تحاول الدولة جاهدة في كل مرة تعبئة المواطنين للمشاركة بكثافة في اختيار ممثليهم في الانتخابات، سواء الجماعية أو التشريعية. لكن إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، كشف في وقت سابق ، غياب الحَكامة في تدبير الدعم المالي العمومي الذي تستفيد منه الأحزاب، وهو الأمر الذي سيزيد الطين بلة، بخصوص نسبة المصداقية المتدنية، أصلا للأحزاب لدى المواطنين، وبالتالي فإن نسبة مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة قد تطرح أكثرمن علامة استفهام، خاصة وأن تقريرالمجلس الأعلى للحسابات أورد أن عشرين حزبا من الأحزاب السياسية المستفيدة من الدعم المالي العمومي لم ترجع ملياريْ سنتيم، موزعة بينها، إلى خزينة الدولة.فهل، ياسادة، يعقل أن العديد من السياسيين الذين أنفقوا أموالا طائلة من جيوبهم على حملاتهم الانتخابية، بطرق غيرمشروعة، ثم وصلوا إلى مواقع مهمة بمكاتبهم السياسية والوطنية، بحثا عن مصالحهم الذاتية، بإمكانهم “يسخاو يرجعو فلوس الدولة” ؟ فحتى مجرد التفكيرفي عملية إرجاع الدعم المالي إلى مكانه الطبيعي يبقى مسألة غيرواردة في مخيلتهم، لأن “الرواية كاملة طالعة على الفلوس والمناصب” في بلادنا العزيزة.وهذا طبعا ما يؤثرسلبا على نظرة المواطن المغربي إلى الشأن الحزبي بشكل عام، كما يكرّس لديه أفكارا مسبقة تجعله ينفرأكثر من الانخراط في الحياة السياسية، وخاصة الشباب منهم، إزاء المشاركة في الشأن العام والانخراط في الأحزاب السياسية، إذ لا تتعدّى نسبة الشباب المنخرطين في حزب سياسي نسبة 1 في المائة، حسب بحث سابق أنجزته المندوبية السامية للتخطيط. ويعلم الله هل أعادت الأحزاب الأموال التي لم تصرفها خلال حملتها الانتخابية الماضية لصناديق الدولة، كما يوجب ذلك القانون، ذلك أنّ عدم إرجاعها إلى خزينة الدولة معناه أن الأحزاب التي تشرّع القوانين ولها تمثيلية بالمؤسسات هي أول من يَخرق هذه القوانين ويُسيء إلى المؤسسات، حتى لا أقول:”حاميها حراميها”.
وهنا لابد من التساؤل لماذا الدولة لا تراقب ولا تتابع طريقة صرف الأحزاب السياسية للدعم المالي العمومي الذي تحصل عليه، منذ البداية “المش كيموت فنهارلول” حسب المثل الشعبي.وإذا تبيّن أن حزبا سياسيا صرَف الدعم الممنوح له بشكل غير قانوني، أو لمْ يصرفه أصلا، فعليه أن يُعيده إلى خزينة الدولة. وبالمناسبة، من المقبول، مثلا، رفع الدعم العمومي الذي تستفيد منه الأحزاب السياسية، شريطة ألا يظل مرتبطا بالانتخابات فقط، بل أن يُصرف في التأطير والتكوين وتنظيم الأنشطة التي تجعل المواطنين يستفيدون فكريا ويقتربون من العمل السياسي بوضوح أكثر، إذا كان هناك من عمل سياسي”نقي”.ثم لابد كذلك من التوفّرعلى “ميكانيزمات” مراقبة قوية تمنع أي تلاعبات، من جهة، وتتبع مدى احترام البرامج التي تلقت إثرها هاته الأحزاب الدعم، سواء من ناحية الأهداف أو من ناحية المستفيدين.
وآخرا، هل بات ينطبق على أحزابنا المثل الشعبي القائل:”المال السايب يعلم السرقة” ؟
محمد إمغران