كأس العالم في قطر و التنمية في شفشاون
مسار نهوض أو نجاح.. و مسار تأخر أو إخفاق..
على بعد أقل من أسبوعين من انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، أثير بحدة في دورة المجلس الإقليمي لشفشاون الأخيرة موضوع التنمية وإشكالاتها، و الإمكانيات الذاتية للإقليم و الطموحات و الفرص المتاحة، والعوائق والصعوبات و الإكراهات، لاسيما تواضع دعم الشركاء العموميين للإقليم وضعف الاستثمار العمومي في البنية التحتية به..
هذا الإقليم المحدث سنة 1975 والذي تبلغ مساحته ما يفوق ثلاثة آلاف و أربعمائة كلم2 و يصل سكانه إلى ما يقارب أربعمائة وخمسين ألف نسمة؛ كان اقتصاده لعقود يعتمد بشكل أساسي على ما كان يصطلح عليه البعض” الذهب الأخضر” أو زراعة القنب الهندي غير المشروعة والتجارة السرية في منتوجه، لكن مع تقهقر رواج هذه الزراعة والتجارة و وضع الجفاف والتضخم، تجدد السؤال القديم/الجديد الذي بقي دون جواب وهو: أي تنمية تصلح لهذا الإقليم، علما أنه إقليم صعب، معظمه جبلي التضاريس، يسجل تأخرا من حيث البنية التحتية و الاستثمارات المحركة بالمقارنة مع الأقاليم الأخرى؛ إذ رغم توجهه الجنيني إلى السياحة بمختلف أشكالها، و بشكل ضعيف إلى زراعة الأشجار المثمرة، التين و الزيتون خاصة، وبشكل أضعف إلى المنتوجات المجالية، فإن مؤهلاته الكثيرة ظلت دون استثمار ممكن لأسباب متعددة؛ منها ضعف البنية التحتية المشجعة على الاستثمار، ثم هروب “الرأسمال المحلي” إلى أقاليم أخرى خوفا، أو للابتعاد عن الأنظار، أو لتوفر فرص الاستثمار الممكنة بالنسبة لهذا الٍرأسمال، خاصة في مجال العقار والخدمات..
لن نعود إلى الماضي وكيف وقع ذلك التحول، بقدرة قادر، من الفلاحة المعاشية، بالأساس، إلى زراعة القنب الهندي بكل مخاطرها و إغراءاتها و أسرارها؛ فعفا الله عما سلف، و أما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. ما نرنو إليه هو المستقبل و أن يفيق إقليمنا، المعروف عموما ب”جبالة” أو “غمارة”…، من غفوته الطويلة و يدشن مرحلة جديدة من تاريخه.
هذه المرحلة الجديدة لا يمكن أن يكون عنوانها إلا مضاعفة رصيد الاستثمارات العمومية في البنية التحتية الأساسية لفتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة التي لم يستقطبها الإقليم لحد الآن بالشكل المرغوب الذي يمكن معه قلب الموازين والتحويل(Reconversion) في اتجاه اقتصاد مشروع له حاضر وله آفاق؛ ويفتح الطريق أمام نهوض الإقليم و تثمين موارده الطبيعية وتشغيل موارده البشرية، خاصة الشباب الذين يشكلون نسبة هامة من سكانه، و انتشالهم من مستنقع اليأس والبطالة و الضياع..
التحدي الكبير الذي عانى منه الإقليم و مازال يعاني منه هو عسر إفرازه لنخبة، بهم وطني ورؤية محلية متجذرة، قادرة على حمل مشروعه الكبير داخل الجهة و الوطن، بل إن المرحلة السابقة و سياقاتها و إكراهاتها استحال معها انبثاق هذه النخبة. الآن معادلات تلك المرحلة تكاد تغرب، غير مأسوف عليها إلى الأبد، في خضم المعادلات الجديدة غير المعروف السرعة التي ستتخذها، خاصة مع مستجد تقنين زراعة القنب الهندي و صدور قانون بهذا الشأن و إحداث وكالة وطنية لتنزيل مشروع التقنين. ولهذا فإن الوضع يقتضي تحريك كل الخيوط ومراكز القوة من أجل الترافع الجدي و الدفاع القوي عن شفشاون “جبالة” أو “غمارة” في الاستثمار العمومي للحاق بباقي الأقاليم الأخرى بالجهة بل إن تأخر الإقليم و صعوبات تضاريسه تلزم مضاعفة هذا الاستثمار و وتيرته و مدته الزمنية لتكون فعاليته و مردوديته ذات أثر واضح ، سريع، ممتد، و دائم.
