تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة) العلامة الأديب قاضي مدينة العرائش سيدي أحمد بن يوسف الفاسي إلى صديقه الشريف البشير أفيلال.
-56-
[من العلامة القاضي أحمد بن يوسف الفاسي إلى صديقه الشريف الأديب سيدي البشير أفيلال، يطمئن عليه وعلى أسرته ويحثّه على السّفر لحاضرة فاس طلباً للعلاج والتّفسّح…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلم
محبّنا وخلاصة ودّنا وأعزّ النّاس لدينا، الشّريف الأفضل، العلاّمة الأديب النّبيه الوجيه الأكمل، مولاي البشير أفيلال، أمّنك الله ورعاك، وسلام على سيادتك ورحمة الله تعالى وبركاته وتحيّاته ورضوانه.
وبعد، فموجبه تجديد العهد بسيادتك، والسؤال عنك، وعن كافّة أحوالك، جعلها الله بخير وعافية، ولإن تفضّلت علينا أخوتك بالسؤال فنحن -والحمد لله- وجميع الأهل والأنجال بخير الكبير المتعال.
هذا، وقد وافانا الأعزّ كتابك أفادنا سلامتكم وعافيتكم، أدامهما المولى علينا وعليكم، وحمدت الله على ذلك. وجميع ما شرحته صرنا منه على بال.
أمّا ما ذكرته من أنّك كتبت لنا ولم نجاوبك، فحاشا لله أن يرد عليّ كتابك ولا أهزّ طرفا لقدومه ونجاوبك في الحين، وهي عادتي مع مطلق الناس، فضلاً عن أخوّتكم وسيادتكم، ولا تظنّ غير ذلك، وأمّا ما ذكرته من أنّه منذ وصل كتابي، وأنّك تريد انتهاز الفرصة في القدوم لحضرتنا بقصد التفسّح والتّجوّل، والوقوف على معاهد اسلافكم الكرام، ويمنعُك من ذلك الضعف الناشئ عن الوهم الخ
فاعلم أيّها الأخ أنّ تجوّلك بحضرتنا وغيرها هو سبب في اضمحلال ما هو ملمّ بك، فاعزم على بركة الله، وطيّر لي الإعلام نتعرّض لأخوّتك برباط الفتح، فبالله عليك إلا ما تبادرت لذلك، وأنا موقن بذهاب ذلك من ذاتك، مع أنّ السفر من أصله قال فيه جدّك الصادق المصدوق: (سافروا تصحّوا، وتغنموا وتزدادوا رزقاً)، فلو ورد فيه هذا اللفظ فقط، لكان متعيّنا على كلّ من ألمّ به المرض السّفر، فإنّه لا ينطق عن الهوى، مع أنّ […] فإنّ كلّ من ألمّ به المرض إلاّ ويأمرونه بتبديل الهوى، مع أن السفر اليوم قد اضمحلّ تعبه بوجود التسهيلات الدافعة لذلك، فاقدم أيّها الأخ بارك الله فيك على هذا الدّاء، فإنّه نافع لك جدّاً، ولا ترى فيه إلاّ ما يسرّك دنيا وأخرى، وفّقني الله وإيّاك لما يحبّه ويرضاه.
وما طلبته مني أن نشتريه لك من قواعد المقري، فقد بحثت عليها جدّاً فلم نعثر على من رآها مطبوعة، وإنّما هي بخطّ اليد، وليست موجودة.
وأمّا شفاء الأخت بعد سلامنا عليها وعلى زوجها الخيّر الشّريف مولاي علي، فالحمد لله على ذلك، وفّر الله جمعكم، وحفظكم بما حفظ به الذّكر الحكيم، وزاد في مددكم ومعناكم، ولا جعله آخر العهد مع أخوّتكم.
