مراسلات ومطارحات لأعلام شمال المغرب
إعداد: يونس السباح
(39)
تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يطمئن عليه ويواسه مما ألمّ به من مرض الوسواس…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
حفظ الله صحّة ومزاج سيّدنا الأستاذ افمام العلامة شيخنا سيدي الحاج محمد سكيرج وأطال بقاءه، وخلّد في الصّالحين ذكره وارتقاءه، وعجّل برأه من كلّ نزل به وشفاءه، وسلام عليه ورحمة الله.
وبعد، فساعته وصل كتابكم الذي أزعج قلبي وفؤادي، وكدّر خاطري وصيّر الجوّ أمامي ظلمة لا أستطيع معها النّهوض، ولا أبصر معها إلاّ الهموم. ذلك مما كان أصاب الأهل أوّلاً من الانحراف الذي ألهمتم أمره، وكان داعية لسهركم وقلقكم، وما أصابكم ثانياً من الضّعف وانحلال قوّتكم، حتّى قصدتم الجبل وتركتم بالدّار من يعمرها من الأصهار وخادمتكم الخ، نعم، تكدّره غاية وزدتموني كدراً على كدر، ولم أدر ما هو الموجب للانزعاج المفرط الذي أدّى بكم للتّخوّف وحكاية ذكر الأجل، وأنتم العالمون بنتيجة التّثبّت وأنّ الأجل لا يرتبط في شيء بمرض ولا صحّة، فكم فوجئ صحيح وعمّر طويلا شخص أضناه المرض، فعجبي من انزعاجك فاق حدّه واقلقني في وقت أنا محتاج فيه للتّداوي، ثمّ الواجب على سيّدنا الأستاذ أن يهاجم هذا الفكر الذي دخله ولم يكن -والحمد لله- له سبيل إليه من قبل، وبترك كلّ وسوسة تتعلّق بموضوع التّخوّف من الأجل، فإنّه داء وهمي لا أثر له، ولكم -والحمد لله- المكانة الراسخة من الإيمان بالغيب، والمعرفة اليقينية بالله، فلا يكون والحالة هذه للشيطان عليكم سبيل إن شاء الله تعالى، أمّا تنقّلكم للجبل فحسن في هذه الأيّام، فلتقم به جهد الإمكان، ولأجل هذا فإنّي متأخر عن الحضور لديكم إلى أن تتمّ عافيتكم بحول الله، والأخ سيدي عبد السلام ها هو يباشر الأمر الذي كان خاطبكم به، وعند النّهاية نكون بطرفكم إن شاء الله، ويعود عليك سلام الإخوة، وعلى تمام المودّة والسّلام. في 25 ربيع الأوّل عام 1358هـ.
عن عجل: أخوكم البشير أفيلال كان الله له
[20]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج في التهنئة بعيد الفطر، وبمصاهرته مع الشيخ أحمد السميحي، ويترقب زيارته في العاجل القريب]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
سيّدنا الأستاذ الجليل العلاّمة شيخي وسندي العارف أبو محمد الشيخ محمد سكيرج الخزرجي رعاكم الله وسلامه عليكم ورحمته، […] وترَات القلب وصلتُه.
وبعد، فإنّي بعد تقبيلي لراحتكم الكريمة، والتماس بركات نفحاتكم العميمة، أتقدّم إليكم بإبلاغ مراسم وتهاني عيدنا هذا عيد الفطر المجيد، بكامل الضّراعة إلى ذي العظمة أن يعيدكم إلى عديد من أمثاله في أعوام مستقبلة وأنتم محفوظون، وبعين العناية ملحوظون.
هذا، وقد أعلمتني سيادة الأخ سيدي عبد الكريم بما تمّ من عقد المصاهرة بينه وبين شقيق الروح الأخ الصالح العلامة الحيي، أديب الشّمائل، صهركم سيدي أحمد بن الشيخ سيدي أحمد السميحي بكريمته حفيدتكم، فكان سروري بذلك بالغاً مبلغاً، ليس من الممكن الإعراب عنه في هذه البطاقة، وذلك لما احتفّتْ به هذه المصاهرة الكريمة من أوجه المناسبة من عدّة جهات، هي إن شاء الله تكون عنواناً ظاهرا لزيادة حبل التواصل بينك وبين سيادة سيدي عبد الكريم، وسيفاً قاطعاً يقضي على تلك الظنون السيئة التي تخلّفها طبيعة الحركة […] وتربيها الأطماع بضميمة الأخلاق الفاسدة والجهل.
ولقد تغنّى على وتر المصاهرة كلّ من له بجانبكم علقة وذمام، وبالأخصّ أهل هذه الدّار، بل وسائر أفراد العائلة نساء ورجالاً. وقد كلّفتْني ربّات الحجال منهم بإلقائهن للسيدة الجليلة ربّة البنين بواسطتكم تهانيهنّ الحارّة، وشعورهن بهذه المناسبة، راجيات للسيدي كامل التوفيق والعناية، فقل بفضلك آمين.
هذا، وقد كنتُ في انتظارك ليلة 27 رمضان عملاً بالاتفاق القديم، وبما أكّدت به على سيدي عبد الكريم في ذلك، وأن تكون زيارتك محفوفة بسيدي أحمد، فوقع تخلفكم عن ذلك، فعسى أن تعوضونا عن ذلك أياماً من هذا العيد، وسلم مني على السّادة الإخوان، والأستاذ الجليل الرجل الصالح سيدي أحمد رعاه الله وابقاه، وعلى الأنجال الكرام. وهذا ما به إعلامكم وعلى سيادتك المودة والسلام. في متم رمضان 1355هـ.
وسلم مني كذلك على الرجل المتبتّل الفقيه سيدي الحاج الجراري ولابد.
