لا يمكن للدولة بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة وبإمكانياتها مهما كانت تحمل الآثار السلبية، بل والخطيرة لتفشي فيروس”كوفيد19″ وتأثيره الكبير على الحياة الصحية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وللبلاد على السواء.ولهذا السبب حاولت الدولة العمل على التخفيف من الحجر الصحي، لكي تتحرك عجلة الاقتصاد ويعود الانتعاش، شيئا فشيئا، إلى النفوس المحبطة والمقهورة، جراء ما خلفه الفيروس من كساد التجارة واختناق”شرايين” العمل والشغل في كثير من القطاعات والمجالات، لكن شريطة الالتزام بالتدابير الاحترازية، لأن الوباء لم يذهب بعد، وهو الأمر الذي لم يلتزم به المواطنون الذين اندفعوا إلى الشوارع، دون وضع كماماتهم أوترك مسافة الأمان أو تعقيم أكفهم، بين الفينة والأخرى….ومن هنا بات موضوع ما يعرف ب:” المسؤولية الفردية” للمواطن يطرح نفسه بإلحاح في ظل استمرار الوباء وارتفاع أرقام الإصابات، بشكل مخيف، حسب الجهات الرسمية المختصة. فهل تحمل المواطن مسؤوليته، باحترام التدابير الاحترازية التي من شأنها أن تجنبه الأسوأ، سواء بالنسبة إليه أو إلى أفراد أسرته أو إلى محيطه المجتمعي ؟ ذلك أن المسؤولية الفردية يراد بها القول ما يسأل عنه ويحاسب عليه الفرد. وبمعنى آخر تعني المسؤولية عن النفس وعن الغير، فالفرد بقدر ما هو مسؤول عن أموره بقدرم ا ما هو مسؤول عن أمور غيره من الأفراد. والدين الإسلامي كثيرا ما حث الفرد على تحمل مسؤوليته، تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، فالإخلال بالمسؤولية الفردية هو في حد ذاته إذاية للآخر واعتداء على صحته وراحته وحياته…
نعم، في ظل استمرار الوباء، يبرز الحديث، هذه الأيام، عن هذه المسؤولية الفردية في التعاطي مع الفيروس الوبائي، المنتشر حاليا، بالمغرب وفي العالم أجمع.طبعا، وهذه المسؤولية تتداخل فيها عدة جوانب، منها الجانب القانوني والأخلاقي والاجتماعي والجماعي..وبعبارة أخرى، فعندما يفتقد وعي المواطن، فإن هذه الجوانب من المسؤولية يضرب بها عرض الحائط،، وهوما نلاحظه في استخفاف العديد من المواطنين بالتدابير الاحترازية للوقاية من تفشي فيروس “كورونا” وبالتالي ارتفاع عدد المصابين بالفيروس، يوما عن يوم.وأما استخفافهم أو عدم تحملهم للمسؤولية الفردية، فقد يرجع بالأساس إلى ضعف وازعهم الديني أو إصابتهم بالخمول والكسل أو إلى نوع التربية التي تلقوها، منذ نشأتهم، فضلا عن نزوعهم إلى الاتكالية على الآخر في تدبير شؤونهم، مع انتقاده ومؤاخذته على أفعاله وأعماله، دون أن يفعلوا شيئا من جانبهم.لذا من الضروري تطوير وعي الفرد تجاه دوره ومسؤوليته نحو مجتمعه والتعامل مع القضايا الطارئة فيه و حتى يكون التعامل تكامليا وبناء من أجل تحقيق مصالح المجتمع عامة دون أضرار. وفي هذا الإطار، وفي ظل استمرار الوباء، أسيل الكثير من المداد حول المسؤولية الفردية والذي أجمع على أنها تكاملية وتؤثر في بعضها، فإذا أردنا حقيقة أن نصل إلى تطبيق مسؤولية مؤسسية نحو الفرد والمجتمع، فلا بد من رفع الإحساس بالمسؤولية الفردية وتوجيهها لخدمة المجتمع والحفاظ عليه، ومن ثمارها أن تستمر وتتفاعل المسؤولية المؤسسية وتكون انعكاسا لمسؤولية الفرد. في إطار المسؤولية الاجتماعية المؤسسية وضع هرم “كارول” للمسؤولية الاجتماعية، المعتمد في قاعدته على مفهوم المسؤولية الاقتصادية يليها المسؤولية القانونية تجاه المجتمع والبيئة، ثم المسؤولية الأخلاقية التي تحمي حقوق الأفراد والبيئة والأجيال المقبلة، وفي قمة الهرم، تأتي المسؤولية التطوعية والخيرية.
