مراسلات ومطارحات لأعلام شمال المغرب
إعداد: يونس السباح
(38)
تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. وندرج في هذه الحلقات مراسلات (صادرة وواردة) من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج رحمهما الله، والتي أمدّنا بها الدّيبلوماسي الأديب التّهامي أفيلال.
[16]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّنت الجواب عن تعزية]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
سيّدنا الأخ الكبير العلاّمة الشّهير، الشيخ العارف سيدي الحاج محمد سكيرج وعلى أخوّتك السّلام.
وبعد، فقد وافتني تعزيتكم في مصابنا الجلل الذي نرجو أن يعوّضنا الله عنه ما نرجوه، فعظّم الله أمر أجر الجميع، وإنا لله وإنّا إليه راجعون، والأهل يسلّمون على الأهل كافّة، شاكرون كمال اعتنائهم، فالله لا يريهم ما يزعجهم بمنّه، وعلى المودّة والسلام. في 17 جمادى عام 1357هـ.
عبد السلام أفيلال لطف الله به
[17]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّن الاطمئنان عليه بعد عودته من السّفر، واشتياقه لزيارته ومكاتبته]
الحمد لله وحده اللهمّ صلّ على سيّدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حقّ قدره ومقداره العظيم
سيّدي وسَنَدي، الحبب الشيخ الأجل، سيدي الحاج محمد سكيرج رعاك الله وسلامه عليك ورحمته.
وبعد، فقد تلقّينا نبأ مقدمكم السّعيد من البيضاء بكامل المسرّة، وحصل لجميعنا الاطمئنان على سلامتكم بعد أن غاب عنّا خبركم منذ جاءنا مبعوثاُ من عندكم “عبد القادر صاحب الرهوني”، وقد كتبت لكم قبيل العيد باسم مقدّم الزّاوية السيدي الحاج عمر المراكشي، وكنت طامعاً في وصول جوابي عنه فلم يصل شيء، ثمّ رجعتُ للهاتف فلم يساعدوا على وصل خطّي الاتّصال، وإنّي أحمد الله على سلامة ذاك الحدث، وأرجو أن تكونوا أبتم من هذه الوجهة، وأبتم أحسن منكم قبلها، وقد غادركم ألم المبال، كما أرجو أن تكونوا تركتم البُنيّة بعد رجوع الزّوج في عافية، وسيّدتنا الجليلة على أتمّ نشاطها.
وقد كنت عازماً على زيارتك في هذا النّهار، فإذا بي أصبحتُ مزكوماً بإصابة جوّيّة نابتني بالأمس من حركة قمت بها للفدان بعد صلاة العشاء، ومهما تنجلي أكون معكم بحول الله، لأنّ شوقي إليك عظيم، وما اعتدت منك أن يمرّ شهر الصّوم ثمّ أيام العيد بدون أن نتناجى أو نتكاتب، ولكن حكم الله للمرء غاب، ويسلم عليك الجميع والسلام.
في يوم الأربعاء 9 شوال الأبراك عام 1379هـ.
مقبّل يدكم: البشير أفيلال عن قلق
[18]
[من الفقيه الأديب، الشريف سيدي البشير أفيلال، إلى صديقه وشيخه، مؤرّخ طنجة العلامة محمد سكيرج تضمّنت تجاذب أطراف مختلفة من الأمور، وأفانين من ضروب القول، وفيها الحديث عن ولده الفنان البشير الذي كان شاباً حينها…]
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
سيّدنا الأستاذ الكبير العلاّمة المتضلّع، الشيخ العارف، سيدي الحاج محمد سكيرج رعاكم الله وسلامه عليكم ورحمته.
