تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[4]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يعرب له عن عواطفه، ويخبره بجديد الأخبار]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا مولانا محمد وآله
سيادة أستاذنا الإمام المؤلّف المصنّف الهمام، أمير المؤمنين في الأدب، أخانا العارف الجامع من المعارف، بين التليد والطارف، أبا عبد الله سيّدي محمد سكيرج، أبّد الله مجدك، وحفظ عهدك، وسلام تامّ عليك ما خلعت شمس الآفاق على الأزهار شعاعها، ونشرت أنواع الرّيحان عرفها وإيناعها.
وبعد، وصلتني جواهر أدبكم المنساب، المتفرّع من دوحتي الرّويّة والاكتساب، فاكتحل بإثمده النّاظر وسرّ به وربّك الخاطر، تضمّن إعلام سيّدنا بما قدّمه كرمه من هدية الرّيحان، وهزّته إليه الأريَحيّة الخزرجية من سوابغ الإحسان عمّا بسالف عهده، وإنجازاً لموعدنا وعهدها لعبده. نعم، وصلتني هديّة الحِبّ، وتلقّيتها بمزيد الاغتباط، وفككتُ ختام ظرفها بتمام ابتهاج ونشاط، وعلمت رعاك الله أنّه لا تزال في أفق الفضل ربابَة، وفي حوض الوفاء الهاشميّ صبابة، فأكرم بها من تحفة وداد، وأعظم بها من طرفة خليل جواد، على حبّه الفؤاد.
ثمّ إنّي قد تأخّرت بالإعلام بوصول الصّندوق، وذلك ممّا نعهده معك من باب ترك رعاية تدبير الحياة العلمية بمعزل، كيف وقد عهدتُني أنشط ما أكون إذا اصلحت أدوات كتابتي، وتواريتُ عن لغط الجماعة بزاوية بيتي، ويممّتُ قبلة خزانتي، وجعلتُ صورة جسمك أمام نظري ووجهتي، وطفقتُ أنتخب من بين الموضوعات ما يجري به القلم، ويصله الباع والقدَم، ويقدم لديك بواجب الإجلال والاحترام، ويحمل إليك ما يكفه لك الفؤاد، ويحفظه عن رسوم التّواد.
استغفر الله الذي يعلم أنّي لم أرد بهذه الكلمات إلاّ إظهار صورة الحقيقة التي لدى الجميع …الدّقيقة من أن أقول هذا زوراً، أو أفتري فأكون عبداً مغروراً، وزادني نزول سيّدنا الأخ عبد السلام لديار مرتيل، ومعلوم لديك ما هي التكاليف التي يقوم هو بها وقد أسندت إلى ظهر أخيك.
هذا، وإنّ رفيقي الأنيس، مطرب القاعد والجليس، مولاي أحمد بن إدريس قد لحقته معارك بقبيلة بني سعيد، اضطرّته إلى مباركة محلّ الخدمة بكلّ سرعة ما عليها من مزيد، وموجبها راجع إلى قصور باع الرّجل في سلوك تلك الطريقة، وذاك هو عين الحقيقة، ولطالما كنتُ متوقّعاً ذلك من أوّل الأمر، وما منت ظانّاً أن تمرّ على أيّام ولايته مدّة شهر، وبالطبع وصلكم تأخر سي الزّبير عن وزارة المالية، وإحالته على المعاش، مما زاد الرّجل في الضّعف والارتعاش، وقد تأثّر بذلك وأظهر غاية الجزع، كأن عنده يوم الفزع، ورشّح مكانه السلوي 200، وفي الحجابة بريشة 100، وفي الصائر محلّ بريشة ابن الشّقيق 60، وإنّي رأيتك طويت بساط المذاكرة فيما يتعلّق بكتاب الرّهوني وأرض كَلا، ولا أعلم موجب هذا الإعراض، وعيد مولانا سعيد بطول الحياة في هناء دائم، وعزّ قائم، وعلى المودّة والسلام. في 8 ذي الحجة الحرام متم عام 1350هـ.
البشير أفيلال
[5]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يعرب له عن محبّته، ويحثّه على كتب الإجازة له]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
أستاذنا العلامة الدرّاكة العلاّمة العارف، سيدي محمد سكيرج رعاكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله.
