، ولكن هذا الإبدال جعل من العنوانين يسيران في خطين متوازيين اتجاه دلالة واحدة وهي المكان ، وتربط بينهما علاقة الجزء بالكل حيث إن الضيعة هي جزء من قرية ” حجر النحل” الموجودة بنواحي مدينة طنجة وهي قرية صغيرة تحيل على الهدوء والطبيعة لتوقظنا أحداث الرواية بحركة صاخبة كانت مختفية وراء هذا السكون من خلال بعض القضايا الإنسانية التي تعرفها القرية أو بالأحرى عرفتها في زمن إنتاج الرواية .
جمع هذا النص الروائي بين ما هو أدبي وعلمي مما وسمه بالحداثة ولا سيما أنه تناول علما حديثا وهو ما يعرف بعلم “التنمية الذاتية “، ويعود ذلك إلى مرجعية الكاتبة.
كما مررت لنا الرواية رسائل ودروسا قوية في تطوير الذات ، وجعلها متوازنة في الانفتاح على نفسها وعلى العالم الخارجي ، وذلك في إطارأدبي بواسطة شخصيات متخيلة أهمها شخصية ” الأستاذ “وشخصية ” نينا ”
ومما زاد من حداثة هذا المتن هو تركيزه على البعد السيكولوجي و الهواجس النفسية للشخصيات أكثر من تركيزه على الشخصيات ذاتها ، هذا فضلا عن اتصاف أحداثه بالزئبقية حيث إننا بمجرد ما نمسك بحدث ما ينفلت منا و تجدنا بعد ذلك نحاول الإمساك بحدث آخر ، وهذا الغنى في الأحداث يعود إلى تعدد القوى الفاعلة و قضاياها الإنسانية والاجتماعية مع التركيز على فئة النساء في مجتمع يعرف تأخرا في البنيات العقلية ، وهشاشة في الحياة الاجتماعية، مثل فئة (الخادمات في البيوت ، السجينات، ..) وهن نساء كن ضحايا لواقع متأزم انعكس على نفسياتهن فعانين من الإرهاب النفسي ، وارتكبن جرائم أفقدتهن حرياتهن، لأسباب تجمع بين ماهي مهمة وأخرى واهية، هذا فضلا عن شخصية البطلة ” نينا ” التي فقدت أختها وانعزلت مع قلمها ومذكرتها تدون فيها معاناة الفقد دون أن ينتبه إلى آلامها أحد حتى أقرب الناس إليها.
وتحمل الرواية أيضا بعدا تربويا الذي أبان عن طموح يروم إلى تحسين العلاقة بين الأستاذ والطالب ، وتكسير الحواجز بينهما ، ومد الجيل الجديد بعلوم حديثة ، وضخ الحيوية فيه خاصة في السلك العالي ، وذلك عبر شخصية الأستاذ الجامعي الذي أحيل على التقاعد وعانى بعد ذلك من الفراغ وفقد الاحتكاك بطلبته ، مما جعله يفكر في تأليف كتاب في التنمية الذاتية عنونه ب”مرشدي”.
كما نجد البعد الأتتروبولوجي حاضرا في الرواية عندما سلطت الضوء على بعض السلوكات والعادات السائدة في مجتمعنا والتي تنم عن قصوركبير في الفكر مثل ظاهرة جلب المرضى النفسيين ألى الأضرحة ، وخضوعهم لعلاج يرفضه العقل والضمير .
كل أحداث الرواية جاءت في زمن متداخل يتراوح بين الاسترجاع للماضي والعودة إلى الحاضر مع هيمنة الزمن النفسي ، ونسجت بأسلوب يجمع بين البساطة والعمق ، وأفادت القارئ بمعلومات قيمة حول تطوير الذات ، وزادته تحفيزا على حب القراءة والكتابة لأدوارهما العظمى ، باعتبار التراكم القرائي هو خير سبيل لفعل الكتابة ، وأجمل ما قيل عن دور الكتابة في الرواية ” الكتابة هي الرفقة التي ستمكن من تحمل الحياة لفك العزلة “.
أمينة أزماني