بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سلام الله عليكم أهل الوفاء لروح أستاذنا السيد أحمد المرابط طيب الله ثراه.
وخالص الشكر للأستاذ الشهم السيد عبد السلام عزوز الذي تفضل بدعوتي للمشاركة في هذه المناسبة التي أرى فيها تجسيدا حيا لإخلاص الوفاء لرجل أخلص للقيم السامية التي تربى عليها، وظل وفيا للمبادئ التي آمن بها دائم الانتصار لكرامة الإنسان.
ولأن زمن التأبين صنو زمن العيادة فسأبدأ ببيت الشاعر ابن الخطيب:
يمضي الزمان وكل فان ذاهب
إلا جميل الذكر فهو الباقي
أجل؛ سيبقى ذكر أستاذنا المناضل أحمد المرابط حاضرا بصدقه وإخلاصه وثباته.
ففي منتصف سبعينيات القرن المنصرم دخل فصلنا في ثانوية القاضي عياض بمدينة تطوان بطلعته الوسيمة المهيبة تتوقد فيهما عينان نفاذتان تشعان حيوية وتفاؤلا.
عرفنا عنه دراسته بأرض الكنانة، وقربه من المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي.
ثم عرفناه مهموما بكفاح الشعب الفلسطيني، مسكونا بمساندة قضيته قولا وفعلا.
ركبنا رفقته فلك درس الفلسفة، فمخر بنا عباب عوالم التفكير والتأمل، وقلب معنا صفحات أسفار أعلام فلاسفة الإغريق والغرب والمسلمين، وأدخلنا أروقة علمي الاجتماع والنفس.
كان مؤثرا في تدريسه طريقة المحاضرة فرفع بها عنا عنت الإملاء، والملخصات المبتسرة، داعيا إيانا في الوقت ذاته إلى البحث الدؤوب في المصادر والمراجع عما يشبع نهمنا المعرفي ويجيب عن أسئلة مرحلة بداية تفتق الأفكار وتشكل الرؤى.
ثم فتح لنا بعدها مجال إلقاء العروض ومناقشتها وأهواؤنا يومئذ متباينة، وأفكارنا جنينية، فرسم لنا بذلك معالم طريق الرأي والرأي الآخر، ومقارعة الحجة بالحجة، والمجادلة بالتي هي أحسن.
ظل حاضرا في ذاكرتي، ثاويا في وجداني حتى إذا أصدرت كتاب “محمد بن عبد الكريم الخطابي في رحاب الشعر” أهديته نسخة منه، فما لبث أن بادر بدعوتي للمشاركة في ندوة “المقاومة وجيش التحرير” التي نظمتها “جمعية ذاكرة الريف” بالحسيمة في متم شهر ماي عام 2008م.
واعتزازا بمكانته التعليمية والتربوية أجريت معه حوارا ضمن سلسلة حوارات مع نخبة تربوية تطوانية نشرت بعنوان “مرفأ الذاكرة” في جريدة “تمودة” ثم في جريدة “الشمال”.
كما كان حاضرا ضمن سلسلة “أفنان من دوحة ثانوية القاضي عياض” التي نشرت حلقاتها في صحيفة “الشمال” أيضا.
وتقديرا لمسيرته النضالية كان لي معه حوار طويل جرى على فترات، فتح فيه مكنون صدره لأسئلة همت مختلف المواقع والمواقف التي عاشها طالبا، وأستاذا، ومناضلا، وفاعلا جمعويا. فجاء الحوار بمثابة شهادة أمينة على عصره؛ شهادة أصدق وأنبل من عرفت من أساتذتي دينا، وأدبا، ونفسا، وعقلا، وخلقا، وعملا، وإخلاصا.
وبعد؛
فهذه نغبة من بحر الأستاذ المناضل أحمد المرابط صاحب النفس الأبية، العصية على الضيم والدنية، التي يصدق فيها وعليها قول الشاعر أبي الطيب المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
قضى عمره المديد رحمه الله مرابطا برباطة جأش في نصرة القضايا العادلة دون أن يغره كيد الغرور، ورحل من المكان الفاني إلى المكان الباقي بزاد الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، مترفعا عن مغريات دنيا متاع الغرور.
فاللهم ألحقنا به على صراط الحق؛
صراط الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.