تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[13]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّن الاطمئنان عليه، وتهنئته بالتّدريس ضمن قائمة المدرسين بالمعهد الدّيني، وفرحه بتعلمّ ابنته القراءة والكتابة…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد الفاتح الخاتم وآله
شيخنا الأستاذ الجليل، العلامة الكبير، الشيخ العارف، أبا عبد الله سيدي الحاج محمد سكيرج، أبقى بركتك، وحرس من كلّ مكروه مهجتك، وسلام علي سيّدنا ورحمة الله.
وبعد تجديد عهودي بكم، وسؤالي عن أحوالكم، وتمنياتي أن تكونوا في هذا الشّهر الكريم على أحسن ما نؤمّل ونرجو.
وصل كتابكم الكريم مؤكّداً في البرور في الوعد الذي قطعناه على أنفسنا بزيارتكم في عاشر هذا الشهر، وما وجدت -يعلم الله- حتى المقدرة على الإجابة عنه، والاعتذار فيه، بل اكتفيتُ بمخاطبتكم التلفونيّة بما هو عليه حال أخيكم، وقد فكّرتُ في التكلّف وإرغام مجهودي على ما لا تتحمّله فأحضر لديكم ليلة، ولكن لم أر فائدة منها، وعلمتُ أنّها سوف لا تفي بالغرض، لذلك قرّرتُ -ومولانا يحقّق الأمل- أن نكون لديكم داخل أيّام العيد إن شاء الله، حيث تتبدّل أحوال الجدّ، وتتبدّل الأمزجة، ويحلو المقام.
هذا، وقد أفادتنا السيّدة أمّ كلثوم التي توجد الآن في ضيافتنا أنّكم جميعاً بخير، غير أنّ جهاد الصّيام قد أثّر فيكم في الجملة، فكنتم حقّا من المغلوبين له بمقتضى السّطوة الرّبّانية، وظهور سرّ الله في هذه المأموريّة الرّوحيّة شُرعت لتطهير النّفوس من أدرانها، والأرواح من أعراضها، ومولانا تعالى يأخذ بيدكم، ويكون لكم عوناً في كلّ شؤونكم.
وأفادتنا السيّدة أنّ ربّة البيت الصّالحة الجليلة تساهم في محاربة الأمّيّة ليلاً، وإنّه لعمل مشكور يشكرها الله عليه، ويا حبّذا لو كانت الأمة استيقظت قديماً لهذا الدّاء، فعالجته بالمكافحة حتّى لا نوسم بكوننا أمّة تغلب عليه الأمّيّة في عصر تغلب فيه على الأمم الأخرى المعرفة والنّور، ولكن عندي أنّ النّتيجة لا تأتي سريعاً من هذه التي يسمّونها بالعصبة، لأنّ كبار العامّة لا تنقاد بطبيعتها لتلقّي المعرفة من الصّغار، لتصلّب طباعهم، ونشوئهم على إهمال مواهبهم وعقولهم، وقد قرأتُ بجريدة العلَم اسمكم الكريم ضمن من أقرّوا على خطّة التّدريس، فحمدت لهم عملهم، وشكرت لكم حسن صنيعهم.
وقد أعجبني أن يكون السيّد بوحساين مدير ذاك المعهد، لأنّ الرّجل معتدل في أفكاره، مشرب بالمروءة والعافية، لا تلعب به العقول المطرفة، ولا تعمل في عقيدته مذاهب من يدّعون لأنفسهم التّفوّق في العلم، ولغيرهم من سادة النّاس وقادتهم الجهل والتصدّر، ومولانا سبحانه يحسن العاقبة، ويوفّق الخطى، ويلهم الرّشد، آمين.
و […] سلامي على الأنجال، والسيّدة الصّالحة، وبنتنا زبيدة أعانها الله، وأرانا فيها ما نحبّ ونرضى، وعلى المودّة والسلام. في 20 رمضان المعظّم عام 1375هـ..
البشير أفيلال
[14]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّن الاطمئنان عليه، والتّشوّق لزيارته، وما يتبع ذلك من أمور عائلية…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
شيخنا العزيز، الشيخ العارف العلامة الكبير، سيدي الحاج محمد سكيرج رعاكم الله، وسلامه تعالى عليكم ورحمته وتحيّته وبركته.
وبعد، فقد أحدث تأخّر جوابكم ع رسالة تهنئة العيد في نفس صديقكم قلَقاً وتشويشاً لم أعهدهما من تأخّره من غيرها من الرّسائل التي نقدّمها لكم، وقد استأنستُ بعد أيّام رحلتكم التي قدرت أنكم قمتم بها بالرّباط، فانقضى أكبر عدد من الأيّام التي ظننت أنّكم استغرقتموها فيها، ولا جواب يطلع على نجمه، وما فرّجها إلاّ قدوم السيّدة أمّ كلثوم التي عرفتني أنّكم جميعاً بخير، وأنّك وأنّك تزاول دراستك العادية كالأنجال حفظهم الله.
