تقرير أطروحة لنيل الدكتوراه في موضوع
“مجموع مسائل فقهية
وفتاوى شرعية وعلوم نقلية”
تقديم وتحقيق
للشيخ الكامل العارف الواصل العالم الجليل الشريف الحسني العلمي
سيدي محمد بن محمد الحراق الحسني (ت 1261 هـ)
إعداد الطالب الباحث إشراف فضيلة الأستاذ
محمد الرامي الغريب الدكتور أحمد بوعود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوحى إلى عبده الكتاب و السنة، و أقام بهما على عباده الحجة، و رسم لهم فيهما المحجة، لئلا تعتري سالكها مشقة و لا ظلمة، هدى بهما من الغواية، و أزال بهما الجهالة، من تمسك بهما عصم في الدنيا من الضلالة، و في الآخرة من الشقاوة .
و الصلاة و السلام على الرحمة المهداة، و النعمة المسداة، المبعوث للعالمين رحمة، سيدنا محمد سيد الأولين و الآخرين، وعلى آله و صحبه الكرام البررة، ومن سلك مسلكهم إلى يوم القيامة .
فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد بوعود
السادة أعضاء لجنة المناقشة الدكتورة سعاد الناصر، الدكتور محمد حماد ، الدكتور عبد الواحد بوشداق ، الدكتور عبد المجيد حدوش .
والداي العزيزان ، الأساتذة الفضلاء ،الحضور الكريم ، كل باسمه وصفته وموقعه ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
بسرور بالغ، يسعدني أن أقف أمامكم، بكل احترام وتقدير كي أقدم بين أيديكم تقريرا مركزا عن أطروحة الدكتوراة في موضوع :
« مجموع مسائل فقهية وفتاوى شرعية وعلوم نقلية للشيخ محمد بن محمد الحراق الحسني ( ت 1261 هـ ) » تقديم وتحقيق .
وذلك ضمن وحدة شمال المغرب وعلاقته بحضارات الحوض المتوسط .
فأقول وبالله التوفيق :
إن الواجب على العبد؛ معرفة ما يرضي الله ربه فيسارع فيه، و معرفة ما يسخطه فيسعى جادا في اجتنابه، ليفوز بالسعادة في عاجله و آجله.
و الفقه الإسلامي هو الطريق الموصل و الباب المطل للاهتداء إلى ذلك، فبه يعرف الحلال من الحرام، و الحق من الباطل، و الصحيح من الفاسد…
لذلك قام فقهاء الإسلام بتوضيح مسائله، و إبراز دلائله، و ترتيب حججه، و درء مشكلاته، و تجلية نوازله، مستمدين ذلك من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و إجماع الأمة، و سائر الأدلة المعتبرة، فصنفوا المطولات و المختصرات، و اجتهدوا في ترتيبها و تيسيرها، و أودعوا فيها كل ما يحتاج إليه الناس في عباداتهم و معاملاتهم المالية و أنكحتهم و فض الخلاف بينهم في الأموال و الأعراف و الدماء، و غير ذلك مما يحصل بينهم، و ما يتوقع وقوعه، و لو على أندر الاحتمالات، حتى تركونا على الجليات الواضحات ..
ومن هؤلاء الأعلام من ظفرنا بمصنفاتهم، و منهم من لم نظفر بها بعد، مع علمنا برسوخ أقدامهم و علو شأنهم و مكانتهم بين أقرانهم ومن أتى بعدهم.
و إنه من حق هؤلاء العلماء الأجلاء أن نبرز ما تناثر من كلامهم و جادت به قريحتهم لتيسير الوقوف على آرائهم و اجتهاداتهم و دراستها و الاستفادة منها و إبراز علمهم للعامة و الخاصة و إعطائهم المكانة و الأهمية المستحقة .كما أن حفظ تراث أمتنا ، وأمجاد أجدادنا، والحفاظ عليه من الضياع والاندثار، واجب أخلاقي ووطني وديني .
و لقد كانت استفادتي من دورة تكوينية للتحقيق في التراث الإسلامي أجريت بالقاهرة ، نظمتها المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، بتعاون مع مكتبة الاسكندرية ، و إشراف الدكتور فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية في يونيو 2015 م عاملا أساسيا للاتجاه في هذا المضمار و البحث عما طوي من موروثنا الأدبي و الإسلامي… إلى أن دلني العالم الجليل، والمربي الأصيل الشيخ محمد بوخبزة التطواني رحمه الله ( ت 1441 هـ ) على مخطوط شيخ الطريقة الحراقية، العلامة، القدوة الفهامة الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن محمد الحراق الحسني، فاستشرت بذلك أستاذي الفاضل الدكتور أحمد بوعود ، الذي استحسن الموضوع، وحفزني على خوض غمار البحث العلمي، فاستخرت الله تعالى وعزمت على جعله موضوع بحثي لإعداد أطروحة الدكتوراه، آملا أن أسهم ولو بنزر يسير في إبراز تراثنا الفكري وموروثنا الحضاري .