مسلّماً على سيادة الأخ في الله سيدي الحاج عبد السلام، وعلى أهل داره وبنيّته، حفظكم الله وحفظ بكم، وأقرّ العين بوجودكم، كما نسلّم على الأخ في الله العلاّمة الشّريف سيدي الحسن، وعلى أخيه العدل البركة سيدي أحمد، وعلى جميع بقيّة الشّرفاء الأجلّة، البدور الأهلّة، من غير تخصيص، وعلى الوزير العلامة سيدي أحمد الرّهوني، وعلى جميع من ضمّه مجلسكم السّعيد، وعلى أبناء العمّ من غير تخصيص، وعلى محبّنا في الله سيدي عبد السلام الخمال، وعلى جميع من ضمّته تلك المدينة البهيّة، الدّرّة السّنية، عرفتموه أو لم تعرفوه، وعلى كلّ من سأل علينا، طالباً منكم وإليكم صالح أدعيتكم، وعلى الأخوّة والسلام.
وها أنا في انتظار جوابك ليوم القدوم لنسافر للرباط لملاقاة سيدنا وأخينا فيا لله، أصحبكم الله السلامة، في الظّعن والإقامة، ولا تجعل جوابي الحرمان بالله عليك أيّها الأخ والسلام.
في 23 محرم عام 1345هـ.
أخوكم ومحبّكم في الله: أحمد بن يوسف الفاسي كان الله له.
-57-
[من العلامة القاضي أحمد بن يوسف الفاسي إلى صديقه الشريف الأديب سيدي البشير أفيلال، يطمئن عليه وعلى أسرته، ويخبره باقتناء ما طلبه منه من فاس، من أثاث ولباس]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
سيّدنا ومحلّ أخينا، الشريف العلامة الأفضل، الأديب النّزيه الأكمل، مولاي البشير بن العلامة القاضي المرحوم سيدي التهامي أفيلال، أمّنك الله ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله.
وبعد، فلا زائد على ما فارقناكم عليه من السّلامة والعافية، وحللنا حضرة فاس عشية يوم الخميس حلول يمن وأمان، ووجدنا الأهل في انتظار دخولنا، غير أنّه صعب علينا فراقكم، فجزاكم الله عنّا خيراً على ما قابلتمونا به من […] التامّة، حتى صرنا لا نلهج إلاّ بذكركم، والتمتّع ببشاشتكم ومقابلتكم لنا، خصوصاً الأهل، وما هي بأول بركتكم يا أبناء الرّسول.
أمّا الصّحنان، فها أنا جادّ في البحث عليهما غاية، كما اشتريتُ لك الزلافتين من الطاوس، وقد دفعت لمعلّم البلغات الثلاثة المقياس نهج ما أشرت عليّ به ولكلّ ما أشار عليّ به أخوك العلامة الوزير بعد سلامنا عليه.
كما دفعت مقياس المنطقتين لصانعيهما، نطلب الله أن يأتيا موافقاً الغرض. والمؤكّد به عليك أن تؤكّد على سيادة أخيك الحاج عبد السلام بعد سلامنا عليه بأتمّه وأطيبه، بأن يتكلّم مع الفقيه الصباغ بأن يرسل لنا مقياس السوارين من الذهب، ولابدّ. فالأمر متوقّف على ذلك، لنرسل الجميع دفعة.
وأما مشاتير كتان الفرجيات، فسيصلونك بعد هذا بحول الله وقوّته.
مسلّماً على جميع ساداتنا الشّرفاء، خصوصاً ابن عمّك سيّدنا مولاي علال، ومولاي الحسن، وعلى جميع باقي الشّرفاء، ومن أهلنا على جميع أهل الدار والأحباب، والله يحفظكم ويرعاكم.
وأما كؤوس البلّور فقد وجدتهم وكأنني اشتريتهم، فطب نفساً، وهذا ما وجب به الإعلام، وعلى الأخوّة والسلام.
في فاتح الذي هو يوم الإثنين عام 1353هـ.
أحمد بن يوسف كان الله له.
د. يونس السباح