محمد أبو عسل أصيل من الشاون. عرف نور الحياة منتصف ثلاثينيات القرن الماضي في أعرق حي بها؛ حي السويقة. فقد والديه وهو لم يتجاوز عامه الثالث عشر. كان – رحمه الله – نموذج عصامية فريدة. حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالعليم الابتدائي فالأصيل مستفيدا من دروس التعليم الشرعي.. مستكملا ذلك في المعهد الديني بطنجة مسترفدا من دروس العلامة عبد الله كنون.. ليعمق تكوينه في جامع القرويين بفاس.
انتقل المرحوم أبوعسل إلى القاهرة وانتظم طالبا بالجامع الأزهر، وعلى الرغم من الفترة القصيرة التي قضاها بالقاهرة حرص على متابعة الاستفادة من جمعيات ونواد ودور وجامعات ومنابر ثقافية، من قبيل : جمعية الشبان المسلمين ونادي القصة ونادي الموظفين ودار الحكمة والجامعة الأمريكية ومجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير وغير ذلك..
في منتصف خمسينات القرن الماضي شد رحاله نحو بغداد عن طريق سوريا ، وفيها انتظم في سلك طلبة معهد الفنون الجميلة مستفيدا في الآن ذاته من حلقات دراسية للجامعة العراقية (في الجامعة العراقية كانت له صلات مع الشاعر المغربي محمد السرغيني). وفي بغداد ألّف المرحوم محمد أبو عسل بين الرسم والتشكيل وكتابة الشعر متأثرا بمحفوظه من الشعر العباسي وأشعار رواد مدارس البعث والديوان والمهجر، ناهلا من مدونات بدر شكر السياب ونازك الملائكة ومهدي جواهري.
في منتصف سمينات القرن الماضي أحرز المرحوم ابوعسل على جائزة الشعر.
من كتاباته الموجهة للطفولة في صيغة حكائية رمزية خيالية نقرأ هذا النموذج :
شجرة العصر
غامض جدا سر هذي الشجره. إنها ذات حياة. تتحرك كالمد والجزر، ولا ريح في الجو
تهب عليها. إنها شيء غريب! ربما في خفايا كنهها تكمن حكمة.
……
قيل إن ثمار الشجره، طعمها في فم البعض حلو وفي فم الآخر علقم مر..
أثمرت لونين من فاكهة العصر، مختلفين لونا وشكلا،
والذي كان متمعنا في الأمر تكلم بعد نفاذ الصبر وقال :
مستحيل أن يكون لهذي الشجرة هذه القدره، ربما هي شيطان مريد..
مذ متى كانت طبيعة الأرض تخالف سنة الكون ؟
وحده الإنسان يوصف بالطاعة والعصيان .
قال ناس من ذوي الرأي:
إنها وضع خارج عن عالم المألوف.. إنها ظاهره.. سوف تصبح موضوعا للبحث، ليقول العلم فيها كلامه بالحجة والبرهان..
وتخلصا منها وافق الجمع على إحراقها قبل أن تصبح غابة موت..
وقال آخرون من ذوي الفهم :
إنها ليست شجره، هي نوع من العلم أنزلته الصحون الطائرة من العالم الآخر..
وهناك تراءت لهم تعلو وتكبر، حتى أصبحت سامقة وسط الصحراء ، ثم عادت كما كانت !
……
لونها نار كمقلة عفريت لئيم من عفاريت سليمان
ساقها طلسم سحر من وثائق هاروت وماروت
ثم قيل :
هل أساءت لكم ؟
هل رأيتم منها في يوم أذى؟
قالت الناس جميعا :
أبدا وإن كانت مخيفة..
إنها شيء غريب.. خارق للعادة.. لا يطمئن النفس
وقال الحكيم :
فاطمئنوا على أن نفكر تفكيرا سديدا في الأمر
ولكن دفاعا عن نفسها ربما قد تقوم بفعل لا يحمد عقباه، ربما فقدته أمه من يخطىء في حقها. اطمئنوا فإني أراها مسالمة وقاتلة في الوقت ذاته، ولها ذات الصفتين
وهناك ثائر جن جنونه ، وقال بجهر : سألقي عليها بهذا الحجر
استحالت قبل الرمي في يديه شرارة نار.. صاح بجهر : إنني تائب يا أيتها الشجرة. عفوا لم أكن أعرف قدرك .أرجوك سامحيني ولاتحرقيني.
جزاء له ألقت إليه بثمار طيبة. تناولها أكلا لذيذا، وقال : إنها جد حلوة. لم يحدث له ألم. على الفور أكل الناس معه، والثمار تنهار بغزارة عليهم.
تكونت شبه صداقة بينهم والشجرة شرط أن لا يكون هناك اعتداء من الطرفين على الآخر، وإلا سوف تصبح علقما مرا وقاتلة..
……
غابت الشمس. عاد الناس إلى الواحة، وفي الغد جاءوا، فلم يروا شيئا في المكان الذي نبتت فيه، كأن الشجرة لم تكن سامقة في عنان السماء !
لم يروا أثرا سوى بعض الزهور تركتها في المكان الذي كانت فيه؛ علامة للحب ورسالة منها إليهم، وحواليها فراشات ترفرف شاعرة بالأمان.
تأسف الناس على هذا الاختفاء . عادوا بالأكياس فارغة. لأنهم جاءوا للتزود بالأكل لا لقطف الزهور.
……
تثاءب الطفل وقال : يا لها من حكاية ياجدتي. إنها فعلا جميلة . شكرا جزيلا.
عانقها بحرارة ، ثم نام هناك .
أبو بسام