ليس الهدف من هذ الافتتاحية إنجاز جرد شامل لأهم المقاربات التي تناولت مفهوم المجتمع المدني. فهذا امر يمكن لبرنامج البحث google أن يقوم به على أحسن وجه ممكن.
هدفنا واضح هنا، ومرتبط ارتباطا بنيويا بما تمر به البلاد واقعيا من أزمة متمثلة في التهديد الخطير الذي يشكله وباء كورونا على أدائها العام.
لقد كان الوطن جريئا بأن أعلن الرفع التدريجي للحجر الصحي، لأنه لم يعد ممكنا الاستمرار في تجميد دينامية الحياة، ولأنه ليس معقولا أن نعيش في استمرار على المدخرات التموينية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في افتتاحيات سابقة.
وقد لعبت مؤسسات “رمزية” عدة أدوارا عضوية في محاولة محاصرة انتشار الوباء عبر التوعية والتحسيس بمخاطره، وعبر الالتزام الواعي بكل الإجراءات الاحترازية التي اقتضى الأمر اتخاذها.
لعب الإعلام دوره، واضطلع العديد من المثقفين بمهامهم، وانخرطت بعض الفئات الجمعوية في الذود عن الوطن بما يدع لا يدع الشك في ذلك.
غير أنه، قبل هذا، لابد من التذكير بالمجهودات التي اضطلعت بها الدولة لأكثر من خمسة أشهر من أجل صون سيادة البلاد بكل مقوماتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، ومن أجل ضمان استمرارية فاعلية البلاد.
ما نود الوصول إليه في هذا السياق هو أن المجتمع المدني، بكل مفاهيمه وتعاريفه المحتملة، من هيئات وجمعيات ومنظمات، ولربما الأحزاب، والأشخاص المعنويين…وغيرها ممن يمارسون أنشطتهم العمومية خارج سلطة الحكومة، وكل إجماليّ التنظيمات ذات الطابع الاجتماعيّ، والتي تساعد على رعاية الأفراد، ودَعمِهم؛ من أجل المشاركة في الحياة العامّة…
ما نود الوصول إليه هو أن المجتمع المدني ينبغي أن يضطلع في هذا الظرف الحساس بأدواره الوطنية للإسهام في خروج البلد من إكراهات أزمة كورونا.
يقتضي الأمر أن تسطر هذه الهيئات، وفي هذه الظرفية بالضبط، برامج ذات صلة وثيقة ومباشرة بنشر الوعي اللازم بخطورة ما يتهدد بلادنا، بل يقتضي الأمر برامج ميدانية تُنَزَّل على أرض الواقع للتحسيس بالخطر الذي نتوجه نحوه.
قد يقتضي الأمر إصدار منشورات تنويرية، ويقتضي الأمر إنجاز مواجهات واقعية مع المواطنين في الفضاءات العمومية المحتملة…مقاهي، شواطئ، منتزهات، حافلات، مصانع، شركات…هدفها الأساسي محاولة دفع الناس إلى التطبيع المستمر مع الوضع الاحترازي. وفي هذه الظرفية بالضبط قد يقتضي الأمر التنصيص على ارتداء الكمامة وتحقيق التباعد الجسدي واستعمال المعقمات كحد أقصى.
بهذا التوجه سنمنح مفهوم “التمدن” صفته القوية، وسيصبح معادلا ضديا لكل المفاهيم التي تخرجنا من التصنيف الحضاري.
يُوضِّح محمد عابد الجابريّ مُصطلَح المُجتمَع المدنيّ بالنسبة إلى اللغة العربيّة بأنه قد حصل على مُسمّاه بالنظر إلى مُقابِلِه الدلالي في العربيّة، وهو المُجتمَع البدويّ، وهو الأمر نفسه الذي تبناه ابن خلدون بالنسبة لكلمة الاجتماع الحضريّ وضدّها، ألا وهو الاجتماع البدويّ.