مأساة هي تلك التي وقعت بطنجة الكبرى صبيحة يوم الاثنين، إذ بعد أن فارق وودع عمال مصنع النسيج أسرهم وقصدوا مكان عملهم لكسب قوتهم اليومي وإعالة والديهم وأفراد أسرهم. وبعد أن ترك أغلبهم مدنهم “من فاس وأكادير والعرائش ووزان والقصر الكبير…” وأهاليهم، شاءت الأقدار أن يكون ذلك هو الوداع الأخير، وأن يلقى 28 عاملا مصرعهم نتيجة تسرب مياه الأمطار إلى أحد المرائب الأرضية الذي أطلق عليه اسم “معمل”.. حيث لا تتوفر فيه أي شروط للسلامة، وربما كان هذا هو سبب نعته ب “السري”، لكن كيف لمعمل أن يكون سريا وهو يشغل أكثر من 100 عامل وعاملة ويشهد توافد العشرات عليه بشكل يومي؟ هذا ناهيك عن آلات العمل التي تشتغل بشكل مستمر على مدار اليوم، بالإضافة إلى تصدير واستيراد السلع أيضا من عين المكان واشتغاله لما يقارب 10 سنوات، والأكثر من هذا أن المعمل يتوفر على التيار الكهربائي المخصص للمصانع. فكيف له إذا أن يكون سريا؟
هذه الفاجعة فتحت الباب للالتفات بإيجاد حلول حقيقية لإشكالية المعامل الغير قانونية، لا السرية كما أطلق عليها، هذه المعامل التي تساهم بدور كبير في الاقتصاد المغربي سواء عن طريق تشغيلها للعمال أو عن طريق إنتاجها، لكن ورغم مساهماتها إلا أنها كانت ولازالت غير قانونية أو غير معترف بها بسبب الصعوبات والعراقيل التي يواجهها كل من أراد إنشاء هذه المقاولات. “فعوض أن تقوم المصالح المختصة بتأهيل هذه المقاولات ودعمها، تسعى إلى عرقلتها. وخير مثال على هذا هو (ع) صاحب المعمل الذي هزت فاجعته المدينة خاصة والبلاد عامة والذي يقطن بدوره بحي بئر الشيفا “الشعبي” كبعض ضحاياه، والذي نقل إلى المستشفى وهو في حالة حرجة، بعدما كان يعمل جاهدا على إنقاذ عماله. وحسب مصادرنا، فقد كان يتوفر هذا الأخير على وثائق تثبت امتلاكه للشركة، إلا أن هذا لم يكن كافيا بالنسبة له ليحصل على ترخيص قانوني للمعمل، وربما كان السبب راجعا إلى تهربه من اللجان المشرفة على هذه العملية كلجنة الصحة وأمانديس وغيرها… مما أدى به إلى عدم تسوية وضعيته وبالتالي وضعية عماله، سواء وضعية التأمين أو الضمان الاجتماعي.
هذه المصانع والمعامل أصبحت اليوم من الضروري التعامل معها بشكل جدي أكثر لتفادي وقوع أي كوارث مستقبلا، خصوصا وأن هنالك العشرات وربما المئات منها توجد بمختلف جهات المملكة. وعوض أن نعاقب ونحاسب صاحب مصنع واحد لماذا لا يتم تخصيص لجن لتقديم دراسة وحلول واستراتيجيات لهذا القطاع الذي يشغل نسبة مهمة من اليد العاملة والاستماع إلى هذه المقاولات ومعالجة الظاهرة من جذورها، على أن يوفر على الأقل للشغيلة الآمان من ناحية وضعها القانوني وشروط السلامة البدنية.
وعلى هامش هذا المصاب الأليم الذي جعل جلالة الملك محمد السادس يبعث بلجنة خاصة إلى المدينة للوقوف على تفاصيل الفاجعة، لابد من تحميل المسؤولية بالخصوص للمسؤولين المحليين الذين كانوا السبب الرئيسي لهذه الكارثة وعلى رأسهم الشركة المفوض لها تدبير الماء والكهرباء “أمانديس” التي لم تحرص على جودة بنيتها التحتية بل وتعاملت بفظاعة مع أحياء المدينة رغم النشرة الإنذارية التي أطلقتها مديرية الأرصاد الجوية. وما عاشته مختلف أحياء عروس الشمال في الاثنين الأسود أكبر دليل على إهمال الشركة المعنية لأحياء المدينة، في غياب شبه تام لقنوات الصرف الصحي.
وللإشارة، فإن النفق الموجود مقربة مكان الحادث “ربما” كان من أحد أكبر الأسباب التي كانت وراء تسرب المياه للمعمل وبالتالي فقدان عشرات الأرواح، وذلك نظرا لتصميمه وتهيئته التي لم تراع من البداية سكان المنطقة الذين أصبح حيهم بعد هذا النفق حيا مهددا لأي فاجعة بيئية.
وآخرا، بيت القصيد هنا أن هؤلاء الضحايا لن يكونوا الآخرين ولن تكون الفاجعة التي شهدتها البلاد هي الأخيرة كذلك لو لم توجد حلول عاجلة لهذه المصانع وكذا للمواطنين الذين يعملون بشكل يومي في انعدام تام لشروط العمل الكريم حيث يتم استغلالهم أبشع استغلال.
رميساء بن راشد