أدّى بالذي أخّركم عن الجواب هو الاشتغال بالدّراسة زيادة على المشاكل الدّنيويّة التي لا يخلو منها بيت، ولا يعرو منها مخلوق، ونطلب الله أن يكون لكم عوناً على […] فالمشاكل بالنّسبة لكم هي كالجبال تزل على الظّهر بالنّسبة لغيركم، والله تعالى دائماً في عون العَبد.
وقد سرّني ما اقتضته الظّروف من تحوّل دراسة الولد السيد رشيد لطنجة […] فإنّ فيه تهدئة للنّفس، وراحةً للبال في الجملة، وطمأنينة لقلب ولوالدتهما الصالحة الذي […] من أحوال نجلها المرتضى شفاه الله آمين.
سيّدي: أفد سيّدتنا ربّة البيت رعاها الله، أنّ طيب الأذنين الذي كنت شوفتها له للآن لم يظهر شيء محسوس من معالجته، وهو لازال يباشرني بعناية، وإذا لم يتّضح من أمره ما يدلّ على تفوّقه -كما كنتُ أعلمتكم- فإنّي لا أريد أن أزعجها وأشغلها بغير المفيد، وإنّي لا أزال أنتظر النتائج، والله المعين، ونطلب الله أن يكون قريباً، ويعود عليكم سلام الأهل والأخوين، ومنّا على الأنجال رعاهم الله، والسيّدة العالمة الصالحة، وعلى مودّة سيّدنا والسلام. في 16 شوال الأبرك عام 1376هـ..
أخوكم: البشير أفيلال
[15]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّن الاطمئنان عليه، واقتراح المناسب لظروفه الصحية، وإخباره بعزمه على عرس، وعلاقه بزوجته المتوفّاه، وتقديره لها، وحبّه الكبير الذي يكنّه لشخصها ما منعه من إجراء الحفل…]
الحمد وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
سيّدي وسندي، ومن عليه في خلوص الودّ والخُلّة والمحبّة معتمَدي، الشيخ العارف، شيخنا سيدي الحاج محمد سكيرج رعاك الله، وسلامه تعالى عليك ورحمته وخيره وبركته.
وبعد، فإذا كانت السّعادة تُضفي أضواءها على قوم ثمّ تختفي طوعاً أو كرهاً وتبقى أضواؤها في نفوسهم، ونورها يضيئ في قلوبهم، وبهجتها تشعّ على خواطرهم، والحديث عنها يطيب للسانهم، والتّلذّذ بذكريات حركاتها وسكناتها تلوكُه أفواههم؛ فلتكن هذه السّعادة هي زيارتكم الأخيرة لنا، فقد تمتّع الجميع بلذّة وجودكم لدينا وأنتم في غاية من نشوة السّرور، وفي نهاية من لذّة الحُبُور، والكلّ من حولكم يرقص ويطرب ويدور، وهم يتمنّون بكلّ لهفة أن تعيدوها في القريب زيارة أطول، تكون لمعاني المسرّات والمبرّات أجمع من تلك وأشمل، والحقّ أنّها كانت -والحمد لله- على أحسن ما كنتُ أتمنّى لولا عارض يبوسة الطّبيعة الذي كان يقلقكم ويقلقنا معكم، وعسى أن تذكروا ما شرحته لكم من أمر العسَل المجمّد، فإنّه أصلح ممّا سواه في تليين وتلطيف ما يتجمّد بمخرج الإنسان، ثمّ الدّفع به إلى الخارج بسهولة.
هذا وإنّي كما وعدتكم كنتُ عازماً على حضور وليمة الزّفاف، ثمّ فكّرتُ في شأن هذا الخاطر المتقلّب بأدنى شيء، المضطرب لأتفه شيء، فألفيتُني لا أضمن له الوقاية ممّا قد يعرض له ويتأثّر به، فالدّار سوف لا أجدها كالمعهود بوجود السيّدة الحبيبة، بل سيكون كلّ شيء فيها على خلاف المعهود، لأنّها ستكون محلّ نزل للواردين من الخارج، منهم من نعرف ومنهم من لا، وهذا شيء لا نتحمّله ونفرّ منه، حتّى ولو كانت الحفلة بدار سكناي، فالرّجاء المعذرة وإقناع البُنيّة الكريمة بما تعلمون أنّها تقتنع به، ولابدّ إن شاء الله أن نحضر لديكم بعيداً داخل أيام العيد، ونطلب الله أن يكون ولدنا السيّد رشيد برّ بوعده، وساعدته ظروفه، فحضركم مجموع الشّمل بعقيلته الفاضلة المصونة، وكريمته الصّغيرة درّة الصّدف المخزونة المكنونة، وسلّم منّي بفضلك على كافّة العائلةـ وأخصّ الشريفة لل فاطمة، ومنا عليكم الجميع، وخصوصاً الأخ سيدي الحاج محمد الذي غضب من عدم الاتّصال بك، وعلى مودّتك والسلام.
في 27 ذي القعدة الحرام عام 1378هـ.
أخوك: البشير أفيلال
إعداد: يونس السباح