صدر لباحث جزائري يحمل صفة “دكتور”، اسمه مقلاتي عبد الله، كتاب يحمل عنوان “المرجع في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر (الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا)، وذلك سنة 2013، في ما مجموعه 231 من الصفحات، منشورات “ديوان المطبوعات الجزائرية”.
لا أريد الخوض في مناقشة المضامين، ولا في إبداء الرأي حول الأحكام العامة المتعلقة بالمغرب كتاريخ وكشعب وكحضارة، ولا أريد -كذلك- تقديم استقراء نقدي لنمط التدوين والكتابة المعتمدة. فالكتاب لا يستحق ذلك، إذ لا يحمل ولو أدنى احترام لأبجديات النبش الأكاديمي المتعارف عليها عالميا داخل مجال صنعة كتابة التاريخ. في المقابل، أود الإشارة إلى الإطار العام الموجه لسلسلة الأخطاء الكارثية التي احتواها الكتاب. تتوزع الملاحظات المرتبطة بهذا الموضوع، بعد الاطلاع على مضامين الكتاب، على الشكل التالي:
1ـ بدا واضحا أن المؤلف أنجز “عمله” تحت ضغط تفاعله مع ظروف تصاعد الحملات التشهيرية ضد المغرب، سواء داخل ضفاف قنوات التواصل الاجتماعي، أم على مستوى وسائل الإعلام الرسمية والمنابر المسماة جامعية. لذلك، انطلق في حديثه عن تاريخ المغرب من يقينيات قطعية ومبتذلة ارتبطت بعمل أجهزة المخابرات الجزائرية على امتداد فترة زمنية طويلة تتجاوز الأربعة عقود.
2ـ لم يعتمد الكتاب على أي أرصدة بيبليوغرافية، محلية أو دولية، بل اكتفى بالإشارة السريعة إلى كتابات عامة، موجهة، صدرت في الغالب بالجزائر، في سعيه لتبرير أحكامه ويقينياته. وعندما كان يشير إلى بعض المصادر أو المراجع المغربية، على قلتها، كان يتورط في انتقاء أفضل “ما يريد” وأحسن “ما يخدم” مسلماته.
3ـ تغيب الوثائق الدفينة -كليا- من بين ثنايا متن الكتاب، مما جعل المتن يكتسي صبغة حكواتية تذكرنا بحكايات الجدات وبأساطير المخيال الشعبي.
4ـ يبدو أن المؤلف لم ينفتح على نتائج الطفرات الهائلة التي عرفها/ويعرفها مجال كتابة التاريخ، ليس -فقط- في الجامعة المغربية، ولكن -كذلك- على الصعيد العالمي. لذلك، وجدناه ينحو نحو إسقاط يقينياته الجاهزة المرتبطة بتدافع القضايا الخلافية الراهنة بين المغرب والجزائر، ليقول “أي كلام” خارج كل الضوابط العلمية، وبعيدا عن الصرامة المنهجية التي من المفروض أن تضفي على البحث مصداقيته.
5ـ نتيجة للملاحظة السابقة، تحولت قضايا المغرب إلى أحكام مستنسخة، سريعة، تنميطية، تحسن ترديد صيحات أجواء التجييش العاطفي الذي تحفل به الساحة الإعلامية الجزائرية الراهنة، في ظل تفاعل ارتدادات قرار 24 غشت 2021، القاضي بقطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب والجزائر، بما تناسل عن ذلك من ارتدادات ما فتئت تتفاعل بشكل مسترسل.
6ـ تحولت مضامين الكتاب إلى كليشيهات تعيد ترديد صدى الهستيريا الإعلامية الرسمية بالقطر الجزائري. وعندما كانت تنعدم الحجة أو الدليل لدى المؤلف، لم يكن صاحب الكتاب يجد حرجا في اختلاق الأساطير المؤسسة للموقف الرسمي حول القضايا الخلافية بين المغرب والجزائر، مثل مشاكل الحدود أو قضية الصحراء المغربية…
7ـ ولأن قضية الصحراء المغربية تظل في صلب هواجس دوائر صنع القرار بالجزائر، كان لابد من التحايل على التاريخ لتبرير المواقف، عبر آليات بئيسة لا تصمد أمام قوة الأدوات النقدية، مثل إرفاق خريطة مبتورة لدولة المغرب في واجهة الكتاب، وإسقاط اسم دولة موريتانيا من عنوان الكتاب ثم إلحاق فصل خاص بهذه الدولة خارج السياق وخارج منطق السرد الذي اعتمده المؤلف نفسه.
8ـ بخصوص الأخطاء المرتبطة بضبط الأعلام البشرية والجغرافية الخاصة ببلاد المغرب، فقد جاءت كثيفة بشكل مثير مما لا يمكن اختزال تفاصيله في هذه العجالة. أما بالنسبة للأخطاء المنهجية والمدرسية المرتبطة بعمليات التقصي وجمع المادة المصدرية والوثائقية وتصنيفها وتقييمها ونقدها واستثمار خلاصاتها، فلا يبدو أن المؤلف قد أعطاها ما تستحقه من اهتمام ومن حرص علمي على التدقيق في تفاصيلها وعلى تفكيك جزئيات. من جهة أخرى، وعلى مستوى شكل تقديم المتن، تظل مسألة الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية مثيرة لعلامات استفهام كبرى حول قيمة العمل وحول حقيقة الوضع الاعتباري لصاحبه.
9ـ نود أن نهمس في أذن صاحب الكتاب قائلين إن التاريخ علم له قواعده وله أصوله وله ضوابطه، وهي القواعد والأصول والضوابط التي ارتقت به من مصاف العلوم الإنسانية إلى مصاف العلوم الحقة. وعلى أساس ذلك، لا يصح إلا الصحيح. أما الفقاقيع، فمآلها الزوال والاندثار. لذلك، لن نكلف أنفسنا عناء الرد على المضامين
ولا مشاق تفنيد الافتراءات. فهي لا تستحق ذلك.
10ـ إذا كانت النخب الجامعية بالجزائر الشقيقة، تنتج مثل هذه الأعمال بهذه المنطلقات الوظيفية الفاقعة، فتلك كارثة عظمى بالنسبة للبلد الجار قبل سواه. فالأمر انتقل إلى مستوى من التردي والانحطاط بشكل غير مسبوق، يؤدي إلى فتح الباب أمام موجة السقوط الشامل الذي ينبئ بالكارثة.
11ـ أخيرا وليس آخرا، نحمد الله على وجود نخبة جزائرية انتبهت لحالة التردي التي أضحت تعكسها مثل الإصدارات موضوع هذا التعليق. ونحمد الله على أن الحكماء بهذا البلد الشقيق، لازالوا يصنعون عناصر الأمل ويزرعون بذرة الحلم المغاربي، بعيدا عن أحقاد المرحلة وعن تدافع كتل التشفي والانتقام والانخراط الجماعي في إنتاج قارة الحقد المزمن ضد المغرب تاريخا وشعبا ودولة وأفقا.
أسامة الزكاري