بسم الله الرحمن الرحيم
لي عظيم الشرف أن أشارك معكم في هذا اللقاء ولا سيما أنه يتعلق بذاكرة الرواد ومسار لزعيم الوحدة الزعيم عبد الخالق الطريس، كما أننا وما زلنا دائما في شوق كبير لمثل هذه اللقاءات للتعريف بزعمائنا الأفذاذ وخصوصا للجيل الصاعد والذين لم يكونوا قد عاشوا تلك الفترة.
وسوف أتطرق في مداخلتي حول مسار الزعيم عبد الخالق الطريس وخصوصا في بدايته، والكل يعرف الزعيم عبد الخالق الطريس كمجاهد ومناضل ورجل دولة حقيقي، وزعيم وطني وكاتب وشاعر ومسرحي وكذالك متذوق جيد للموسيقى وهذه لا يعرفها الجميع.
إذن سأبدئ مداخلتي حول نشأته وسيرته:
ولد عبد الخالق الطريس سنة 1910 م قبل الحماية التي فرضت على المغرب بسنتين، وعائلة الطريس عائلة أندلسية استقرت بتطوان بعد طرد الموريسكيين سنة 1492 م، كان جده المرحوم محمد الطريس وزيرا للشؤون الخارجية المغربية، مستقرا بمدينة طنجة بدار النيابة، حيث المقرات الدبلوماسية للقناصل الأوروبيين والأمريكيين، وكان نائبا للسلطان بطنجة ومفاوضا في مؤتمر الجزيرة الخضراء تربى عبد الخالق الطريس بعد وفاة والده وهو صغير السن بين أحضان جده من الأم الفقيه محمد السلاوي.
بعد ذلك التحق بالمدرسة الأهلية سنة 1925 م (وهذه المدرسة أسسها ثلة من رجال الحركة الوطنية وعلى رأسهم الحاج عبد السلام بنونة والحاج امحمد بنونة والفقيه محمد داود وغيرهم) التحق بها ضمن زمرة من تلاميذ المدينة وأعيانها ، وبما أنه نشأ على التربية الدينية وعلوم الفقه واللغة التي أخذها على شيوخ المدينة ، التحق بع ذالك بجامع القرويين بفاس ، حيث قضى بها سنتين ، ثم بعد ذلك سافر إلى مصر ودرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاهرة ، ومن ثم إلى باريس بجامعة السوربون لأخد مناهل العرفان، والآداب الغربي، و والثقافة الحديثة. وفي كل هذه المراحل كان نبوغ الزعيم عبد الخالق الطريس الأدبي واضحا وجليا وذلك من خلال كتاباته في صحف الشرق العربي، كما كان فصيح اللسان ويتجلى ذلك في تمكنه في الخطابة وهذا ما جعل رجال الحركة الوطنية كبارا وصغارا يقدمونه كزعيم سياسي لا يضاهى. وهذا ما تجلى بالخصوص بعد أن ألقى كلمة ملتهبة في تطوان بحضور أمير البيان شكيب أرسلان رحمه الله حينما زار تطوان في سنة 1930 م بدعوة من أب الحركة الوطنية الحاج عبد السلام بنونة رحمه الله.
وفي سنة 1932 م أسس جمعية الطالب المغربية.
وفي سنة 1934 م أصدر الطريس جريدة الحياة، وهي أول جريدة وطنية عربية بالمغرب، فكانت سلاحا ثقافيا وسياسيا كبيرا لمواجهة الاستعمار بنشر التوعية.
وفي سنة 1935 م قام الأستاذ عبد الخالق الطريس بتأسيس أول معهد للتعليم بالشمال: “المعهد الحر” الذي مازال يواصل رسالته إلى الآن. وكان هذا التأسيس ردا على الحماية الإسبانية عندما أهملت قضية التعليم التي كانت هي الأساس في عقد الحماية.
كما ساهم كذلك في تأسيس جمعية الدفاع عن القضية المغربية بالقاهرة، وكذا جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بباريس.
وقد مكنته مميزاته الأخلاقية وملكاته الفكرية إضافة إلى إتقانه للغة الإسبانية والفرنسية في ربط علاقات واسعة مع رجالات الفكر التحرري داخل الوطن وخارجه، وخاصة بالعالم العربي والإسلامي، وفي مقدمتهم الأمير شكيب أرسلان والذي كان اللقاء به في العاصمة السويسرية آنذاك، كما قابل عددا مهما من رجالات الفكر والسياسة في كل من إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولاندا وألمانيا وإنجلترا.
أما في الجزائر فقد حضر أشغال المؤتمر الثاني لجمعية طلبة شمال إفريقيا وانتخب فيه رئيسا للجنة تعليم اللغة العربية، وفي مصر، حضر المؤتمر البرلماني للدفاع عن القضية الفلسطينية سنة 1938 م، وساهم في تحرير الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وفي سنة 1955 م انتقل إلى مدينة طنجة بسبب الضغوطات التي كانت تمارسها السلطات الإسبانية عليه لفصل المنطقة الشمالية عن الجنوب، وتأسيس دولة مستقلة مع تنصيب مولاي الحسن بن المهدي سلطانا مستقلا عن الدولة المغربية، فرفض رفضا تاما هذا المشروع الاستعماري الهادف إلى تفتيت الوحدة الوطنية.
وتقلد الزعيم عبد الخالق الطريس في سنة 1954 م أي أثناء نفي جلالة الملك محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة مهام مديرية الأحباس بالشمال، وبعدها كلفه المغفور له جلالة الملك محمد الخامس بتسليم السلط من إدارة الحماية الاسبانية بعد الاستقلال. ومباشرة بعد ذلك عين كأول سفير للمملكة المغربية لدى الديار الاسبانية بمدريد ثم سفيرا بالديار المصرية مرتين. وفي سنة 1960 وزيرا للعدل، وفي سنة 1963 انتخب عضوا في أول مجلس النواب حيث ترأس الفريق الاستقلالي آنذاك.
(يتبع)