تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. ونثنّي بمراسلات العلامة الأديب قاضي مدينة طنجة محمد بن إدريس بن رحمون الفاسي داراً، الطّنجي وفاةً وإقباراً رحمه الله، مع مجموعة من الأعلام.
-23-
[من قاضي طنجة، الفقيه الأديب محمد إدريس بن رحمون إلى صديقه الشريف الأديب السيد البشير أفيلال، يجيبه عن رسالة تهنئة بعيد الأضحى المبارك]
الحمد لله
فضيلة الأخ الرفيق الرّقيق، علاّمتنا البليغ، الشّريف الذي طالت مدائحه، وتناهت ممادحه، المولى البشير، أصلح الله لنا وله الحال والأحوال.
تحيّة طيّبة تعرب عن الوفاء إلى يوم اللّقاء.
لقد هِمْتُ وُجداً وانشرحتُ جدّاً بمسطوركم الذي أزال مفاده عن خاطري بعض الهيام المترتّب عن فحش وقائع الأيّام، فلك الفضل بهذه الذّكرى التي جادت بها قريحتك في وقت نبذ وثائق المودّة وراء ظهره، وطرح التّمسّك بعروة الإخاء تحت طيّ إهماله، ولذلك لم أستحضر في هذه العُجالة من حميد نعوتك سوى أنّك عفّ الضّمائر، نقيّ السّرائر، أرعى الأدباء عهداً، وأوكد النبلاء عقداً، أعلى الله كلمتك، وحرس نعمتك.
أمّا العيد فيوم مشؤوم عنيد، طلع فجره بانتقام عنيد، وسطوٍ مُبيد، وبطش شديد، تعاقب فيه الّمر، وتتابع فيه الشر والقسر والقهر، ولذلك وجب توديعه بقول الشاعر الحكيم:
سرْ لا أرانا الله وجهك ثانية==فلقد حللت بنا حلول الدّاهية
اللهمّ إذا أعقبته أيام مساعدة، وليالي بالفتح والهناء واردة، ومنن سائدة، وألطاف باليُمن والصّفاء عائدة، وليس شيء على الله بعزيز.
محمد إدريس بن رحمون
عاشر ذي الحجة الحرام 1373هـ.
-24-
[من قاضي طنجة، الفقيه الأديب محمد إدريس بن رحمون إلى صديقه الشريف الأديب السيد البشير أفيلال، يشكره على رسالة تهنئة بمولد خير البرية صلى الله عليه وسلم]
الحمد لله وصلى الله على سيّدنا محمد وآله
شريفنا الأفلح، الممجّد الأنجح، والأبرّ الأصلح، والخيّر الأمدح، فقيهنا النّبيه النّزيه، سيّدي البشير أفيلال.
تحية واحتراماً:
بينما أخوك في شوق ولهف لما يتجدّد من بشاراتكم السّارّة التي ينتظرها ويترصّدها بعدد الأنفاس، إذ هو قرير العين بمسطوركم الحفيل، الذي تبرّمت به وتبادلت بميمون جدّه، وسررت بأسعد طالعه فحمدت مبرّته، وشكرت موافقته، بعد أن اعترفت بجميل موقعه، وتفخيم قدر محرّره، ولصافة أنسه، وعذوبة لفظه، ولأنك أديب يتوقّد بلاغة، ويتدفّق قلمه جزالة، ويتفيض فكره فطنة وحماسة.
أبقاك الله أيّها الأخ، وأبقى عليك نعماه ناميا سرمدياً، ما كرّ عيدٌ وتوالى، بفتح جديد، وهنّاك به أخ فريد.
محمد إدريس ابن رحمون
12 ربيع 2. 1374هـ.
وما وصل من المكاتب سوى المجاب عنه، ولا أسلم إلا على من تحبّ.
-25-
[من قاضي طنجة، الفقيه الأديب محمد إدريس بن رحمون إلى صديقه الشريف الأديب السيد البشير أفيلال، يشكره على رسالة تهنئة بتقلّده خطة القضاء بطنجة]
الحمد لله
سيّدنا ومولانا، الأخ العزيز الأودّ الأرشد، الشّريف الجليل الأمجد، الفقيه العلامة الأوحد، سيّدي البشير أفيلال الإدريسي الحسني رعاه الله.
احتراماً وتحيّة وأشواقاً قلبيّة.
لمّا أوفد المفدّى بقلب متيّم==هتاب محمد وهو فينا بشيرُ
طربت على استحسان ضوء جبينه==ومبتسمات الثّغر منه تجير
سموحٌ فلا يسري الملامُ لقلبه==لطيفٌ ظريف والأديب خبيرُ
أسيّدنا إنّي الصّديق حقيقة==وذنبي تقصيري وشعري سفير
فدونك منّي ما يحقّ من الوفا==إذا كان يُرضى فالوفاء عسيرُ
إليكم تحياتي برمز زيارتي==وساعة أوقات اللّقاء تسيرُ
وأسعدني الحظ بمسطوركم الحفيل، فسررت به سروراً لا يفي به تعبير، ولا يتفسّح له مجال تقرير، وإنّي على عهد المحبّة والوداد، ولو طال البعاد، وكلّ ثناء واستجداء فهو وقف على حرم جنابكم الرّفيع، أما محمد إدريس ابن رحمون، فحسبه خديم لكم مطيع.
24 ربيع الثاني 1365هـ.
-26-
[من قاضي طنجة، الفقيه الأديب محمد إدريس بن رحمون إلى صديقه الشريف الأديب السيد البشير أفيلال، في الشّكر على التّهنئة بعيد الفطر]
الحمد لله وحده
صاحب الهمم الجليلة، والمكارم الحفيلة، الأخ العلاّمة الأديب، الشّريف الحسيب، مولاي البشير أفيلال الإدريسي الحسني.
تحيّة طيّبة وثناء على تلك السّجايا الباهرة، والخواطر الزّاهرة، حفظها الله ورعاها.
سيّدي أستمدّ رضاك، ويتعبني جدّاً وصف مالي من الشّوق إلى لقياك، ولقد كنت حقيقة في تعبٍ متزايد من احتجاب خبرك الذي لا أستطيع عنه صبراً لولا أن أدركتني عنايتك الصّادة بمسطورك اللّطيف الظّريف، المبشّر عن همم شريفة، تذكر فتشكر، وروابط أخويّة تنشر وتدخر، وإلى الله المصير.
أما العيد فأيّام المتحابّين في الله كلّها أعياد إذا صفت القلوب، ويسّر الله المرغوب، فلا تقف أبداً في صفّ المعتذرين، ولا تقف آثار المعتنين، وافتح بيني وبينك باب اليقين، (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)، فتأييد الله به تحفظ العلائق الودّيّة، وتستحكم الرّوابط الأصليّة، والله وليّ المتّقين.
محمد إدريس ابن رحمون
26 شوال 1374هـ
د. يونس السباح