أخوكم: البشير عن عجل لضيق الوقت، والله يسامحني في إضاعة حقوقكم. 5 شوال عام 55.
سيدي: قد تجللت الأخلاق بأواخر شهر المغفرة لدرجة أنّني كنت كتبت لكم هذا الكتاب فيه، وعوضا عن أن أبادر به للبريد تركته ملصقا بمحفظة أوراق الكتابة. هذا وأنا ظان أنني رمزت لبعض الواجب حتى إذا تمكنت من كتابكم المؤرخ بثالث العيد، ونشطت به نشاطا الله يعلمه، وأمسكت محفظة الأوراق لأجيبكم وقت العيد عليه.
هذا، وإني أشكر سيدنا على هذه العواطف القلبية التي […] مع الأيام، وأوجبه إليه كامل شعوري بها، وميولي لها، أمّا ما أنتم تهتمون له كل اهتمامنا أو أشدّ من الاستطلاع على الخير الذي يكون له بحول الله الوقع الحسن لديكم، والتّأثير المستعذب عندكم، فنحن لا نزال في الانتظار لما تأتي به الأقدار، ونعلمكم بحول الله تلغرافياً حيث لا يمكن شفاهياً، ولا نحتاج للتأكيد في ذلك، لأنّه أمر واجب بأدلّة واضحة المسالك، وإذ ذاك تسلم بحول الله سيدنا أبا عيسى، طبقا لمطلبه، ووفقاً لمشربه، والله يجازيكم عني أفضل جزائه بمنه، لا ربّ سواه، مسلما على الأبناء الكرام، ومهنئا لهم عني بالعيد، وبه إعلامكم. صح به. أخوكم لطف الله به.
[21]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج يتشوق إليه، ويخبره بأحواله، وسبب تأخر مكاتيبه، وتضمنت أيضاً أخبار من ولي ومن عزل]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
سيّدنا الأستاذ الإمام، المؤلّف المصنف الهمام، أمير المؤمنين في الأدب، أخانا العارف، الجامع من المعارف بين التليد والطارف، أبا عبد الله سيدي محمد سكيرج، أبّد الله مجدك، وحفظ عهدك، وسلام تامّ عليك ما خلعت شمس الآفاق على الأزهار شعاعها، ونشرت أنواع الريحان عَرفها وإيناعها.
وبعد، وصلتني جواهر أدبكم المنساب المتفرع من دوحتي الرّؤية والاكتساب، فاكتحل بإثمده الناظر، وسرّ به وربك الخاطر، تضمّن إعلام سيّدنا بما قدّمه كرمه وهدية الريحان، وهزته إليه الأريحية الخزرجية من سوابغ الإحسان، عملاً بسالف عهده، وإنجازاً لموعدنا وعدها لعبده. نعم، وصلتني هدية الحب وتلقيتها بمزيد الاعتباط، وفككت ختام ظرفها بتمام ابتهاج ونشاط، وعلمت رعاك الله أنه لا تزال في أفق الفضل ربابة، وفي حوض الوفاء الهاشمي صبابة، فأكرم بها من تحفة وداد، وأعظم بها من طرفة خليل جواد ملئ حبه الفؤاد.
ثمّ إني قد تأخرت بالإعلام بوصول الصندوق، وذاك مما نعده معك من باب ترك رعاية الحقوق، أو قل من جانب العقوق، وموجبه يا مولاي تطوقي بالأعمال الإدارية بالمنزل، التي صيرتني عن تدبير الحياة العلمية بمعزل، كيف وقد عهدتُني أنشط ما أكون إذا صلحت أدوات كتابتي، وتواريت عن لغط الجماعة بزاوية بيتي، ويممت قبلة خزانتي، وجعلت صورة جسمك أمام نظري ووجهتي، وطفقت أنتخب من بين الموضوعات ما يجري به القلم، ويصله الباع والقدم، ويقوم لديك بواجب الإجلال والاحترام، ويحمل إليك ما يكنّه لك الفؤاد، ويحفظه من رسوم التواد.
أستغفر الله الذي يعلم أني لم أًرد بهذه الكلمات إلا إظهار صورة الحقيقة التي لدى الجميع منا هم الدقيقة، من أن أقول هذا زوراً، أو افتراء فأكون عبداً مغروراً، وزادني نزول سيدنا الأخ عبد السلام لديار مرتيل، ومعلوم لديك ما هي التكاليف التي يقوم بها وقد أسندت إلى ظهر أخيك، وإن رفيقي الأنيس المطرب، القاعد والجليس، مولاي أحمد بن إدريس قد لحقته معارك بقبيلة بني سعيد، اضطرته إلى مبارحة محل الخدمة بكل سرعة ما عليها من مزيد، وموجبها راجع إلى قصور باع الرجل في سلوك تلك الطريقة، وذاك هو عين الحقيقة، ولطالما كنت متوقعا ذلك من أول الأمر، وما كنت ظانا أن تمرّ على أيام ولايته مدة شهر.
وبالطبع وصلكم تأخر سي الزبير عن وزارة المالية وإحالته على المعاش، مما زاد الرجل في الضعف والارتعاش، وقد تأثر بذلك وأظهر غاية الجزع، كأنّ عنده يوم الفزع، وترشح مكانه السلوي 200 وفي الحجابة بريشة 100، وفي الصائر محل بريشة ابن الشقيق 60، وغني رأيتك طويت بساط المذاكرة فيما يتعلق بكتاب الرهوني وأرض كلا، ولا أعلم موجب هذا الإعراض، وعيد مولانا سعيد بطول الحياة في هناء دائم، وعز قائم، وعلى المودّة والسلام.
في 8 ذي الحجة الحرام متم عام 1350.
البشير أفيلال