خصصت مجلة “تدغين” مضامين عددها الخامس، الصادر سنة 2016، لمقاربة قضايا السكن والتراث المعماري لقبائل صنهاجة سراير، في محاولة لتعزيز المسار التنقيبي الذي رسخته المجلة منذ صدور أولى أعدادها، كدورية متخصصة في الأبحاث الأمازيغية والتنمية. ويمكن القول، إن المجلة استطاعت تحقيق تراكم هام على امتداد أعدادها الخمسة الأولى، ليس –فقط- بالنظر لحصيلة التراكم الكمي، ولكن –أساسا- لدورها في إماطة اللثام عن جزء كبير من خبايا ذاكرة قبائل صنهاجة سراير المستقرة في قلب جبال الريف الأوسط. وعلى الرغم من كل الإكراهات التي اكتنفت مخاضات التأسيس وشروط الاستمرارية، فقد استطاعت المجلة ترسيخ صوتها، باعتبارها أول منبر علمي متخصص في قضايا تاريخ صنهاجة سراير وتحولاتها المجالية والتنموية الراهنة. ولقد نجحت الكلمة التقديمية للعدد الخامس في اختزال هذه الميزة، عندما قالت: “بخروج هذا العدد إلى الوجود بحر هذه السنة (2016)، تكون مجلة “تدغين للأبحاث الأمازيغية والتنمية” الصادرة من هامش الهامش، ومن عمق الريف المنسي، قد استكملت إصدار خمسة أعداد قيمة بدون توقف، منذ صدور عددها الأول سنة 2012، بمعدل عدد واحد في السنة وفق الإمكانيات المادية المتاحة، واضعين نصب أعيننا مضمون المقولتين المعروفتين: اشعل شمعة بدلا من أن تلعن الظلام، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. أعداد حاولنا من خلال الملفات المتناولة عبر ثناياها، مقاربة واقع قبائل صنهاجة سراير في شتى تجلياته، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية والسياسية، رغبة منا في توثيق ذاكرة هاته القبائل، ورصد مختلف التطورات الحاصلة في مجالها الجغرافي الشاسع، ومحاولة انتشال “كنوزها الخفية” من سراديب النسيان، وإخراجها بالقوة والفعل من الظلمات إلى الأنوار، وهذا لن يتأتى لنا دون توحيد جهود خيرة من الأطر العلمية والكفاءات الشابة، من متخصصين وأساتذة باحثين ومهتمين ينتمون لمختلف ربوع الوطن…” (ص. 3).
تشمل مضامين ملف العدد الخامس دراسة لعبد الله إكلا حول الثقافة اللامادية بمنطقة صنهاجة سراير وسبل إدماجها في التنمية، وأخرى لجمال أبرنوص في شكل نبش تنقيبي حول “هنات التوثيق الاستمزاغي لمأثور الريف وصنهاجة سراير: مدونات أ.رينيزيو نموذجا”. أما أحمد الشعرة، فقد ساهم بدراسة حول دور العامل التاريخي في تنمية منطقة صنهاجة سراير، وتوقف ياسين خشاني عند واقع التجهيزات والخدمات الاجتماعية بجماعة بني نصار. واهتم عبد السلام بوهلال برصد التحولات الحديثة للسكن القروي بالريف الأوسط من خلال نماذج منتقاة من بيئة صنهاجة سراير. وتناول محمد بنحيا، في دراسته، قضايا السكن والتراث المعماري بصنهاجة سراير من خلال نموذج قبيلة أيت أحمد، في حين توقفت دراسة سناء الساطبي عند خصوصيات المساكن والدور التقليدية في الريف الأوسط. أما الدراسة المدرجة باللغة الفرنسية، فقد شملت مساهمة امحمد بوداح حول تطور السكن القروي ومآله الراهن بمنطقة الريف الأوسط من خلال نموذج صنهاجة سراير، في حين اهتمت دراسة شريف أدرداك بتقديم نبش تشخيصي لتطور التنظيم الترابي لمنطقة صنهاجة سراير خلال الفترة الممتدة إلى نهاية عهد الاستعمار سنة 1956. وإلى جانب القسمين العربي والفرنسي، نشرت المجلة نصين شعريين كتبا بحروف تيفيناغ، كتجسيد لرغبة الساهرين على هذا المنبر في الانفتاح على الكتابة بالأمازيغية وعلى إدماج حرف تيفيناغ في منظومة تلقي سوق النشر والإبداع ببلادنا.
وبذلك، عززت دورية “تدغين” حضورها الإعلامي التخصصي، باعتبارها الإصدار الوحيد المتخصص في تحولات واقع قبائل صنهاجة سراير ومآلها الراهن. ولا شك أن هذا الجهد المتميز سيساهم في فك العزلة عن “هامش الهامش”، عبر إعادة تصحيح العلاقات القائمة/والمفترضة، مع المركز أولا، ثم مع “الجار” –ثانيا- الذي يتقاسم معه الانتماء لمنطقة الريف التاريخي.
أسامة الزكاري