قال لي محدثي: إن الإقليم على حافة الإفلاس و زادت ظروف التضخم والجفاف حالته خطورة، و أضاف قائلا: لو عدنا إلى الاقتصاد الذي يعتمد على تهريب السلع و الزراعة والتجارة اللامشروعيتن لكنا أحسن و كفى المؤمنين شر القتال. قلت له الرجوع لله يا أخي؛ لقد استفاد من استفاد ولكن ها أنت ترى نتيجة مسار الوهم والغبار!!!، و أردفت زيادة في التوضيح: ماذا استفاد الإقليم منذ نهاية السبعيات…؟ !. هذه المرحلة الماضية، بكل ما لها وما عليها، علينا طيها و الانتقال إلى ما يفيد. هنا عرجت، للاستفزاز، على موضوع قرب بداية بطولة كأس العالم التي ستنظم لأول مرة في بلد عربي هو قطر أو شبه جزيرة قطر الخليجية.
قلت له بعد هذه المقدمة: هل تعرف قصة نجاح هذا البلد المستقل في مطلع السبعينات؛ و الذي تتجاوز مساحته بقليل إحدى عشر ألف وخمسمائة كلم2، و لا يتجاوز سكانه ثلاثة ملايين نسمة؛ فيهم م يقارب أربعمائة ألف من السكان الأصليين. إن هذا البلد الصغير يشبه الآن الأرض المعجزة التي يخطب الكل ودها، فمعظم العالم يتحدث عن قطر و عن إنجازاتها و استثماراتها الهائلة في الداخل والخارج و إشعاعها غير المحدود في المنتديات العظمى، و يكفي أن تكون قناتي “الجزيرة” و “بي إن سبورت”( اختلفنا أو اتفقنا مع توجهما و أدائهما…) الواسعتي الانتشار عالميا من بين تجليات نجاح هذا الاستثمار والإشعاع..
قد يرد البعض، كما رد محدثي، على قصة نجاح قطر بكونها تأتت بفضل ثروة الغاز و ما أدراك ما الغاز… ولو!!! ، لكن كم من مناطق في العالم تتوفر على ثروات طبيعية و لم تحقق نجاحا ولا تعرف كيف تدبر ما لديها و تستثمره في الاتجاه الصحيح، و إقليمنا و احد من هذه المناطق، حيث ثرواته الطبيعية استنزفت و ثرواته البشرية أنهكت، والملايير التي جنيت من الزراعة والتجارة غير المشروعتين لم تشجع الناس حتى على تبليط الطرقات بمداشرهم وترصيف جنبات الطرق، و إحداث شبكات منظمة للمياه، و تجهيز الكتاتيب بما يليق و بناء مدارس و ملاعب و رياض للأطفال، و إحداث شبكات للتطهير السائل و مطارح للتطهير الصلب…، كل ما بني هو أحيانا منازل فخمة محاطة بالوحل بجانبها مستودعات فوضوية للسيارات، وعلى الطرق محطات للبنزين و مقاهي و مطاعم تتناسل كالفطر… وهو ما يعكس نموذجا للاستثمار يكاد يستنفذ وظيفته الاستهلاكية…
في قطر سيجتمع، غدا، العالم لمدة شهر تقريبا احتفالا بكرة القدم الساحرة، و تلبية لدعوة من بقعة حية في شبه الجزيرة العربية أو صحراء العرب، سيلمس الزوار، بدون شك، شجاعة هذا البلد و ذكاء و إرادة رجاله ونسائه. أما نحن فسيبقى حلمنا أن يجتمع العالم في يوم من الأيام بإقليم شفشاون احتفالا بالسياحية الإيكولوجية أو الفلاحة البيولوجية أو الغابات ذات الميزة أو الشواطئ المدهشة أو المناظر الطبيعية الرائعة…كل شيء يهون إذا تسلحنا بصبر و مثابرة و حكمة الأجداد، و إذا عرفنا كيف نتكيف و نكيف مواردنا الكثيرة بذكاء مع عصرنا. لا يعني أننا لكي ننطلق من الضروري أن تكون لدينا ثروات قطر و مليارات قطر، و إنما فقط -أو على الأقل- أن تكون لدينا روح قطر و بصيرة قطر. ما نتمناه هو نجاح قطر في تحديها الشجاع و أن يسري درس قطر فينا من المحيط إلى الخليج و إن عبر نماذج متنوعة تحملها رؤى مختلفة تجدد غنى التاريخ في هذا العالم العربي – بمناطقه المختلفة- الذي أخطأ الطريق و خيم عليه هدر الموارد والوقت واستفحل به الضعف و الحيف و الوهن حتى تكالب عليه الآخرون…
هذا و نتمنى رحلة ممتعة إلى قطر لمن يعشقون سحر كرة القدم، و حظا موفقا لمنتخبنا الوطني بين أحضان هذا البلد العربي، كما نتمنى بهذه المناسبة توفيقا لإقليمنا شفشاون في بحثه الجاد والحثيث عن الشراكات و الموارد العمومية على طريق التحول ، الذي لا مفر منه، في أفق التنمية المستدامة المنشودة.
عبدالحي مفتاح