1/ تحديد مفهوم التعاون من المنظور الإسلامي:
التعاون لغةً من العوْن: وهو الظَّهير على الأمر الواحد والإثنان والجمع والمؤنث سواء. يقال: أعانه على الشَّيء: أي ساعده، ويقال: استعان فلانٌ فلانًا وبه: طلب منه العون. وتعاون القوم: أعان بعضهم بعضًا، ورجل معْوانٌ: أي حَسَن المعُونة للنَّاس، أو كثيرها.
أما اصطلاحا، فالتعاون: هو المساعدة والتساعد على الحق ابتغاء الأجر من الله سبحانه وتعالى. ومعناه أن يعين الناس بعضهم بعضا على البر والتقوى و فعل الخيرات وطاعة الله وتجنب معصيته. فهو اختصارا، أن يجد الواحد منا الآخر كلما احتاجه لأي أمر من الأمور.
فالتعاون من المنظور الإسلامي هو إتيان المسلم بكل أشكال الخير المأمور بفعلها سواء لنفسه أو لغيره، والامتناع عن كل أشكال الشر المأمور بتركها لنفسه أو لغيره أيضا، تعلق ذلك بالقول أو بالعمل، تحقيقا لمجامع البر والخير وتجنبا لأصناف الإثم والذنوب والمعاصي…
2/ قيمة التعاون في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف:
ورد التعاون بمعناه الاصطلاحي في سورة جامعة من قصار سور القرآن الكريم وهي سورة “العصر” حيث يقول عز من قائل: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ العصر: الآيات 1- 3؛ وهذه السورة قال عنها الإمام الشافعي رضي الله عنه: «لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم»؛ لأنها سورة عظيمة اشتملت على معان عظيمة، مِن جملتها: التَّواصي بالحقِّ، وهو التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، وهو كل خير.
فالحق سبحانه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ المائدة: الآية 2. قال ابن كثير: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرُّ، وترك المنكرات وهو التَّقوى؛ وفي التقوى رضى الله، وفي البر رضى الخلق». وقيل: «من جمع بين رضى الله ورضى خلقه فقد تمت سعادته وعمت نعمته».
ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ…﴾ آل عمران الآية 103؛ ففي اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكَّنون مِن كلِّ أمر مِن الأمور، ويحصل لهم مِن المصالح التي تتوقَّف على الائتلاف ما لا يمكن عدُّها، مِن التَّعاون على البرِّ والتَّقوى.
ووردت هذه المعاني الجليلة في الأحاديث النبوية الشريفة يحث فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم على التعاون والتآزر للتمكن من تحقيق مطالب الحياة الدنيوية والدينية بطريقة ميسرة موفقة. ومن ذلك ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمُ أخو المسلمِ: لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرّج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة». وهذا الحديث ظاهره الإخبار، ولكن المعاني المستفادة منه كثيرة يدور معظمها حول الأمر والحث على التَّعاون مع بيان فضائله وقيمة ثوابه وجزائه.
وفي نفس السياق ورد عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «انصرْ أخاك ظالـمًا أو مظلومًا، قيل: يا رسول الله، هذا نصرته مظلومًا، فكيف ننصره ظالـمًا؟ قال: تأخذ فوق يده». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نفَّس عن مؤمن كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا نفَّس الله عنه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يوم القيامة، ومَن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدُّنْيا والآخرة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدُّنْيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
3/ من مظاهر التعاون ومزاياه بالنسبة للفرد والمجتمع:
الإنسان كائن تواصلي ولا يمكنه أن يعيش لوحده منعزلا عن باقي أفراد المجتمع. وقد جُبل على حب الأنس والحاجة إلى التعاون المتبادل بينه وبين كافة الأطراف المحيطة به. فلا يمكنه أن يواجه أعباء الحياة ومتاعبها منفردًا، وإنما طبيعته البشرية تُحْوجه إلى مَن يعاونه ويساعده. لذلك فالتَّعاون ضرورة مِن ضروريَّات الحياة، التي لا يمكن لأحد الاستغناء عنها. ويمكن أن نتخيل غياب التعاون عن حياتنا لنستنتج من ذلك مزاياه الكثيرة وأثره البليغ على الفرد والمجتمع، ومن ذلك أن:
التعاون قيمة تضمن تماسك المجتمع، وتعمل على تمتين روابطه وعلاقاته، وتساهم بشكل كبير في نشر المحبة بين أفراده… فالمجتمع الذي لايسود فيه التعاون مجتمع أناني مهدد بالفشل والتفكك، عكس المجتمع الذي يسوده التعاون، فهو مجتمع متآزر متكافل متطور مستشرف دائما لما هو أفضل بالنسبة لمستقبله.
التعاون يوفر الجهد والوقت ويحقق النجاح والارتياح والطمأنينة. فالتعاون قيمة جماعية تتحقق بها مآرب كثيرة نفسية مادية ومعنوية. وهنا تكمن الحكمة في النصوص القرآنية التي تُوجَّه في أغلبها للجماعة وليس للفرد: “يا أيها الذين آمنوا…”، “أيها الناس…”… وفي هذا دلالة عميقة على أهمية الاجتماع والتعاون والترابط والتكامل. “يد الله مع الجماعة”..
ومن تجليات التعاون في مجتمعنا ما نراه في المناسبات سواء كانت سعيدة أو حزينة. ومن المناسبات السعيدة نختار مناسبة الزواج حيث يتجلى التعاون على إقامة العرس بدءاً من جمع مصاريفه، إلى تقاسم أعباء ترتيباته وكذا مساعدة العريسين على تجهيز منزلهما بتسبيق هدايا العرس لهما بما يتلاءم مع حاجياتهما… ومن المناسبات الحزينة نختار مناسبة الجنازة حيث نعاين التعاون على تجهيز الميت وتشييعه وإقامة مأتمه وتأبينه وإعداد الطعام لأهله ومساعدتهم على تحمل مصيبة الفقد حتى تخف وطأتها.
ومن تجليات التعاون أيضا ما نجده في المناسبات الدينية كمناسبة رمضان الفضيل من حيث التعاون مع الأسر المحتاجة والطلبة المغتربين أيضا سواء تعلق الأمر بالقفة الرمضانية أو وجبة الإفطار أو المساعدات المالية. ويحضر التعاون أيضا في مناسبة عيد الأضحى المبارك خاصة مع الأرامل أمهات الأيتام الصغار على الخصوص. وهنا تجدر الإشارة والتنويه بالمجهودات التي تقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني خاصة منها الجمعيات التي تنشط في المجال الاجتماعي ومنه تقديم يد العون للمحتاجين بمختلف شرائحهم، وفي كل المناسبات.
د. لطيفة الوزاني الطيبي