ولو حاولنا مجاراة هذا الإطار في المسؤولية ـ حسب باحث مختص ـ “لرأينا أن المسؤولية المؤسسية لا تنجح دون مستوى مقبول من المسؤولية الفردية التي يتبناها الأفراد. ويمكن القول إن مستويات المسؤولية الفردية تأتي من خلال احترام حرية وحقوق الآخرين، فلكل شخص حدود من الحرية يجب ألا يتجاوزها حتى لا يقع الضرر بالآخرين، ثم يأتي بعد ذلك مستوى المسؤولية القانونية للمحافظة على استقرار وتماسك المجتمع وحماية حقوقه، ثم يأتي دور المسؤولية الأخلاقية من خلال الالتزام بالأعراف والعادات المجتمعية التي تحمي الإنسان والبيئة وتحافظ على حقوق الأجيال المقبلة، يليها المسؤولية التطوعية والمشاركة المجتمعية التي تأتي نتاج السلام الذي ينعم به الأفراد نحو مجتمعه”.
كما أشار المختص ذاته إلى أن “كثيرا من المجتمعات المتحضرة قامت وتقدمت بناء على مستوى الوعي الفردي والمسؤولية الفردية نحو المجتمع، التي شكلت معرفة جمعية وتطبيقات تتكامل فيما بينها حتى وصلت إلى مسؤولية اجتماعية مؤسسية تسهم في بناء المجتمعات وتحقيق استقرارها وتقدمه، .مضيفا أن دور الفرد ومسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه يشكل اللبنة الأساسية في تكامل المجتمع وتحقيق استقراره. وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها المغرب والعالم ،هذه الأيام، بعد انتشار فيروس كورونا COVID-19 وخاصة بعد ارتفاع عدد الإصابات، تبرز أهمية المسؤولية الفردية نحو حماية المجتمع من أخطار الإصابة والحد من انتشار الفيروس، وحماية المجتمع من بث الشائعات والترويج للأخبار التي تثير الناس وتحدث الهلع والرهبة بينهم. كما تبرز المسؤولية الفردية في مدى التزام الأفراد بالتعليمات والتفاعل معها بطريقة تساعد على تخطي أخطار هذه الحالة التي تتزايد كل يوم.كما لا تهمل المسؤولية الفردية دور الأفراد في التكاثف والتعاون من أجل تحقيق الاستقرار وحماية المجتمع والبيئة والبعد عن كل ما يثير القلق من أجل تحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية على المستويات الفردية والمؤسسية بقطاعاتها كافة. المسؤولية الفردية أسلوب حياة يظهر فيه دور مكونات المجتمع نحو تبني وترسيخ المسؤولية الاجتماعية، وانعكاس لما ستكون عليه المسؤولية الاجتماعية المؤسسية “للشركات والأجهزة الحكومية” نحو المجتمع، ومؤشر على نضج المجتمع وتقدمه من خلال التعامل بروح المجتمع وتحقيق مصالحه الكاملة، يشير المختص نفسه.
وآخرا، لابد من التوازن بين المصلحة الدّينية والمصلحة الدّنيوية في أزمة كورونا، حيث يرى البعض أن هذه الجائحة جاءت لتضعنا أمام نوعٍ من التصادم الظّاهري بين تعطيل بعض المصالح الدّينية كغلق المساجد وتعطيل بعض الشّعائر وبين تحقيق بعض المصالح الدّنيوية مثل حفظ النّفس عن طريق الحُزَم الإجرائية الاحترازية، لكنّ المتأمّل فيها لا يجد فيها تعارضًا حقيقيًّا، وأنّ أيّ مصلحةٍ لا تأخذ وصفًا دينيًّا محضًا أو دنيويًّا محضًا، فهي كلّها من المصالح المعتبَرة شرعًا، وأنّ مراعاتها جميعًا هو جزءٌ من حفظ الدّين وليس تعطيلاً له، فحفظ الصّحة وحِفظ النّفس هي من صميم حفظ الدّين، وأنّ حفظ الدّين في حقيقته لا يتصادم مع المقاصد والمصالح الأخرى، وأنّ هذا التعطيل لهذه المصالح نسبيٌّ وجزئيٌّ وليس مطلقًا أو كليًّا. لقد أثبتت هذه الجائحة أنّها فوق طاقة الحكومات والمؤسّسات، وهو ما يفرض التوجّه بالمسؤولية إلى كلِّ فردٍ في المجتمع؛ باعتباره مسؤولاً عن نفسه في تصرّفاته وقناعاته، بعد أن عرف مواطن الخطر، واطَّلع على عمق المشكلة، ووقف على مكمن التحدّي، وشخَّص تأثير هذا الوباء، وانكشفت له تفاصيل حكايته.
وبعيدًا عن الجدل حول مسؤولية الفرد ومسؤولية الدولة، وجدلية التعارض بين المصالح الدّينية والدنيوية، فإنّ هذه الجائحة ـ حسب البعض ذاته ـ لا تفرّق بين ذلك، وأنّ المرحلة المقبلة تستدعي المزيد من تعميق دور المسؤولية الشّخصية في التعامل معها، وتأصيل روح المسؤولية المجتمعية اتجاهها، وتأكيد مبدأ المسؤولية الفردية والجماعية في التدريب الذاتي على الوقاية والعلاج منها، والتشجيع على خُلُق المبادرة والقدوة فيها.
محمد إمغران
صحفي بجريدتي الشمال وطنجة