وإذا كان قد حدث بعض التعجل في وقت الإعلان عن توحيد الحزبين وقبل أن تتم تفاصيل إبرام ذلك من الناحية الشكلية فذلك راجع إلى كون الأستاذ الحاج أحمد بلا فريج بوصفه الأمين العام لحزب الاستقلال آنذاك قد استعجل الأمر وأبلغ الخبر لبعض مراسلي وكالات الأنباء الذين بدورهم قاموا بإذاعة الخبر وتوزيعه بينما كانت هيئة الحزب بتطوان تقوم بدراسة الشكليات.
علما أنه ما كان معهود عن حزب الإصلاح أنه لا تهمه الغاية من كل عمل وكانت الشكليات عنده أمرا ثانويا فقد اضطر لتأكيد الخبر. وفي تلك الأثناء تم وصول الزعيم الأستاذ علال الفاسي لطنجة فأصدر بلاغا مشتركا عن الحزبين.
وهذا هو البلاغ:
« بعد المذكرات التي جرت في المدة الأخيرة بين اللجنة المركزية لحزب الإصلاح الوطني وبين اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والتي استعرضت فيها التطورات التي طرأت على سير القضية المغربية اتفق الكل على ضرورة توحيد جهود جميع المواطنين لجعل استقلال المغرب حقيقة واقعة وتوطيد دعائم الوحدة الترابية للبلاد في ظل صاحب الجلالة سيدي محمد الخامس نصره الله، وبناء على ما بين الحزبين من تاريخ مشترك في الكفاح الوطني وبعد استشارة المسؤولين في الحزبين قرر أن يندمجا في بعضهما ويصبحا حزبا واحدا يحمل اسم « حزب الاستقلال».
طنجة يوم الأحد 05 شعبان 1375 الموافق لــ 18 مارس 1956م.»
وبذلك عادت الحركتان اللتان كانتا تعملان تحت اسمين مختلفين، متوحدتين تحت اسم واحد لاستئناف السير حسب برنامجهما الذي كان منذ البداية برنامجا واحدا سواء من ناحية الهدف والغاية أو من ناحية الشكل والوسيلة.
حظى الأستاذ الطريس بالقبول والاحترام والتقدير من طرف النخبة المثقفة والسياسة المغربية والاسبانية، وكذلك من طرف الطبقة الشعبية بمنطقة الشمال بصفة خاصة.
كما كانت له القدرة الهائلة في التفاوض مع سلطات الحماية، وتدبيره للتحولات السياسية التي شهدها النظام السياسي الاسباني مع استغلاله هذه الظروف لما فيه تحقيق المصالح الحيوية ببلادنا في تحقيق التنمية وتوسيع هامش حرية التعبير والممارسة السياسية وإدخال بعض الاصلاحات والحصول على تحقيق بعض المطالب المشروعة للشعب في هذه الربوع.
شخصية الأستاذ عبد الخالق الطريس:
أما الأستاذ عبد الخالق الطريس كشخصية فقد عرف بين رفاق دربه النضالي بدماثة الأخلاق، إذ كان سموحا، عطوفا، متواضعا، كريما، مرحا بشوشا، متسامحا مع الكل، يحب مداعبة الأطفال، وهذا يجرني إلى الحديث عن علاقته بي في صغري أثناء تواجده بمدينة الرباط سنوات قلائل قبل وفاته رحمه الله، حيث كان يتردد على منزلنا للقاء بجدي الأستاذ محمد الخطيب رحمه الله الذي كانت تربطه به علاقة أخوية كبيرة، فكان دائما يجلب لي معه هدايا ولعب، وكان ذلك له وقع كبير في نفسي، فكنت أحس بفرحة عارمة تغمر قلبي لم أنساها قط، كما كان يداعبني ويلاعبني كواحد من أحفاده.
وداخل بيته كان أبا عطوفا، يسمح لهم باتخاذ القرارات بحرية ومسؤولية مع توجيههم دون فرض أي سيطرة عليهم، فكان دائما متفهما لمشاكلهم ومحاولا إرضاءَهم على قدر المستطاع داخل حدود التربية الدينية المستقيمة.
وكان طباخا ماهرا ومتذوقا للعديد من الوصفات، كما كان ولوعا بالفن والفنون خاصة الموسيقى الشرقية، حيث كان يحب أغاني كوكبة الشرق المرحومة أم كلثوم وكان يحفظ أغانيها عن ظهر قلب ويرددها باستمرار، كما كان يحب الطرب الأندلسي مثله مثل جل أهل تطوان، فكان يقيم ليالي الطرب الأندلسي، في بيته باستمرار، وكان شاعرا يحب الشعر والأدب، ومسرحيا فذا ألف مسرحية «انتصار الحق بالباطل» وكانت له خزانة قيمة وذات أهمية كبيرة تتضمن أكثر من 10 آلاف كتاب متنوع، قدمت هبة للمعهد الحر أثناء حياته.
وفي ديسمبر 1960م أعلن تأسيس جمعية قدماء المعهد الحر، وكان رئيسا لها إلى أن وافته المنية، وبعد وفاته تقلد منصب الرئاسة المرحوم الأستاذ أحمد بنجلون حتى وفاته ثم الأستاذ رضا راغون أطال الله في عمره والذي مازال رئيسا لها إلى الآن.
وأضحت المكتبة مستقلة عن المعهد الحر وتابعة لجمعية قدماء المعهد الحر، كما أصبحت تضم أكثر من 30 ألف كتاب وجرائد ومنشورات وأعداد جريدة العلم على مضي 20 سنة ووثائق صدرت من طرف الخزانة الملكية ووزارة الأوقاف.
وتتكون هذه الجمعية من 3 مكونات:
- المعهد الحر.
- مكتبة الأستاذ عبد الخالق الطريس.
- المدرسة الأهلية للتعليم الأولي.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة فيها مجانية إلى الآن وذلك في إطار اتفاقية الشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتعليم بتطوان وذلك منذ سنة 2012.
توفي الزعيم الأستاذ عبد الخالق الطريس يوم 26 ماي 1970 بمدينة طنجة ودفن بمقبرة سيدي المنظري بتطوان رحم الله الزعيم الأستاذ عبد الخالق الطريس زعيم الوحدة ورائد الدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية مع كل رجالات وطننا الأفذاذ الذين وهبوا حياتهم من أجل أن نعيش جميعا مواطنين أحرار في وطن حر. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.