ظل القاعد الماشي مشدودا لحديثهما الماتع عن التصوف والتفلسف وهما جالسان فوق ربوة تجاور زاوية يؤمها الناس من كل فج عميق..
قال الأول :
هل تعلم انه اذا كان التصوف يقوم على الذكر فإن التفلسف يقوم على الفكر ؟
فرد الثاني :
وهل تصح فلسفة من دون ذكر ؟
قال الأول:
واقع الحال لا يستقيم بإقامة مقابلة مصطنعة ؛ فمنذ أن كان الكون.. كان في كل مرتبة نقيضها ، وعلى هذا الأساس تبطل إقامة التعارض بين طرفي هذه المعادلة ؛ ففي التصوف بعض من التفلسف ، وفي هذا بعض من ذاك ، وفي هذا السياق الدلالي يقال : التصوف الفلسفي والفلسفة الصوفية ، فانظر تجد
قال الأول:
في القاعدة التاسعة والخمسين من كتاب القواعد ، قال زروق :
” تعدد الحسن يقضي بتعدد وجوه الاستحسان ، وحصول الحسن لكل مستحسن.. ومن ثم كان لكل فريق طريق ؛ فللعامي تشوف حوته كتب المحاسبي .. وللفقيه تصوف رامه ابن الحاج في مدخله ، وللمحدث تشوف حام حوله ابن العربي في سراجه ، وللعابد تشوف دار عليه الغزالي في منهاجه ، وللمتريض تصوف نبه عليه القشيري في رسالته ، وللناسك تصوف حواه القوت والاحياء ، وللحكيم تصوف أدخله الحاتمي في كتبه ، وللمنطقي تصوف نحا إليه ابن سبعين في مؤلفاته .. وللأصولي تصوف قام الشاذلي بتحقيقه ..فليعتبر كل باصله من محله..”
فرد الثاني :
تأسيسا على هذا يبقى البحث إذن في موضوع التقابل التفلسف والتصوف أمرا مصطنعا ملفقا ؛ إذ الأصل أن كل واحد منهما فيه من الآخر؛ فجاز القول : كل شيء في كل شيء ؛ وهذا من باب الاتساع أو الوسع الرباني..
عبد اللطيف شهبون