تقديم:
أدب الرّسائل، يتضمّن جوانب مهمّة تقتضيها الكتابة الحرّة، والموضوع المسترسل، ويتضمّن هذا الأدب إشارات علمية، وإفادات فنّية، وإنشادات معرفية…
وفي هذه السلسلة ندرج بعضاً ممّا توفّر لنا من أدب الرّسائل التي التحمت فيها أرواح علماء شمال المغرب. ونستهلّ بمراسلات العلامة الأديب قاضي مدينة طنجة وباشاها وعالمها، الفقيه سيدي العربي التمسماني رحمه الله، مع مجموعة من الأعلام.
-7-
[من القاضي العربي التمسماني إلى صديقه البشير أفيلال، في عتاب الوزير محمد ابن موسى الذي انشغل عن مجلس ضمّ كبار العلماء، بمطالعة كتاب الإصابة لابن حجر…]
الحمد لله وحده وصلى الله وسلّم على سيّدنا محمد وآله
الأخ الذي تصدُق عليه هذه الكلمة بكامل معناها، وصحيح مبناها، الودود الذي كَسَتْه المودّة ساطع سناها، وباهر عُلاها، البشوش الذي حاز من البشاشة منتهاها، وأوضح معالمها وهداها. سيدي البشير أفيلال، رعاكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله، عن خير سيّدنا أيّده الله.
وبعد، فمنذ فارقنا أخوّتكم وذكرى تلك السّويعات لا تزول عن البال، ولا ينساها حال، حتّى جادت القريحة بعد جمودها بأبيات تتضمّن عذب صدورها وورودها، فأحببتُ أن أقدّمها لأخوّتكم عساها أن تحظى بالقبول، وتُعْرض على الأخ الفقيه الوزير الأفضل، سيدي محمد ابن موسى بعد أتمّ السّلام عليه، ليعلم إلى أيّة حالة وصلت منّا إصابته التي استغرق معها جلّ تلك السّاعات، ولا يكود لارتكاب مثل ذلك في الجماعات، فإن اعتذر فبأبيات توضّح المقاصد والنيّات، وإن أصرّ فلا تقبل مع الإصرار توبة، ولذلك عجّلنا الأوبة، وإن تخلّى عن مصاحبة الكتاب، وأخلص المتاب، فنحن على ما يعهد من خالص الوداد، إلى لُبس الحداد، مسلّماً بأتمّه وأطيبه على الأخوين الجليلين، الفقيه العلاّمة الوزير سيدي محمد، والجليل الأمجد سيدي عبد السلام، كما لكم من ولدنا، وعلى محبّتكم وصادق ودادكم، والسلام. وفي 19 ربيع الثاني عام 1364هـ.
العربي التمسماني لطف الله به.
-8-
[من القاضي العلامة العربي التمسماني إلى صديقه العلامة البشير أفيلال، يجيبه عن تعزيته في الفقيه الحسن اللمتوني الطنجي، وينعى عليه وعلى الوزير محمد ابن موسى بخلهما بزيارته]
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وآله
الأخ الفاضل الكريم العزيز اللقاء، والخلّ الوفيّ الصّادق الإخاء، الفقيه العلامة الشّريف الجليل سيدي البشير أفيلال، رعى الله تلك الأخلاق الطيّبة، وسلام عليكم ورحمة الله.
وبعد، وصلني كتابكم سائلاً عن الأحوال، ومجدّداً للإخاء، ومعزّياً في الفقيه المرحوم بالله السيّد الحاج الحسن اللمتوني الخ.
أمّا الأخوّة فأصلها (ثابت وفرعها في السّماء، تؤتي أكلها كلّ حين). وأمّا العزاء، فلا أحزن الله لكم قلباً، ولا أراكم مكروهاً، ولا أفقدكم حبّاً.
هذا وقد طال بيننا الفراق، واشتقنا القرب والتلاق، لولا ما يحصل من أخوّتكم في بعض الأحيان من الجفاء، بحيث تزورون بعض الإخوان دون بعض، وتتردّدون إلى بعض المنازل دون بعض، فلولا رسوخ المحبّة لتشكّكنا، ولولا عُقد الأخوة لتفكّكنا، ولكن هيهات هيهات، أن بطرق التناسي، أو تزول الجبال الرواسي:
أحباي أنتم أحسن الدهر أو اسا**فكونوا كما شئتم أنا ذلك الخلّ
هذا، وقد بلغنا تعزيتكم لولدي الفقيد، وهم يشكرون فضلكم، ويسلمون عليكم أتمّ السلام، وبه الإعلام، وعلى أخوّتكم ألف سلام.
وفي 24 جمادى الثانية عام 1378هـ.
هذا، ومثل ما نجده من أخوتكم من الجفاء، نجده أيضاً من الأخ الفقيه العلامة سيدي محمد ابن موسى، بعد سلامنا التّامّ عليه، ولا نعلم لذلك سبباً إلاّ البخل بالزّيارة التي بها تتجدّد الأخوّة.
أخوكم: العربي التمسماني لطف الله به.
-9-
[من العلامة القاضي السيد العربي التمسماني إلى صديقه العلامة الشريف سيدي البشير أفيلال، يجيبه عن تهنئته بمناسبة المولد النّبوي الشريف، ويبثّ إليه لواعج شوقه…]
الحمد لله وحده وصلى الله وسلّم على سيّدنا محمد وآله
حبيبي اللطيف الشّمائل، النّظيف الخمائل، المحمود الخصائل، الممدوح في الأواخر والأوائل، الشريف الجليل، العلامة النبيه النبيل، سيدي البشير أفيلال، رعى الله تلك الأخوّة التي لا يكدّر صفوها مرور اللّيالي ولا توالي أشهر البعاد …والتوالي، وسلام على سيادتكم ورحمة الله، عن خير سيّدنا أيّده الله.
وبعد، فأهنّيكم أوّلاً بهذا الشهر العظيم، والموسم النّبويّ الفخيم، أعاد الله على الجميع أمثاله في أطيب عيش وأهنأه، وأنال الكلّ فيه غاية ما يتمناه، ثمّ بإيابكم من سفركم الذي قطعتموه في التّجوّل بتلك الأصقاع الأندلسية، والتمتّع براية آثار من شيّدوا مراسمها البهية، ثمّ بهذا العام المبارك السّعيد الذي يتساءل تاريخه على طريق الاستهداء (هل عام الظفر بالأعداء) = 1367.
هذا، وقد بلغنا الأخ الشّريف سيدي أحمد الصّيد سلامكم العاطر، وملامكم المتقاطر، ذكّرني قول القائل:
أعد ذكر من أهوى ولو بملامي==فإنّ أحاديث الحبيب مدامي
والله يعلم أنّ القلب لا ينساكم، ولا يقيس بكم سواكم، كما نتيقّن أنّكم مثلنا حالاً، وإن طال البعاد وتوالى.
مسلّماً بأتمّه وأطيبه على الأخوين الجليلين، الفقيه العلامة الوزير سيدي محمد، والأريحي الأخلاقي النبيل سيدي عبد السلام، كما لكم من ولدنا وصهرنا، وعلى خالص محبّتكم والسلام.
في 9 ربيع النّبوي الأنور عام 1367هـ.
العربي التمسماني لطف الله به
د. يونس السباح