وبعد تجديد عهد الأخوّة فإنّ المومن إذا عاهد وفى، وإذا خالل صفى، وقد ترك سيّدي الانضواء لكم، والاختلاء بجانبكم، وتوجّه القلبُ إليكم مع انعكاس نور محبّتكم إلينا أثراً …سنجني بحول الله ثمرته، وندّخر تركته، وليت أمر تلك الزيارة امتدّ، ولكن كان سلامها مقرونا بوداع، وما راعيت في السماح بذلك إلاّ الأعذار التي أعلم قيامها، وكلمتك بالعهد التي يراعي مثلكم ذمامها، وغنّي مؤكّد على سيّدنا الأستاذ في مزيد التفاته القلبي، واستحضاره الروحي لأخيه الذي يزداد كلّ نهار حبل وداده به امتداداً، ووعاء قلبه الفارغ ممّا يرد عليه من بحر إمدادكم الأحمدي تعطّشاً واستعداداً، وفي قلبي شيء من عدم تيسر الإجازة التي … بها على الشكل الذي نريد، والكيفية التي تزيدني شفاء وفناء في بحر الوحدة التّجانية، وبودّي لو كانت الظّروف تساعد، وتوافق ولا تباعد، على الاستقرار لديكم أو لدينا حتّى تأتي تلك الإجازة على طبق الأمل، وفي الله الرّجاء وحسن العمل.
وعلى كلّ حال؛ إنّي لا أملك صبراً على أن تتأخّر لي بها عن الزّيادة الموعودة في أوّل العشر الأخيرة، والظّنّ في الله وحده جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ومولاتنا ربّة الدار تسامحنا فيما تكابده من مشقّة تغنيكم عنها، والله عليم بتلك المشقّة ومجازيها عنّا خيراً. والتهامي قد أطال عصا التسيار، وطال به المقام بمنازل الدار والقوم كرام، والزمان ليس بغلام.
أمّا الحرارة فقد اندلعت نيرانها عجز يوم السبت، وظلّت ليلة الأحد ويومه، وقد تنازلت -والله أعلم- نوعاً ما عن عشية السّبت. وقد أخبرت أنها لديكم كذلك، والله يقينا شرّها وشرّ حرّ الموقف، ويعاملنا بلطفه معاملة من لا يستطيع حيلة ولا يطيق صبراً، آمين. وأخوكم في الانتظار والسلام.
في سحر ليلة الإثنين 15 شعبان عام 1365هـ.
البشير أفيلال شفاه الله آمين
[6]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج جوباً على استدعاء لحضور حفلة العقيقة]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
سيّدنا أمير الأدب، العلامة الأكتب، أخانا العارف سيدي محمد سكيرج رعاك الله، وسلامه عليك ورحمته.
فإنّي قد قبضت كتابك من السيّد الدّفوف، وبه زيادة على ما بالكتاب المؤرّخ بنفس تاريخ الأوّل تقديم الاستدعاء لعبدكم لحضور الحفلة الحافلة إن شاء الله بالخيرات والمبرّات، ونيل الأماني والرّغبات، في يوم الثلاثاء ومنذ ورد كتابك بذلك وعبدكم يركب الأقيسة السياسية لإحراز الرخصة من سيّدته الوالدة ليحظى بالكون لديكم في هذا اليوم المشهود، وينال الحظ الأوفر من بركة طعام عقيقة المولود، وها أنا ذا استعطف وجوه من يمكن من البنين والحفدة ليمثّلوا عبدكم في بعض الأعمال التي يباشرها في هذا اليوم، ونطلب الله النّجاح بمنّه.
أما ما أحلتم به على الاجتماع بكم، فإنّي لشديد الرّغبة فيه، والله ولي مكافأتكم لاربّ غيره، وقد كتبوا لي بتاريخ 25 واعلموا أنّ المطر قد نزل بكثرة قرب مراكشة يوم الأربعاء، وصحبه غضب إلاهي أذهب الإنسان والمشاية، ونزل أيضاً بمراكشة نفسها نهار الجمعة، فأغيث الناس، فاللهم لطفك بعبادك.
وهذا ما وجب إعلامك به، والسلام. 26 محرم الحرام 1352.
البشير أفيلال
إعداد: يونس السباح