وبعد، فمنذ أمد ومواهبي معتراة بمرض الجمود، والقريحة عافاكم الله ذات فتور وركود، وتضايق النفس بين هبوط وصعود، وأكثر من مرّة أمسكت بالقلَم لأخطّ لكم ما يفتح الله به من حسن أو قبيح، وفاسد أو صحيح، واستوحي من ظروفي الخاصّة ومن خيالي الضّيّق ما أكتب، فلا تنزل على لساني كلمة واحدة، ولا تلد الفكرة الميتة ما يلذ للذّوق، ويستخلص منه القارئ أو السّامع فائدة، ولو أنّه قرأ على نفسه سورة المائدة، وأتذكّر المتنبّي الذي يقول: “يعتريني بعض الوقت ما يكون قلع ضرسي أهون على نفسي من قول بيت من الشّعر”، ففهمت عن الله سبحانه، وألقيت بالقلم جانباً، وتربّصتُ حتّى يأتي الله بما أكون مرغوباً له لا راغباً، وفي هذا الحال ورد كتاب سيّدنا كالتّذييل لجوابه عن كتابي الطّويل، يفيد أنّكم لا تزالون منهمكين في البناء والتّصليح، والتّدعيم والتّصحيح، استعداداً لفصل الشّتاء القادم، وأخذاً بالحيطة من تكرر الفيضان على المستيقظ والنّائم، والجالس والقائم، وإنّه لحسَن أن يقوم الإنسان بإصلاح غاره، وتفقّد ما بداره، ولو بالاستعانة بجاره، وليت القائد عبد السلام كان معكم يهوس جمعكم، ويزكّي زرعكم وضرعكم، ويقرّب لكم البعيد، بالسرعة البالغة والصدق والتحديد، فإنّ له القدح المعلّى في فنون الحركة والنّقل، وقوّة الحمار والبغل، والالتهام والأكل، ولا ينقصه غير الوفاء والأمانة في تبليغ الخبز والأمانة، ولو أنّ له فيه الإهانة، ولا أظنّ أنّ له الحذق في الطلاء والتّبييض، ولا المعرفة بالصّهر والتّفضيض، بل معرفته مقصورة على التقليل والتبعيض.
وقد سرّتني نهضة يامنة ونشاطها في أعمال البيت، وما قمتم نحو نجلها من توجيه وتربية، وإنّي أعدّ تيسّرها ثمّ موافقتها لكلم من تمام إحسان الله بكم وإليكم، فقد بلغت أزمة موظفات البيوت عندكم ألفاً من البسّيطة، فلتعضّوا عليها بالنّواجذ، وحافظوا عليها ولو بغلق الأبواب والمنافذ.
أفدتم سيدي بخبر اعتزام آل سطات على إلقاء عصا ضيافتهم لديكم، وقد ظننتهم من عائلة الأخ سيدي عبد الرحمن، فنرجو أن تزكوا معهم أواصر القربى الأخوية، وتصلوا بهم رحمكم التي صار مهجورة ومفرقة بحكم تغيّر الزّمان وتقلّب الوضعيات في الأوطان، وتلكم سنّة الله في عباده، ثمّ أظنّ أنّكم استشعرتم بما كان لذلك الهواء بالبستان من تأثير في شهية الأكل وفي النّوم وفي الحركة وفي المزاج والنّشاط، وقد تدركون الآن أنّ البطون عادت إلى مكانها من الجسم، وتداخلت وغارت، ولم تعد محاذية أو متجاوزة للصدر في البروز والارتفاع، ولم تعد هذه الحلوق تعدو على الطّعام من اليابس والأخضر والأبيض والأصفر، ولم تبق لها أيّ معاهدة مع الفكّ والأسنان والأنياب والأضراس، على الفتك بنتائج الأرض من بقول وأغراس، بل رجع الكلّ لممده، وسلم المحدود لحدّه.
تذاكرت مع الأخ بعد سلامه على جمعكم في شأن شكل السيد إدريس، فأكد أنه بعثه لكم في ظرف كتابه لكم، ونكرر سؤالي عن السيدة زبيدتنا بعد ما اطمأنّ الخاطر على سلامتها، وعلمنا ما قابلتموها به من صنوف المبرّة وألوان الإحسان، حرصاً على حياتها الغالية حتّى تكمل لنا ولها المسرّة، وإنّنا ننتظر استدعاءها لنا بحضور وليمة شفائها، التي لابد أن تكون قبل مهاجمة الضّيوف، وتعبئة الصّفوف، فتكون على مأمنة حوادث الحسرة، وتأمنها من خطة وهجرة. وقد توحشنا لسميّنا الأستاذ البشير ولمداعباته اللطيفة الهيّنة، ومباسطاته الحلوة اللينة، ولعلّنا نجده هيّأ لنا […] طائفة من الفكاهات الناذرة التي تتفتق عنها مواهبه الفطرية، و […] الصبيانية، والله يرعاكم. وسلم منا على الأنجال وصالحة المؤمنين، وأستاذتنا زبيدة حفظها الله، والسلام. في يوم الخميس 25 صفر الخير عام 1375هـ.
البشير أفيلال