يوجد من القصص الواقعية أحيانا ما هو جد مؤثر، فلا يتركك إلا وقد استلهمت منه عبرا ودروسا، لن تحصل عليها حتى بمختلف المدارس والمعاهد، وربما جعلتك تحلق بخيالك فوق بساط من زمن آخر، زمن أجدادنا الذي افتقدناه، بكنوزه الإيمانية والإنسانية، بحكاياته ومواقفه النبيلة، ولاسيما عندما يدعو الأمر إلى التحلي بالكرم، ذلك الكرم المغربي الذي هو ليس لوحة إشهارية، بل ثقافة متجذرة يظهر عمقها في الأوقات الصعبة، كما وقع لأحد أرباب الفندقة بمدينة فاس مع سياح كانوا عالقين بالمغرب، فكان له نصيب من تجربة الكرم الذي نتناوله هنا، إذ جاء في سياق مطبوع بالاحترازتجاه انتشارفيروس “كورونا” المستجد. أتدرون ماذا فعل مالك أحد “الرياضات” السياحية بالعاصمة السياحية أمام هؤلاء السياح الأجانب؟ حسنا، لقد قدم نموذجا لهذه الوفادة، باستقبال مجاني لعشر أزواج أجانب، انقطعت بهم السبل، بعد تعليق الرحلات الدولية.وبالمناسبة، قال مالك الرياض، الواقع غير بعيد عن قصر”الجامعي” الشهير:” لقد آوينا أزواجا من مختلف الجنسيات ووفرنا لهم كل وسائل الراحة التي يحتاجونها حتى يشعروا أنهم في بيوتهم”.وأبرز الفندقي أنه حرص في نفس الوقت على اتخاذ جميع الاحتياطات واحترام توصيات النظافة التي أصدرتها السلطات الصحية في زمن انتشار فيروس “كورونا”.
وأوضح الرجل ذاته الذي نوه أيضا بتفاني موظفي “الرياض” السياحي في تنفيذ هذه العملية، لوسائل إعلامية أن الضيوف استقبلوا في غرف معقمة، تحتوي على كل المواد الضرورية للوقاية من سوائل مطهرة وغيرها:” إنها قيمنا المغربية المبنية على الكرم ولا يتعلق الأمربعملية تجارية، بل هونموذج يحتذى به للحفاظ على مناصب الشغل وتكريس صورة مغرب سخي ومضياف، بغض النظر عن الجنسية أوالعقيدة الدينية، مشيرا إلى أنه لا استسلام أمام المصاعب التي يواجهها الفاعلون السياحيون، لأن الوقت زمن التضامن والوفادة الكونية.” والمثير هو أن الرجل لم يكتف بذلك، بل بادر إلى الاتصال بالقنصلية الفرنسية في فاس والمعهدين الثقافيين، الأمريكي والفرنسي، من أجل فتح أبوابه أمام الأجانب الذين وجدوا أنفسهم بلا موارد.
والحق أقول أن هذا التصرف، المتسم بالشهامة والبطولة الكرمية، سوف يعود بالخير العميم والنعمة الجسيمة على مالك “الرياض”، ولو بعد شهور أو بضع سنوات، لأن هؤلاء السياح الأجانب سوف يسوقون لمنتوجه السياحي، مستقبلا، لدى بلدانهم ولن ينسوا له معاملته الإنسانية الفريدة، “غير اعمل مزيان وانسى”.ولاشك أنهم سوف يعودون أكثر سخاء في زيارة سياحية أخرى، حالما تصفو أجواء العالم الموبوءة ويدفعهم الحنين إلى زيارة ذلك “الرياض” السياحي الذي احتضنهم، أياما أخرى مجانا، في عز انتشار وباء “كورونا”، ففي الشدة “كيبان العربون” كما يقال.وربما قد يكون ضمن هؤلاء السياح كتاب هواة أومتمرسون، وهذا من ميزتهم دائما، فيبادرون إلى كتابة مذكرات تؤرخ لهذه الفترة العصيبة التي يجتازها العالم، مشيرين فيها إلى حسن الضيافة وإلى المعاملة الإنسانية وإلى إسم المغرب وكرم بعض أبنائه، منهم هذا “الحاتم الطائي ..المغربي” الذي قدم صورة طيبة عن الوطن، لايقدمها حتى بعض المسؤولين الكبارفي قطاعاتهم، واأسفاه !