أسباب اختيار الموضوع
يعود اختياري لهذا البحث فضلا عما سبق ذكره إلى عومل عدة، يمكن إجمالها في :
– الإسهام بهذا العمل المتواضع في إحياء التراث المغربي الأصيل ، ونفض الغبار عنه، وإخراجه من ظلمة الرفوف، إلى أيدي القارئ الشغوف .
-الرغبة الملحة في خوض ميدان التحقيق ، والوقوف على كيفية التعامل مع المخطوطات، وإبرازها على الوجه الذي أراده مصنفوها .
– الاطلاع على الفهارس والمصادر التي تحتوي على أمهات المخطوطات، بغية توسيع مداركي الشخصية، وإشباع شغفي العلمي .
-تحقيق النوازل التي عالجها الشيخ الحراق، وإحياء مخطوطه هذا ليضاف إلى ما نفخر به من موروث فكري وثقافي، إذ من الإجحاف في حق هذا الهرم التطواني الصوفي أن يظل مخطوطه هذا حبيس الرفوف، منزويا وراء الصفوف، رغم بعد صيت صاحبه .
قيمة البحث و أهميته
أما عن قيمة البحث و أهميته فتتجلى في النقاط التالية :
– إبراز السمة الفقهية للشيخ محمد الحراق رحمه الله ، وتجلية إمامته ، واجتهداته في الفقه ، التي لم يشتهربها كاشتهاره في فنون أخرى مثل التصوف والشعر .
– التعرف على إمامة الشيخ الحراق من كافة النواحي ، ومن خلال محاولة لإثبات ترجمة دقيقة وممحصة .
– الوقوف على الرأي الصحيح لهذا الإمام ، والاعتزاز بتفقهه السني المالكي ، واعتقاده الأشعري الجنيدي السالكي، وتصوفه الدرقاوي الشاذلي .
-كون المسائل الفقهية المتناثرة في صفحات المخطوط، من تحبير عالم سني مالكي، وأديب مغربي، وشيخ طريقة، تخرج من المدرسة الشاذلية الدرقاوية، جامع بين علوم الظاهر والباطن .
صعوبات البحث :
واجهتني بعض الصعوبات التي حالت دون إنجاز هذا العمل المتواضع على وجهه الأكمل ، أهمها :
- أن هذا المخطوط لا يتواجد إلا في نسخة فريدة حسب ما توصلت إليه .
- أن بعض صفحاته تسربت إليها الرطوبة فأثرت على بعض كلماته ، الأمر الذي جعلني أستنطقها بصعوبة .
- إغلاق خزانة القريين بفاس، قصد ترميمها مدة سنتين، وما تلا ذلك من استفحال الحالة الوبائية التي شهدتها بلادنا والعالم أجمع ، وما تلا ذلك من إجراءات احترازية ، وإقفال للمكتبات العامة والخاصة أيضا .
- أن مجموعة من المصادر التي اعتمدها الشيخ الحراق في مسائله مازالت مخطوطة ، ومنها شرح الفقيه الورع ابن رحال المعداني الذي يعد من أبرز شروحات الشيخ خليل، إذ يشتمل على خمسة عشر جزءً ، وبالمناسبة فقد تبنت الرابطة المحمدية لعلماء المغرب تحقيقه ، ويعمل مجموعة من الباحثين بها على إخراجه ودراسته ، فنسأل الله أن يوفقهم وييسر مبتغاهم
إشكالية البحث
يعد مخطوط الشيخ الحراق الحسني هذا من كتب النوازل التي تزخر بها مكتباتنا العربية، والتي ظلت في غربة تامة، لأكثر من قرنين من الزمن، وجاء دوره اليوم لنفض الغبار عنه، والتعريف به، وإبرازه لمريديه، وإعطائه مكانته التي يستحقها، فمن هو صاحب الكتاب؟ وماهي مؤلفاته؟ وماهو منهجه الذي سلكه في نوازله ؟ وماهي مضامينها ؟ وأين تتجلى أهميتها ؟
وللكشف عن هذه الإشكالية ارتأيت أن تكون خطة بحثي على النحو التالي:
خطة البحث
لإنجاز أطروحتي قسمت عملي إلى قسمين: الأول: قسم التقديم، والثَّاني: قسم التَّحقيق.
أمّا قسم التقديم فقد اشتمل على مقدمة وثلاثة فُصول وخاتمة.
تناولت في المقدِّمة أسباب اختيار الموضوع، وأهميته، والأهداف المتوخاة من هذا العمل، وإشكالاتِه، والخطة المتبعة في إنجازه.
وخصصت الفصل الأوَّل للتعريف بعصر الشيخ محمد الحراق ،وفيه مبحثان : تحدثتُ في المبحث الأوَّل عن الحالة السياسية والعلمية، وفي المبحث الثاني تطرقت للحركة الفكرية وآثارها، وعرفت بأبرز روادها
أما الفصل الثاني فخصصته للتعريف بمؤلف المخطوط الشيخ الحراق وناسخه تلميذه العلامة محمد المهدي ابن القاضي ، وجعلت ذلك في تسعة مطالب تضمنت إسمه الكامل ونسبه ومولده ونشأته، وطلبه للعلم ورحلاته، وشيوخه وتلاميذه، وأخلاقه وشهادات العلماء فيه، والوظائف التي تولاها، ومحنته، وتصوفه وحكمه، فمصنفاته، ووفاته ومصادر ترجمته، ثم ترجمة الناسخ محمد المهدي ابن القاضي .بذكراسمه ونسبه، و مولده ونشأته ووظائفه ، ثم وفاته ومصادر ترجمته.
وجاء الفصل الثالث للتعريف بكتاب مجموع مسائل فقهية وفتاوى شرعية وعلوم نقلية، حيث ضمنته مبحثين وخاتمة
المبحث الأول تفرع إلى ثلاثة مطالب ، تم في المطلب الأول تحقيق العنوان، وفي المطلب الثاني تحقيق نسبة المؤلف لصاحبه ، وجاء المطلب الثالث بجرد لمصادر الشيخ الحراق في نوازله .
أما المبحث الثاني فقمت فيه بالتعريف بنوازل العلامة الحراق، وتحته ستة مطالب أوردتها شرح عنوان الكتاب ومضمونه، ومنهج الشيخ الحراق في نوازله، ومناقشة بعض قضايا الكتاب، وجرد لمادته وعدد المسائل الواردة به إجمالا مع تسمية كل واحدة منها ، ثم التعريف بالنسخة الخطية المعتمدة، وعملي في تحقيق الكتاب وتوثيقه .
وأنهيت القسم الأول بخاتمة تعرضت فيها لأهم النتائج المتوصل إليها في هذا العمل .
أما القسم الثاني فهو لب الموضوع ونواته، ويتعلق بالمتن المحقق ، إذ قمت فيه بضبط نصوصه معتمدا في ذلك على النسخة الفريدة المتواجدة بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان ، وعمدت إلى توثيق نقوله واستشهاداته من مظانها الأصلية، وعرفت بالأعلام الواردة به، وألحقت به في الختام مختلف الفهارس العلمية المرتبطة به
-فهرس الآيات القرآنية
-فهرس الأحاديث النبوية والآثار
-فهرس الأعلام
-فهرس المصطلحات الفقهية الواردة بالمتن
فهرس المصادر المذكورة في المتن
-فهرس المصادر والمراجع المعتمدة
ثم الفهرس العام
وبعد هذا العرض لا يسعني إلا أن أعترف بالفضل لأهله.
فأشكر والداي فهما من غرسا في نفسي حبّ الاجتهاد والمثابرة في طلب العلم، وكانت دعواتهما مصباح طريقي ، ومصدر طاقتي .
و أتقدم بشكري الوافرودعائي الخالص للمشرفين على أطروحتي، فضيلة الدكتور أحمد بوعود الذي تفضل بالأشراف على هذا العمل، ولم يبخل علي بالنصح والتوجيه والإرشاد ،طيلة مدة إنجازه، إذ بفضل إرشاداته المستنيرة، وتوجيهاته القيمة، تمكنت من إنجازهذا العمل الذي بين أيديكم، ولفضيلة الدكتور الأستاذ محمد أوغانم ، الذي تفضل بالأشراف على أطروحتي كذلك ، ومتابعتها، وتصويب عملي وتهذيبه، وكان خير سند ومرشد ،فأسأل الله أن يبارك في عمره، وينعم عليه بدوام الصحة والعافية .
كما أتقدم بكبير الشكر وعظيم التقدير للجنة العلمية ، الأساتذة الأفاضل، الدكتورة سعاد ناصر ، والدكتور محمد حماد، والدكتور عبد الواحد بوشداق، والدكتور عبد المجيد حدوش على تفضلهم بقبول مناقشة هذه الأطروحة ، وتقويم هذا العمل المتواضع بملاحظاتهم القيمة وتوجيهاتهم السديدة، فأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء .
ولا يفوتني أن أبدي شكري الكبير لأسرة الشيخ سيدي محمد الحراق، متمثلة في شيخ الزاوية الحراقية سيدي الغالي الحراق، ونجله الدكتورالخلوق والرجل الصدوق محمد الحراق، لرحابة صدرهما وحسن استقبالهما ومساندتهما
كما أغتنم المناسبة لأتقدم بجميل الامتنان ، وخالص الدعاء لجميع أساتذتي الذين درسوني في جميع المراحل الدراسية والمحطات التعليمية . ولكل من أفادني ومد لي يد العون جميل الثناء وصادق الدعاء .
وأخيرا اسأل العلي القدير أن يجعل عملي هذا موافقا لشريعته، خالصا لوجهه، موصلا لمرضاته وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.